المتعارف عليه والمثبت بالقانون أن البنك المركزي في أغلب الدول مستقل. ولقد أقرت بلادنا استقلالية ما أصبح يعرب ببنك المغرب بجميع اللغات منذ سنوات. مهام هذه المؤسسة كثيرة وإستراتيجية ويظل دورها الأول هو مواجهة التضخم عبر التحكم في مستوى سعر الفائدة الأساسي. وهذا السعر يعتبر، نظريا، الوسيلة التي تمكن الأبناك من تمويل احتياجاتها مع التأثير سلبا او إيجابا في حجم الطلب على التمويل. ولكن الغالب هو تدخل البنك المركزي في قطاع الآجال قصيرة الأمد. هذا مع العلم ان السياسة النقدية هي من اختصاصات الحكومة كباقي السياسات القطاعية.
المهم هو أن يتمكن بنك المغرب في التحكم في آليات تمويل الاقتصاد ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. كثيرة هي العوامل الخارجية والداخلية التي تفسر حجم التضخم وضعف بنيات النمو الاقتصادي.
إن تباطؤ نمو المعاملات يدفع البنك المركزي في الأحوال العادية لبعث شيء من النشاط عبر تسهيل القروض للمقاولات وللأشخاص. وفد لاحظنا خلال السنين الأخيرة كيف اقترب سعر الفائدة الأساسي من 1% . ولكن البنوك الخاصة لم تتبع سياسة بنك المغرب وظلت تطبق نسبة فائدة تجاوزت 6%.
سعر الفائدة أساسي في تحريك التعامل في أسواق العقار والسيارات والاستهلاك. ولهذا يتم استعماله كذلك للحد من نسبة التضخم ولجم حركة الزيادة في الأسعار عبر كبح نسبة الاستهلاك وتخفيض مستوى وإيقاع الطلب على وسائل التمويل. إلا أننا لا نعيش حاليا في مرحلة تتسم بنسبة نمو مرتفعة أو حتى متوسطة بل في شبه ركود.
وهذا الوضع هو ارتكزت عليه الحكومة للتسريع في وضع القانون الإطار للاستثمار وتسجيل رقم زمني قياسي في إخراج ثلاثة مراسيم تطبيقية تهم بالأساس حجم المنح للمستثمرين. هذا بالإضافة إلى كل البرامج التي تستهدف زيادة التشغيل. والمعروف بل والبديهي أن زيادة تكلفة التمويل تعتبر من أهم العراقيل التي تواجه المقاولات الحاملة للمشاريع.
يجتمع مجلس إدارة بنك المغرب كل ثلاثة أشهر لتدارس العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في الاقتصاد الوطني. ويتم اتخاذ قرار في شأن مستوى سعر الفائدة الأساسي الذي يشكل الأرضية التي يرتكز عليها النظام البنكي لإعادة تمويله ولتحديد سعر فائدة مختلف أنواع قروضه لزبنائه. وغالبا ما يصرح والي البنك على ضرورة تقليص هامش ربحية البنوك، لكن هذه الأخيرة تخضع لمنطق آخر.
مجلس إدارة بنك المغرب يضم شخصيات ذات إلمام بالقضايا المالية والاقتصادية وحتى وزير مالية سابق بالإضافة إلى مديرة إحدى أهم مديريات وزارة الاقتصاد والمالية وهي مديرية الخزينة والمالية الخارجية. وتعد هذه المديرية عمليا هي حاملة رسائل الحكومة لمجلس الإدارة وللوالي. أما قضية الاستقلالية فمن الصعوبة عزلها عن المحيط السياسي والاقتصادي الذي تمارس في إطاره. هناك خط رفيع جدا يفرق بين استقلالية ما يسمى بمؤسسات الحكامة وما يدور داخل المجال السياسي وما يدور كذلك داخل المؤسسات المالية والبنكية والتجارية والصناعية والعقارية والطاقية الكبرى بالبلاد.
الوضع الحالي لن يغير فيه سعر الفائدة ميكانيزمات التحكم في بنية الأسعار. السوق الغذائية معقدة البنيات الرسمية والخفية. وقد تضمن بلاغ الحكومة قبل يومين كلاما محيرا بكل المقاييس السياسية. ناطقها الرسمي عبر عن جهل الحكومة للأسباب الكامنة وراء موجة غلاء الخضر والفواكه. ولم يشر ولو للحظة عن تأخر السلطات العمومية وخصوصا وزارة الداخلية في إصلاح أسواق الجملة وأسواق اللحوم الحمراء وباقي الوزارات التي تشرف على أسواق أخرى. والعارفون بالمعاملات داخل هذا القطاع يعرفون أن أقل من 30% من كميات الخضر والفواكه هي التي تخضع لمراقبة أسواق الجملة. أما الباقي فهو مرتع للسماسرة ومافيا خلق الندرة ورفع الأسعار.
لأول مرة لاحظت تساوي الأسعار المعلنة داخل الأسواق العصرية الكبرى وتلك التي تسجلها أسواق الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة. أما قطاع الطاقة فلا زال الغموض يلفه رغم كل البيانات والتصريحات غير المقنعة التي قدمتها الحكومة ومجلس المنافسة. هناك بنية تركيبية لسعر الطاقة لا تتيح شفافية مطلقة لمعرفة الهامش الحقيقي للأرباح في هذا المجال.
ولنا في أرقام معاملات شركات البترول والغاز الأجنبية العاملة في السوق الوطنية خير مثال على الربح الذي تحققه.
التضخم يهم بالأساس أسعار الطاقة والغذاء في ظل أزمة عسكرية وسط أوروبا وتلقي بظلالها على اقتصادنا الوطني. وككل الأزمات هناك مستفيدون منها ولكن المتضررين هم الأغلبية. أسعار العقار والتجهيزات المنزلية الالبسة لم تعرف مستوى تضخم مثير للانتباه. ولكل هذا يمكن القول أن بنك المغرب “المستقل” قد يرفع سعر الفائدة الأساسي مرات ومرات دون أن يكون لهذا الرفع أثر على مستوى التضخم. ولهذا وجب أن يقوم مجلس إدارة بنك المغرب أن يحضر عملا تقييميا لرفع سعر الفائدة خلال دورتي يونيو وشتنبر 2023.
تعليقات ( 0 )