المغرب وألمانيا.. نهاية الأزمة وعلاقات على أسس جديدة

طوى عام 2021 آخر أيامه منفرجا عن نهاية سعيدة، للأزمة التي عَمّرت فصولها عشرة شهور كاملة بين الرباط وبرلين. لقد كانت الخطوة مفاجئة وغامضة، عندما قرر المغرب في مطلع مارس 2021، “تعليق كل علاقة اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية في الرباط”، بسبب “سوء التفاهم العميق مع برلين حول قضايا أساسية تهم المملكة”، من دون أن يعطي المزيد من التفاصيل. لكن عندما تلتها خطوة تصعيدية أكبر، تمثلت في استدعاء السفيرة المغربية بألمانيا للتشاور، في 6 مايو 2021، بدأت خلفيات الأزمة الفريدة من نوعها بين البلدين تنكشف شيئا فشيئا.
 
خلفيات الأزمة
في أعقاب صدور قرار الولايات المتحدة في ديسمبر 2020، بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، سارعت ألمانيا إلى الدعوة إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن لبحث القضية. وكشفت مصادر حكومية مغربية لوسائل إعلام أجنبية حينها، بأن الدافع وراء تعليق الرباط الاتصال والتعاون مع السفارة الألمانية، جاء بعد تراكمات سلبية لمواقف الدولة الألمانية، شملت أكثر من قضية تهم المغرب (الصحراء) أو له ارتباط بها (الملف الليبي)، حيث تعمدت برلين خلال نفس السنة عدم دعوة المملكة، إلى اجتماع دولي عقدته حول شأن ليبيا. على الرغم من أن المغرب كان أكثر الأطراف الدولية، انخراطا في جهود مصالحة الليبيين. ورغم أنها عادت إلى دعوة الرباط للمشاركة في مؤتمر “برلين الثاني” الذي عقد في 23 يونيو 2021، بعدما وصلها الاحتجاج المغربي، إلا أن المملكة تجاهلت دعوة ألمانيا في رد على التجاهل الألماني للمغرب في “برلين الأول”.
والواقع أن إرهاصات النقاط الخلافية بين الرباط وبرلين حول ملف الصحراء، بدأت في الظهور إلى العلن منذ العام 2018، عندما “تحفظت” ألمانيا على ضم مياه الأقاليم الجنوبية إلى الشمالية المسموح بالصيد فيها، ضمن اتفاقية الصيد البحري المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وطالبت ألمانيا آنذاك بضرورة “مطابقة الاتفاق لمعايير قوانين الاتحاد الأوروبي والشرعية الدولية في نطاق أحكام القانون الدولي”. كما أثارت تصريحات ألمانية رسمية في البرلمان الأوروبي، حول ضرورة استفادة سكان الأقاليم الجنوبية من عائدات اتفاق الصيد البحري، استياء المغرب الذي سارع إلى تأكيده على تمكين سكان المناطق الصحراوية العديد من الامتيازات والحقوق.
ولم تقف النقاط الخلافية عند هذا الحد، بل جرى الحديث همسا عن اكتشاف المخابرات المغربية لعمليات تجسس ألمانية.
فقد ذهبت العديد من المنابر والتقارير الإعلامية المغربية إلى القول، بأن القرار المغربي أتى نتيجة لاكتشاف أعمال تدخل في خانة التجسس، قامت بها جهات ألمانية تنشط بالمغرب. وذلك بعدما ما كشفت المخابرات المغربية ارتكاب هذه الجهات، التابعة لمؤسسات تتواجد بالمغرب وعلى ارتباط بالسفارة الألمانية، أعمالا لا تمت بصلة بالمهام المنوطة بها. وهو ما قد يبرر تشديد البيان الصادر عن الخارجية المغربية، على ضرورة وقف أي تعامل الهيئات والمؤسسات والجمعيات، التي لها ارتباط وعلاقة بالسفارة الألمانية بالرباط.
مسارات التجميد
بعدما انتقدت ألمانيا قرار ترامب ودعت إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي من أجل التداول بشأنه، تصاعد الخلاف بين ألمانيا والمغرب وبات يُعرّض التعاون بينهما في جميع المجالات للخطر. فقد تضمن البيان المغربي تهديدين أثارا بعض القلق في برلين، حيث ذكر الأوروبيين بمدى أهمية المغرب كشريك في محاربة الإرهاب الجهادي والهجرة غير الشرعية. وأنه بفضل هذه الشراكة تم “تحييد اثنين وثمانين عملا إرهابيا”. وبالفعل، فقد نقل الإعلام الألماني عن متحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية الاتحادية بأن “التعاون الأمني المغربي الألماني في مجال الأمن قد تم تعليقه مؤقتا”.
وبعد نبرة التعالي الأولية، أعلنت الحكومة الألمانية الاتحادية أنها ملتزمة “بالاستئناف الفوري للتعاون” بين البلدين. ولكن الأمر بدا غير محتمل، بعد إيقاف الحكومة المغربية اتصالاتها بالسفارة الألمانية في الرباط، ومغادرة السفيرة المغربية برلين. في حين ذهبت توقعات المراقبين إلى أن هذا التعليق، أصبح ببطء مكلفا لكلا الطرفين وأنه سوف يستمر لفترة طويلة.
والحال أنه تربط بين البلدين في الواقع سنوات طويلة من التعاون التنموي الناجح. ففي العام الماضي (2020)، حصل المغرب على تعهدات ألمانية بقيمة 420 مليون يورو معظمها في شكل قروض. وبسبب أزمة كورونا فقد أضيفت قروض أخرى بقيمة 717 مليون يورو، بحسب مصادر ألمانية. لكن وبسبب الأزمة الدبلوماسية، فقد توقَّفت منذ شهر مارس 2021 أنشطةُ المشاريع في مجال التعاون التنموي الحكومي وغير الحكومي بين البلدين. وشمل التوقف مشاريع استغلال طاقة الهيدروجين الأخضر، الذي كان مقررا أن يتبعه بناء أول “مصنع مرجعي واسع النطاق” للهيدروجين الأخضر في إفريقيا؛ أفادت التوقعات أن تصل تكاليفه إلى 335 مليون يورو، كان من المقرر أن يتم تمويل القسم الأكبر منها عن طريق بنك التنمية الألماني الحكومي. وجميع هذه المشاريع التنموية وأخرى غيرها تم تجميدها، بعدما جمدت السلطاتُ المغربية اتصالاتها مع الهيئة الألمانية للتعاون الدولي. فالمغرب يُعَدُّ ‒بعد جنوب إفريقيا‒ ثاني أهم جاذب لاستثمارات الشركات الألمانية في إفريقيا.
نهاية سعيدة للأزمة
في أول رد فعل رسمي للحكومة الألمانية، صدر بعد أقل من أسبوع بعد انتخاب مستشار جديد خلفا لأنجيلا ميركل، أبدت الحكومة الألمانية استعدادها للجلوس مع المغرب، من أجل تجاوز تداعيات الأزمة الدبلوماسية القائمة منذ شهر مارس 2021. وكشفت الحكومة الألمانية، بأنها حريصة على تجاوز سوء التفاهم والتوترات التي حصلت مع المغرب، وأن ذلك يتطلب التواصل المبني على الشراكة والاحترام المتبادل.
ونفت الحكومة الألمانية الجديدة في توضيحاتها، أي دعم للطرح الجزائري في ملف الصحراء المغربية، حيث اعتبرت بأن المغرب بذل جهودا من أجل إنهاء هذا النزاع؛ من خلال تقديمه سنة 2007 مساهمة مهمة تتمثل في مقترح الحكم الذاتي. وحول تقييم العلاقات بين الرباط وبرلين خلال مرحلة الأزمة التي تقارب السنة، أكدت الحكومة الألمانية أن موقفها من المغرب لم يتغير، واصفة المملكة المغربية بـ “الشريك المهم لألمانيا”. ووجهت الحكومة الألمانية الدعوة إلى نظيرتها المغربية، من أجل طي الخلاف القائم، لأنه من وجهة نظرها “من مصلحة كلا البلدين العودة مرة أخرى إلى العلاقات التقليدية الموسعة والجيدة”.
وبعد نحو أسبوعين فقط من تسلم أولاف شولتز منصب المستشارية خلفا لأنجيلا ميركل، ردت الحكومة المغربية الأربعاء 22 ديسمبر، معتبرة بأن “مواقف الحكومة الألمانية الجديدة تتيح استئناف التعاون الثنائي، وعودة عمل التمثيليات الدبلوماسية للبلدين إلى شكله الطبيعي”. وعبرت الخارجية المغربية في بيان عن ترحيبها “بالتصريحات الإيجابية والمواقف البناءة التي عبرت عنها مؤخرا الحكومة الفدرالية الجديدة لألمانيا”. وأضافت أنها “تأمل في أن تقترن هذه التصريحات بالأفعال، بما يعكس روحا جديدة ويعطي انطلاقة جديدة للعلاقة على أساس الوضوح والاحترام المتبادل”.
وكانت الحكومة الألمانية الجديدة، التي يتزعمها الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحر، قد قامت بتحديث المعلومات الموجودة على صفحتها الرسمية حول المغرب، معتبرة في هذا التحديث بأن “المغرب حلقة وصل مهمة بين الشمال والجنوب سياسيا وثقافيا واقتصاديا”. ويقصد بيان الخارجية المغربية دون شك، أن يلزم الطرف الألماني حدوده، وألا يتكلم باسم الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن، بمواقف ومبادرات يعادي من خلالها المغرب. وبالفعل، عادت السفيرة المغربية زهور العلوي الإثنين 27 ديسمبر 2021 إلى برلين.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي