لوبي المحروقات باع "وهم" المخزون الاسترتيجي مقابل صفقة التحرير

مخزون المحروقات …أين اختفت ملايير الدعم..؟

في كل مرة يشهد فيها المغرب أزمات في التموين أو ارتفاعا صاروخيا في الأسعار نتيجة التقلبات أو الصدمات التي يشهدها العالم، يعود النقاش بقوة حول المخزون الاستراتيجي، والذي صدرت بشأنه تعليمات ملكية سامية دون أن تبذل الحكومة أي مجهود لتوفيره.

من المحروقات إلى المواد الغذائية والطبية وغيرها، بات المغرب يواجه أزمة حقيقية على مستوى مخزونه الاستراتيجي، بشكل يجعل الصدمات الخارحية تربك الحسابات المالية اليومي للمستهلك، في سياق يتميز باستغلال اللوبيات الاقتصادية لهذه التقلبات لتحقيق أرباح كبيرة.

وعلى هذا الأساس، نعيش بشكل دوري تقلبات أسعار المحروقات، لاسيما عندما تذهب الأسعار الدولية نحو الارتفاع، بينما لا ينعكس ذلك بشكل جدي عندما تنخفض، وهو وضع صدرت بشأنه العديد من التقارير من المؤسسة التشريعية ومجلس المنافسة، دون أن تتوفر لدى الحكومة الجرأة السياسية للتدخل.

صفقة التخزين

عندما أبرمت حكومة عبد الإله بنكيران صفقة تحرير قطاع المحروقات مع الشركات البترولية، في سياق الأزمة التي تفجرت مع مالك شركة “سامبر”، كان هناك اتفاق على أن تعمل هذه الشركات على الرفع من قدراتها التخزينية، بما يجعل المملكة بعيدة عن التقلبات والصدمات الدولية.

اليوم مرت حوالي 7 سنوات على القرار، لكننا لازلنا في نفس الوضعية. فالمخزون الاستراتيجي للمملكة يكفي فقط لحوالي 30 يوما، بينما يشترط القانون التوفر على مخزون يصل إلى 60 يوما. وهذا يعني أن الشركات، ورغم كل الأرباح الضخمة التي راكمتها خلال السنوات الأخيرة، لم تساهم في تعزيز هذا المخزون.

لكن دعونا نفكك ما يقع اليوم. سنعود بالضبط إلى 15 أبريل 2022، حيث عقدت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، لقاء صحفيا كان من بين مواضيعه مسألة المخزون الاستراتيجي. ففي الوقت الذي لم يتطور المخزون خلال السنوات الماضية، خرجت الوزيرة بتصريحات أشبه بالوعود تقول فيها إن الفاعلين في هذا القطاع سيستثمرون، بحلول سنة 2023، ما مجموعه 3 مليارات درهم لرفع قدرة تخزين الغاز الطبيعي المسال وغاز البوتان، و2 مليار درهم لزيادة قدرة تخزين الغازوال والبنزين.

في الواقع نحن أمام وعود وليس التزامات حقيقية. ذلك أن الحكومة لو تحلت بقليل من الشجاعة، لفرضت على هذه الشركات، التي تراكم أرباحا طائلة من جيوب المغاربة ومن ميزانية الدولة أيضا من خلال تزويد الإدارات العمومية بالغازوال والبنزين، أن تخصص جزء من هذه الأرباح لتعزيز المخزون الاستراتيجي.

بطبيعة الحال لن نتحدث عن ملف “سامير”، الذي يبدو أن الحكومة لا ترغب في الانخراط فيه بالجدية اللازمة، وإلا لكان بالإمكان أن يتم اكتراء خزانات هذه الشركة لنتفادى هذا التهديد اليوم بارتفاع الأسعار. لكن مادام أن الشركات هي التي تتحكم في الوضع، فإنها أصبحت هي الموجه الرئيسي لما يجري في البلاد..تضع الأرباح التي تشاء، وتحدد تركيبة الأسعار كما تشاء.

المهيمنون على التخزين

الاحتكار هو وجود شركة وحيدة تقوم بتوفير منتوج أو خدمة للمستهلكين، أو أنها تتوفر على  نسبة مرتفعة من حصة السوق تجعلها في وضعية احتكار، وهي حالة غير موجودة في بلادنا من حيث الشكل..لكن إذا خضنا في التفاصيل، سنجد أنفسنا أمام ثلاثة شركات كبرى تستحوذ على هذا السوق، وبالتالي توجه الأسعار.

حسب آخر تقرير لمجلس المنافسة حول قطاع المحروقات، يتبين أن 52 في المائة من الواردات المسجلة خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2021، أنجزت من قبل ثلاثة فاعلين. ويتعلق الأمر بشركات. ويتعلق الأمر بشركات “أفريقيا” و”فيفو أنيرجي” وطوطال” وبلغت نسبة إجمالي واردات الشركات الثمانية الأولى الفاعلة في السوق، خلال الفترة ذاتها، حوالي 84.6 في المائة، بينما وصلت نسبة واردات الشركات السبعة عشرة الأخرى إلى 15.4 في المائة فقط من الحجم المستورد برسم 2021.

وترتبط حصص السوق هذه، من حيث الحجم، بقدرات التخزين التي يتوفر عليها الفاعلون المستوردون. في الواقع، استحوذت الشركات الثلاثة الكبرى على نسبة 52 في المائة من حجم الواردات المحققة في 2021. وتتوفر هذه الأخيرة على قدرات لتخزين الغازوال والبنزين على الصعيد الوطني تبلغ 51.6 في المائة. وظلت هذه العلاقة الترابطية بين قدرات التخزين وحجم الواردات مستقرة منذ سنة 2018 على الرغم من دخول فاعلين جدد ينجزون عمليات استيراد، على السوق (فاعلان دخلا السوق في 2018، و5 في 2020 و7 في 2021. ويمثل هؤلاء شركات صغيرة الحجم وتحقق نسب ضئيلة من حجم المبيعات (لا تتجاوز حصتها السوقية 1 في المائة).

حتى على مستوى المخزون الاحتياطي، تظل نفس الشركات مهيمنة عليه. فقد سجل هذا المخزون عجزا مزمنا مقارنة بالمستوى المنصوص عليه بمقتضى النصوص التنظيمية، والمتمثل في 60 يوما من الاستهلاك إزاء المنتجات المكررة لدى الموزعين. ففيما يتعلق بالغازوال، لم يكن بإمكان المخزون المتوفر عند متم سنة 2021 من تغطية سوى 28.8 يوما كمتوسط عدد أيام الاستهلاك، في حين لم يكن بإمكان المخزون المتوفر من البنزين الممتاز من تغطية سوى 31.5 يوما كمتوسط عدد أيام الاستهلاك خلال السنة ذاتها.

وعلى امتداد الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2022، تراجع متوسط المخزون المتوفر من الغازوال مرة أخرى،  إذ لم يمكن من تغطية سوى 20.2 يوما بدلا من 24.6 يوما خلال الفترة المتحدة 2018 إلى 2021. وهكذا، فإنه من أصل 1.2 مليون طن من قدرات التخزين المتوفرة، تتوفر الشركات الأربع الأولى الفاعلة في السوق على أزيد من نصف القدرات (بنسبة 61 في المائة).

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي