بقدر ما كان اكتساح حزب العدالة والتنمية لمقاعد البرلمان والمدن مفاجئا بين استحقاقات 2011 و2016، بقدر ما كان انهياره بشكل درامارتيكي في انتخابات 2021 مفاجئا أيضا وغير متوقع. بل إن كل توقعات وتخمينات المحللين للشأن السياسي والحزب لم تذهب إلى حد النتيجة الكارثية التي تحصل عليها الحزب الإسلامي.
حزب العدالة والتنمية، وهو يطوي صفحة 2021 التي تلقى فيها أكبر هزيمة له، وصف السنة بـ”الكئيبة”، وعلق على ما وقع في افتتاحية نشرها على موقعه الإلكتروني بالقول: “أكبر خيبة في السنة التي سنودعها هي هذا الانهزام الشنيع في معركة الديمقراطية”.. هزيمة كان لها وقع كبير على البيت الداخلي للحزب، بعدما دفعت بفريق سعد الدين العثماني إلى خارج القيادة، وفتحت الباب من جديد أمام عودة بنكيران.
صحيح أن لحزب العدالة والتنمية مبررات حاول من خلالها ربط هزيمته بأسباب خارجية، ربط أغلبها بما يعتبره استعمالا مفرطا للمال وتعديلات قانونية مهدت الطريق لليلة سوداء، لكن الذي وقع في حقيقة الأمر هو أن هذا الحزب الذي دبر الشأن العام الوطني والمحلي لسنوات عدة حصد كل الخيبات التي زرعها طيلة 10 سنوات.
فالمال الذي يتهمه الحزب الإسلامي بالوقوف وراء هزيمته، هو نفسه الذي قد يكون استعمل في استحقاقات سابقة، غير أنه لم ينل من اكتساح الحزب للانتخابات التشريعية والجماعية، ما جعله يفوز بأكثر من 120 مقعدا ويهيمن على تسيير المدن الكبرى في مشهد انتخابي غير مألوف.
الأحرار.. قصة الاكتساح
تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار لم يكن يشكل في حد ذاته مفاجأة كبيرة.. ذلك أن كل التحليلات والمؤشرات كانت تصب في اتجاه صراع شرس بين الأحرار و”البام” والاستقلال على المرتبة الأولى المؤهلة لرئاسة الحكومة..لكن المفاجأة كانت هي عدد المقاعد التي حصدها في البرلمان، وأيضا عدد الأصوات المحصل عليها.
أول مؤشر دال في نتائج الانتخابات هو أن نسبة المشاركة المرتفعة، والتي بلغت 50.18 في المائة، كانت في صالح حزب التجمع الوطني للأحرار بالنظر إلى العمل الكبير الذي قام به على مستوى تغطية مختلف الدوائر ما جعله يتصدر نسبة التغطية. وفي المقابل، فقد كشفت الإحصائيات المتعلقة بنسبة التغطية تراجعا كبيرا في عدد مرشحي حزب العدالة والتنمية، والتي بلغت حوالي 50 في المائة، حيث رشح الحزب في انتخابات 2015 الجماعية، 16 ألفا و310 مترشحين، ما مثل نسبة 12.46 في المائة، مقابل 8681 ترشيحا في 2021 ونسبة تقدر بـ5.51 في المائة.
ثاني مؤشر يساعدنا على فهم ما وقع هو أن حزب العدالة والتنمية تعرض لتصويت عقابي حقيقي من طرف الناخبين، باعتبار أدائه المحتشم داخل الحكومة، بل وتحمل عدد من الفئات لإجراءات كان لها وقع سلبي على أوضاعها الاجتماعية، في مقابل أداء أفضل لوزراء التجمع الوطني للأحرار الذين كانوا يدبرون بعض القطاعات الاقتصادية التي عرفت تطورا لافتا وعلى رأسها قطاع الصناعة تحت إشراف الوزير مولاي حفيظ العلمي.
أَضف إلى ذلك مؤشرا آخر يتعلق بطبيعة البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار. فقد استطاع الأخير أن يقنع الناخبين بالوعود التي رفعها في الحملة الانتخابية، والتي تقف وراءها مجموعة من الكوادر “التقنو-سياسية”، والتي نجحت في تسويقها بذكاء من أجل استقطاب أصوات مجموعة من الفئات المهنية والاجتماعية.
في المحصلة، نودع اليوم سنة شهدت زلزالا سياسيا حقيقيا حتى وإن كانت ارتداداته لم تهدأ بعد. فحزب العدالة والتنمية لازال لم يستفق بعد من هول الصدمة التي خلفتها نتائجه الكارثية، بينما لم تنجح حكومة عزيز أخنوش في إعطاء أي مؤشرات أمل بإمكانية تحقيق بعض الوعود “المثيرة” التي رفعتها خلال الحملة الانتخابية، وعلى رأسها الزيادة في أجور الأساتذة ومهنيي الصحة.
جنازة مرحلة
لم يكن أكثر المتشائمين لنتائج حزب العدالة والتنمية في انتخابات شتنبر 2021 يتوقع أن يسقط الحزب بتلك الطريقة المؤلمة والغريبة. لكن الصناديق التي دفعت بالإسلاميين إلى قيادة الحكومة والجماعات، هي نفسها التي أعادتها إلى البدايات الأولى..حتى إنهم لم يستيطعوا أن يكونوا حتى فريقا برلمانيا بمجلس النواب.
الساعات الأولى التي أعقبت الإعلان عن النتائج كانت يهيمن عليها الارتباك والغموض في صفوف قيادات الحزب، بعد يوم طويل تخللته سلسلة من التصريحات والبيانات التي كانت تمهد الطريق نفسيا على الأقل من أجل تلقي تلك الهزيمة، حتى وإن كان الجميع لم يتوقع قوة السقوط المدوي.
انطلقت سهرة الحزب على وقع أنغام “بإذن الله..بإذن الله..سنواصل المسير”..لكن في الكواليس كانت الاتصالات القادمة من مختلف المدن والأٌقاليم لا تبشر بخير. ومع تقدم عملية الفرز بدأ يتضح بأن الحزب الإسلامي سيشكل المفاجأة الانتخابية.. في حوالي منتصف الليل، بدأت قيادات الحزب تنسحب، بينما ظل سعد الدين العثماني يتشبث بخيط من الأمل..تارة عبر اتصالات ببعض المرشحين وتارة عبر بعض النتائج التي يتم التوصل بها.
لم يدم الغموض كثيرا، حتى خرج وزير الداخلية ليعلن عن مفاجئات من العيار الثقيل..لقد حصل التجمع الوطني للأحرار، في إطار نتائج مؤقتة، على 97 مقعدا متقدما على مختلف الأحزاب المشاركة..وبينما كان الوزير يقدم نتائج الحزب تلو الآخر، بدأ الجميع يبحث عن حزب العدالة والتنمية الذي كاد أن يدخل في خانة نتائج “باقي الأحزاب” بعدما لم يتجاوز عدد المقاعد المحصل عليها 12 مقعدا برلمانيا..قبل أن يضيف بعد انتهاء فرز جميع الأًصوات مقعدا واحد، بينما قفزت عدد مقاعد التجمع إلى 112.
أولى ارتدادات هذا الزلزال هو تحرك عبد الإله بنكيران إلى مطالبة القيادة بتقديم استقالتها، وهو الأمر الذي تم من خلال الاستقالة الجماعية لسعد الدين العثماني ومن معه في الأمانة العامة..خطوة لم تطفئ وقع الصدمة التي خلفتها هذه النتائج في صفوف الحزب الإسلامي، وطرحت سيناريوهات كثيرة حول مستقبله الغامض في المشهد الحزبي والسياسي.
حصيلة 2021.. “زلزال ” سياسي ضرب “البيجيدي” واكتساح لـ”الأحرار” يضعه أمام امتحان تحقيق “الوعود”

تعليقات ( 0 )