مباشرة بعد توديع شهر رمضان عادت ظاهرة ل”كريساج” لتزحف على عدد من المدن.
حدث ذلك وسط صوت رصاص الأمن في مؤشر على تنامي ملحوظ لمد الجريمة وترويع المواطنين بالسيوف والمديات المخصصة لنحر الاضاحي.
اللافت أن المنخرطين في هذه الأفعال الإجرامية أصبحوا يتنافسون في البحث عن أشد أشكال الأسلحة البيضاء فتكا، وترويعا.
كما يتمادون في الإيذاء العمدي للضحايا، حتى في حال عدم مقاومتهم، بعد أن أصبحت هذه الوسيلة طريقا قصيرا للحصول على المال من طرف جحافل من المنحرفين، وذوي السوابق، والمدمنين، والمراهقين الجانحين.
استفحال هذا النوع من الجريمة زاد جرعة الخوف لدى المغاربة، من خطر بعض الكائنات التي تعيش بيننا، والتي تبقى نتاج مجموعة من السياسات العمومية الفاشلة.
عينات تفرغ كامل حقدها المرضي على أبرياء لا ذنب لهم، وفوق ذلك تستفيد أحيانا من تساهل يحرضها على الغرق أكثر في هذه الجرائم من خلال طبيعة العقوبات التي تصدر في حقها، والتي ترفع حالات العود بشكل ملحوظ.
هذا الأمر صار يفرض إعادة النظر في العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي في اتجاه تشديدها، حتى يتحقق الزجر المطلوب لأن من يحمل سيفا نيته واضحة، وقصده بين، بعد أن صار رجال الأمن بدورهم ضحايا لهذا النوع من المنحرفين الذين لا تكفي أحيانا حتى الرصاصات التحذيرية لردعهم.
من جهة أخرى فان محاربة جريمة القرب يجب أن تكون مجهودا استباقيا بالنظر لتأثيرها البالغ على إحساس المواطن بالأمن والأمان.
معطى يفرض أن لا يتم التحرك بصرامة فقط بعد تسريب أشرطة الفيديو التي تكشف هوية المتورطين في جرائم الاعتداء البشعة.
الأكيد أن المقاربة الأمنية لا تكفي، لكنها تبقى ضرورة لتطهير الشوارع من الوحوش التي تتربص بالضحايا.
لن نخوض في نقاش حول جرعات التخويف التي تستعمل أحيانا لضبظ إيقاع المجتمع، فالواضح أن هذه الأداة لم تعد فعالة بعد أن أصبح التباهي بالسيوف جزءا من الروتين اليومي في عدد صفحات مواقع التواصل وأحياء عدد من المدن.
واضح أننا ندفع ثمن فشل منظومتنا التعليمية والتربوية، وأننا نؤدي فاتورة إفلاسنا المجتمعي، وإخفاقنا التنموي الذي فرخ لنا عشرات آلاف الجانحين ممن يزرعون الموت والخوف والترويع في الطرقات بالمديات والسكاكين أو يتزاحمون في الاصلاحيات و السجون.
الأمر فعلا يدعو للقلق، ويزيد من عدم إحساس المغاربة بالأمان في شوارع، وأزقة معظم المدن بعد أن أصبح القتل هينا، وصار إزهاق أرواح الأبرياء عملا واردا في أي سرقة قد تحدث في أي لحظة وفي كل مكان.
مؤشر يكشف أن السرقة لم تعد فعلا يحترفه البعض، بل عادة تمارس على نطاق واسع من طرف جيل منبوذ، يملك فائضا من العدوانية القابلة للتصريف في أشكال جد صادمة بما فيها القتل.
لقد كانت لجيل الثمانينات موضة حمل السلاح الأبيض “بونقشة”.
حينها كان مجرد خبر جريمة سرقة عادية كافيا لهز مدينة بأكملها قبل أن تنقرض هذه الموضة بمجرد إشاعة عن عقوبات حبسية صارمة ستطال كل من يضبط بسلاح أبيض بواقع سنة عن كل سنتيمتر.
اليوم أصبحنا أمام السيوف و مديات نحر الأضاحي ليس للتباهي، بل للدخول في مواجهات دامية، وحروب شوارع، وتحدي مسدسات رجال الأمن، وقتل كل من يحاول مقاومة سارقيه تحت تأثير مخدرات، ومؤثرات عقلية، تزيد من بطش هؤلاء وتعطشهم للدم.
الجريمة واستفحالها مرض من أمراض المجتمع، والمسببات واضحة ومركبة، وتداركها صعب ويحتج لزمن نواصل هدره باستمرار، لذا يبقى المطلوب الآن هو تطهير الشوارع، والتعامل بصرامة مع كل من يضبط بسلاح ابيض من خلال عقوبات تحقق الردع المطلوب.
تعليقات ( 0 )