بعد رحلة مثيرة جعلته ينتقل من عالم الفقر إلى نادي المليارديرات والمسؤولين الكبار… قضى محمد مبديع ليلته الأولى بسجن عكاشة بعد أن جربت يداه برودة الأصفاد بعيدا عن إقامته المكيفة بأرقى أحياء الرباط.
محمد مبديع، الوزير السابق، ورئيس بلدية الفقيه بنصالح والرئيس المستقيل حديثا من لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب سيتعين عليه مواجهة تهم جنائية بالجملة، في صفقات بمئات الملايين، بعد وضعه في سجن عكاشة الذي كان يعتقد قبل ساعات قليلة أن بابه لن يفتح في وجهه مهما طال الزمن.
التهم تتعلق بإختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والغدر واستغلال النفوذ وغيرها والمشاركة في ذلك.
القيادي في حزب الحركة الشعبية لن يكون وحده بعد أن قرر قاضي التحقيق إيداع سبعة متهمين السجن، وطالب بإتخاذ تدابير المراقبة القضائية في حق خمسة متهمين، وذلك بإغلاق الحدود في وجههم وسحب جواز سفرهم وأغلبهم موظفون بجماعة الفقيه بنصالح.
السقوط المدوي لمبديع بعد حصانة امتدت لثلاث سنوات في مواجهة اتهامات جنائية خطيرة انطلق بعد هرولة الحزب لإصدار بلاغ نعا فيه سياسيا واحدا من قادته ضمن آخرين تفوح منهم رائحة فساد قوية إذ يكفي إشهار سؤال من أين لك هذا لتتع لائحة المحاكمات.
بلاغ الحركة الشعبية أو بالأحرى بلاغ محمد اوزين استبق القضاء، وأعلن متابعة مبديع قبل قاضي التحقيق.
كما خلط البلاغ السم بالعسل وهو ينوه بشجاعة مبديع الذي قدم استقالته ليقفز عن حقيقة أن الرجل تلقى تعليمات بوضعها، قبل أن تطرق عناصر الفرقة الوطنية باب فيلته لتطير به في رحلة دون عودة نحو الدار البيضاء، ومنها لسجن عكاشة.
شهادة طبية
مبديع الذي استفاد من “هدنة “فرضتها ظروف الحجر الصحي، توصل باستدعاءات متتالية للحضور ، تهرب منها بتبريرات متعددة كحال الشواهد الطبية، قبل أن يجد نفسه وجها لوجه أمام الخروقات والاختلالات الخطيرة الواردة في الشكاية التي قدمها الفرع الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام جهة الدار البيضاء-سطات والمتعلقة ب”تبديد أموال عمومية والإغتناء الغير مشروع وخرق قانون الصفقات العمومية”.
الواقع أن الرجل كان مستريحا قبل أن يفتح عليه أبواب جهنم بعد انتخابه في فضيحة سياسية كرئيس للجنة العدل والتشريع بمجلس النواب.
خطوة أكدت تطبيع جزء كبير من النخبة السياسية بالمغرب مع الفساد وتضامنها فيما بينها لحمايته، وهو ما اتضح جليا بعد اقبار تجريم الإثراء غير المشروع الذي جعل مبديع ينتقل بسرعة البرق من موظف بسيط لملياردير يقيم أعراس تشبه ليالي ألف ليلة وليلة.
انتخاب مبديع وجه ضربة موجعة لسمعة المغرب في أسواط المستثمرين وقت جد مهم، كما كرس الانطباع الذي هو أقرب للحقيقة بـأن الفساد تغول في دواليب الدولة، وصارت التعيينات محصورة على بعض رموزه.
ليلة القبض على مبديع
صباح أمس الأربعاء 26 أبريل تم إستقدام محمد مبديع إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من طرف عناصر هذه الأخيرة من مقر إقامته بالرباط بناء على تعليمات الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف بالدار البيضاء.
وبعد الإستماع إليه من جديد بخصوص المنسوب إليه رفقة مقاولين وموظفين ومستشارين جماعيين تم تقديم الجميع إلى الوكيل العام للملك لدى نفس المحكمة في وقت متأخر من مساء ليلة أمس.
وبلغ عدد المشتبه فيهم 13 مشتبها جرى إستنطاقهم من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف شخصيا رفقة نواب آخرين للوكيل العام، قبل أن تصدر قرارات خلقت زلزالا حقيقيا في المشهد السياسي الرتيب.
ريش على الرؤوس
اعتقال مبديع سيكون محطة أولى ستجر عددا من المسؤوليين الجماعيين، وأصحاب الشركات، ومكاتب الدارسات، إلى غرف التحقيق، في ملف سينهي المسار السياسي لمبديع الذي أفلت من قرار العزل رغم الاختلالات المالية الفادحة التي رصدها تقرير المفشتية العامة للادارة الترابية، والتجاوزات التي وردت في تقرير سابق أعده المجلس الجهوي للحسابات.
وكانت شكاية الجمعية المغربية لحماية المال العام قد كشفت تلاعبات خطيرة في الصفقات مع النفخ في قيمة الفواتير، وأداء مستحقات مقابل أشغال لم تنجز مع توجيه بعض الصفقات نحو شركات ومكاتب دراسات معينة.
وأحالت الشكاية على العديد من الإختلالات المالية والقانونية والتدبيرية التي شابت تسيير بلدية الفقيه بن صالح في عهد رئيسها محمد مبديع، والذي ظل في منصبه منذ سنة 1997 .
تقرير أسود
الخروقات المنسوبة لمبديع ورد بعضها في تقرير اسود للمفتشية العامة للإدارة الترابية، ومنها صفقات تتعلق بأشغال التهيئة الحضرية وبرنامج التأهيل الحضري (حصص التبليط والطرق والتطهير،الإنارة العمومية، المساحات الخضراء).
كما سردت الشكاية لائحة طويلة من الاختلالات التي تكتسي صبغة جنائية، بعد أن تبين أن بلدية الفقيه بن صالح أدت مبلغ إجمالي قدره خمسة ملايين درهم مقابل أشغال لم يتم إنجازها من طرف نائلي الصفقات، ” مع العلم أن مكتب الدراسات المكلف بتتبع ومراقبة الأشغال وتقنيي الجماعة قاموا بالإشهاد على صحة ومصداقية الأشغال المنجزة”.
كما رصدت الشكاية تأدية التموينات بأثمنة جد باهظة مقارنة مع الأثمنة المتداولة، حيث قدر ثمن الاسمنت ب4000 درهم للطن الواحد رغم ان ثمنه لا يتجاوز غالبا 1000 درهم.
جرائم بالجملة
وخلصت الجمعية في الشكاية المقدمة للوكيل العام للملك إلى أن الوقائع الواردة فيها، وغيرها من الوقائع الأخرى التي قد تظهر أثناء البحث تشكل خطورة من الناحية الجنائية، وتوصف بأفعال جرمية يمكن أن تكيف حسب الأحوال كجنايات تبديد وإختلاس أموال عمومية وغيرها.
والتمست الجمعية على سبيل الاستعجال إصدار تعليمات إلى الشرطة القضائية المختصة من اجل الاستماع لمحمد مبديع رئيس بلدية الفقيه بنصالح، وممثلي مكاتب الدراسات والمراقبة و للتقنيين الموظفين ببلدية الفقيه بنصالح.
كما دعت لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية لضمان إسترجاع الأموال المبددة والمختلسة بما في ذلك الحجز التحفظي على ممتلكات بعض مسؤولي بلدية الفقيه بن صالح ممن بدت عليهم مظاهر الثراء الفاحش بالمقارنة مع دخلهم ووظيفتهم، ومتابعة كل من ثبت تورطه في وقائع هذه الشكاية.
تعليقات ( 0 )