تلاعبات في أرقام المعاملات وعمولات الوكلاء تصل إلى 6 ملايين بدون أي خدمة

مخازن سرية ومنصات تجار كبار تتحكم في أسعار الخضر والفواكه

فضح الارتفاع الصاروخي لأسعار عدد من المواد الغذائية، وعلى رأسها الخضر، الاختلالات الكبيرة التي تعرفها سلاسل التسويق بالمغرب، والتي تجعل أطرافا تتحكم في الأرباح لتصل المنتجات إلى قفة المستهلك بأسعار ملتهبة، بينما لا يستفيد الفلاح المغربي الصغير شيئا من هذه التقلبات، باستثناء الفلاحين الكبار الذي يصدرون الخضراوات والفواكه إلى الخارج، أو يعمدون إلى تسويقها عبر بنيات تجارية غير موجهة للمستهلكين البسطاء.

هذه الوضعية تضعنا اليوم أمام سؤال مقلق حول ما تعيشه أسواق الجملة بالمملكة، والتي يفترض أن تكون الوسيط الأساسي بين الفلاح والمستهلك، لكنها في واقع الأمر ليست إلا تلك الشجرة التي تخفي من ورائها غابة فساد كبير لا يؤدي ثمن إلا المستهلك الفقير والمنتمي إلى الطبقة المتوسطة، والذي أصبح مجبرا على أداء سعر البطاطس بـ10 دراهم بدل أن تكون في متناوله بسعر معقول.

لقد سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن وقف عند الاختلالات التي تعانيها هذه الأسواق، لكننا اليوم نجد أن دار لقمان لازالت على حالها. والأخطر من ذلك هو عندما تقول الحكومة للمغاربة إن هناك مضاربين يتلاعبون بالأسواق، لكنها في المقابل لا تستطيع أن تتدخل لوضع حد لفوضى هؤلاء المضاربين.

بين السري والعلني

بالعودة إلى التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و2020، نجد أن قضاة المؤسسة خلصوا إلى أن معظم المدن، سواء تلك التي تتوفر على سوق الجملة أو لا، تعرف ظاهرة البيع بالجملة خارج الأسواق المعدة لهذا الغرض. وقد كانت هذه الممارسة استثنائية وتكتسي طابع السرية، إلا أنها أصبحت ظاهرة منتشرة تمارس في الساحات العمومية وداخل الأحياء السكنية والمرائب الخاصة أو المخازن.

وفي نفس السياق، فقد لوحظ تنامي الأسواق الكبرى ذات العالمات التجارية التي تتزود مباشرة عبر منصاتها الخاصة ودون التسوق من أسواق الجملة. كما يلجأ بعض كبار مستهلكي الخضر والفواكه، للتجارة الإلكترونية أو الهاتف لاقتناء هذه المواد مباشرة من الضيعات أو المخازن، مع الاستفادة من خدمة التوصيل دون الحاجة للتزود من أسواق الجملة.

من جانب آخر يلاحظ عدم قدرة أسواق الجملة على تحديد الأسعار والمسالك التجارية. ذلك أنه يتم تحديد الأسعار بأسواق البيع بالجملة للخضر والفواكه، إما عن طريق التراضي بين البائع والمشتري وبالنظر للعرض والطلب، وهي الصيغة المعتمدة في جل الأسواق، غير أنه يتم في بعض الأسواق الاستناد إلى الثمن المرجعي أو الجزافي المحدد سلفا، من طرف لجنة مكونة من ممثلين عن إدارة سوق الجملة والوكلاء والتجار، لتصفية الرسم العائد إلى الجماعة كما هو الحال بالنسبة لسوق الجملة بالدار البيضاء.

ويتم في بعض الحالات المزج بين الطريقتين، أي العرض والطلب مع احترام الحد الأدنى. غير أن الأثمان المعتمدة لا تعكس في غالب الأحيان حقيقة الأسعار المتداولة بأسواق الجملة، وهو ما يتنافى مع مصلحة الجماعة. فعلى مستوى سوق الجملة بالدار البيضاء-مثلا- لم يتعد المتوسط السنوي للسعر الإجمالي المعلن للخضر والفواكه 5,1 درهم للكيلوغرام. أما بخصوص المسالك، فتبين من خلال مقابلة قضاة المجلس لبعض المهنيين ومقارنة توزيع أسواق الجملة مع الحاجيات، أنها لا تعكس حجم تجارة الجملة للخضر والفواكه، بحيث أن ما يقارب ثلثي الاستهلاك الوطني يتم تداولها خارج الأسواق.

هذا مع العلم أن جهة سوس ماسة مثلا لا تتوفر على سوق نظامي للجملة. أما جهة بني ملال خنيفرة فعرفت حذف سوق الجملة للخضر والفواكه ببني ملال ولم تعد تتوفر سوى على سوقي خنيفرة وخريبكة. ويعزى هذا الوضع إلى عدة عوامل أهمها، توفر كبار التجار على منصات مجهزة للتثمين والتبريد والتخزين، وتكاثر أسواق البيع غير النظامية، وتأثير قانون العرض والطلب على التجار مع سهولة ولوج الأسواق بالمدن التي تسجل أثمانا مرتفعة للبيع وإمكانية تصريف كميات كبرى، كما هو الحال بالنسبة للدار البيضاء والرباط.

الريع في الخدمات

يصل عدد أسواق الجملة للخضر والفواكه بالمغرب إلى 38 سوقا منها 8 أسواق غير مهيكلة موزعة على 9 جهات، تستقبل سنويا 3.5 مليون طن من الخضر والفواكه، بينما يقدر رقم معاملات هذه الأسواق بـ7 مليار درهم في السنة. وتقدر المساحة الإجمالية لهذه الأسواق بـ125 هكتارا منها 27 هكتارا مبنية، كما تضم هذه الأسواق ما يناهز 4600 بائع بالجملة و3700 منتج، و302 وكيل، منهم 165 وكيلا من أسرة المقاومة وحوالي 20000 مستخدم.

وحسب مجموعة من الفاعلين، فإن نظام الوكلاء أصبح يطرح إشكالا حقيقيا، بل هناك من يعتبره ريعا بالنظر إلى أنه يؤدي إلى خصم نسب تؤدى إلى هذه الفئة دون أن تقدم خدمات عنها. ففي الواقع، يتقاضى كل وكيل نسبة من رقم المعاملات التي من المفروض أن يشرف عليها داخل السوق، تقتطع من الإتاوات التي تفرضها الجماعات المعنية. وقد ترك المشروع تحددي نسبة الوكيل لمجال الجماعات، على أن يتم اقتطاعها مباشرة من مبلغ الإتاوة المحدد في 7 في المائة من مبلغ البيوعات.

وهكذا، ووفق تقرير المجلس الأعلى للحسابات، يتقاضى الوكلاء نسبة تتراوح بين 0.5 و3 في المائة من قيمة البيوعات المحققة بين أيديهم وهو ما يعادل متوسط دخل شهري صاف يتراوح بين 20 و68 ألف درهم لكل وكيل على أساس ما هو مصرح به، والذي لا يوافق القيمة الحقيقية لرقع المعاملات داخل هذه الأسواق.

وقد أجمعت التقارير الرقابية والمقابلات الميدانية على تراجع ملحوظ لدور الوكلاء الذي أصبح مقتصرا على الاستخلاص دون أي خدمة مقدمة. وقد أدى هذا الوضع في بعض الحالات إلى رفض التجار أداء الإتاوات المذكورة. وفي ذات السياق تم الوقوف على مجموعة من النقائص التي تعتري نظام الوكلاء، ومنها عدم حضورهم بصفة دائمة داخل المربعات، وشبه انعدام الخدمات المقدمة مقابل نسبة الوكلاء، وخاصة فيما يتعلق بالعمال داخل المربعات.

كما تم تسجيل انتشار ظاهرة الوكالة الخاصة من وكيل مربع معين لفائدة أشخاص آخرين عن طريق الكراء أو التفويت من الباطن، وقيام أشخاص بدون صفة بالعمل داخل المربعات، فضلا عن عدم تجديد مناصب الوكلاء بعد انقضاء المدة القانونية المحددة في ثلاث سنوات، وغياب تسوية وضعية المتوفين، بينما تم الوقوف عند حالات تصريح بمعاملات أقل من المعاملات الحقيقية.

 

 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي