يبلغ 76 سنة وتولى قيادة الحركة الشعبية منذ 1986
كلما ظهر بصيص أمل في إمكانية وضعه للمفاتيح واعتزال السياسة بعد عقود من النشاط الحزبي والسياسي، والعمل من داخل البرلمان والحكومة وباقي المؤسسات والمنتخبة، إلا وعاد امحند العنصر للظهور من جديد كطائر الفنيق الذي ينبعث من الرماد، رغم كل النيران التي قد تشتعل داخل الحزب.
في مساره السياسي حافظ العنصر على جلد الحركة كحزب قريب من تدبير الشأن العام أكثر منه إلى المعارضة. بل إن الرجل لطالما فاوض بكل الطرق من أجل يضمن لنفسه ولأعضاء حزبه مكانا داخل الحكومات المتعاقبة، حتى وإن كان مستوى التمثيل “الحركي” رمزيا في بعض التجارب.
قبل حوالي 40 سنة، التحق العنصر بالمعترك السياسي بعد انخراطه في حزب الحركة الشعبية سنة 1975. ولم يمض على التحاقه بالحزب إلا حوالي 11 سنة، قبل أن يتم انتخابه خلفا لمؤسسة المحجوبي أحرضان، أمينا عاما للحركة الشعبية سنة 1986.
منذ ذلك الوقت، التصق العنصر بكرسي الأمانة العامة للحركة الشعبية إلى اليوم. وكلما برز من بعيد موعد المؤتمر الوطني إلا وبعث العنصر بإشارات رغبته في اعتزال السياسي، غير أن الديمقراطية الداخلية – في شكلها الحركي- كانت دائما “أقوى” من رغبات الرجل الذي يعود من جديد إلى قيادة الحزب بدعوى تشبث أعضاء الحزب به، رغم أن بعض المحطات شهدت صراعا قويا على قيادة الحزب.
بين العمل الحزبي والحكومي والمحلي والجهوي، راكم امحند العنصر عدد من المسؤوليات التي ختمها برئيس جهة فاس-مكناس. ففي بداية الثمانينات، تم تعيينه وزيرا للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، ثم وزيرًا للفلاحة سنة 2002، وبعد ذلك سيتحول إلى وزير للدولة سنة 2009، ليصير فيما بعد وزيرا للداخلية في سياق سياسي أعقب احتجاجات ما عرف بالربيع العربي.
مسار الرجل جعله يخرج من الحكومة، في اتجاه التدبير الجهوي من خلال رئاسته لمجلس جهة فاس بولمان. فترة بدأ يخفت فيها وجه الرجل عن تدبير الشأن العام الوطني، في مرحلة شكلت تجربة أولى لتدبير الجهوية الموسعة. غير أن رياح انتخابات 2021 جاءت لتنهي أحلام الرجل، وتبعده وحزبه عن العودة إلى الحكومة.
معارضة “مفروضة”
في غمرة المشاورات التي أطلقها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، حاول امحند العنصر بكل جهده أن يضمن لحزبه موقعا داخل الحكومة، ما كان سيؤجل على الأقل الضغوطات التي يتعرض لها من أجل مغادرة سفينة الأمانة العامة ومنح الفرصة لقيادات أخرى من أجل نيل “نصيبها” من تدبير حزب “السنبلة”.
كل محاولات إقناع رئيس الحكومة باءت بالفشل، إذ لم يتلق حزب الحركة الشعبية أي عرض للالتحاق بالأغلبية الحكومة التي تقرر أن تتشكل من ثلاثة أحزاب، ما جعل العنصر وحزبه خارج أي مفاوضات لتوزيع الحقائب الوزارية، ليقرر –على مضض- الالتحاق بالمعارضة بعد 24 سنة من المشاركة في الحكومات المتعاقبة.
هذا الانتقال من الأغلبية إلى المعارضة لم يكن بالهين على الحزب، لاسيما وأنه سيكون مضطرا لمعارضة ومواجهة حكومة يقودها أحد أبرز حلفائه في المرحلة السابقة، حزب التجمع الوطني للأحرار الذي شكل رفقة الحركة والاتحاد الدستوري تحالفا قويا في حكومة سعد الدين العثماني.
اليوم يجد حزب الحركة الشعبية نفسه مضطرا لمعارضة الحكومة، ما جعله يتخذ عددا من المواقف بلغة قوية، سواء من داخل المؤسسة التشريعية من خلال تدخلات عدد من نوابه، أو عبر بلاغات المكتب السياسي والتي يتحاول أن “تفضح” هفوات الحكومة، لاسيما في بعض الملفات التي تثير غضب الرأي العام.
هل يعتزل هذه المرة؟
مع اقتراب موعد المؤتمر الوطني لحزب الحركة الشعبية، بدأ عدد من صقور الحزب في وضع ترتيبات ما بعد مرحلة امحند العنصر، والذي سبق أن أعلن بأن هذا المؤتمر سيكون مناسبة ليودع فيها العمل الحزبي والسياسي بعد حوالي 40 سنة من النضال السياسي.
صحيح أن العنصر سبق له أن عبر، حتى قبل المؤتمر الأخير، عن عدم رغبته في قيادة الحزب مرة أخرى قبل أن نجده في قلب المعادلة، بل وفي صراع شرس من أجل إبعاد خصومه. غير أن الوضع مختلف هذه المرة، خاصة وأن الرجل قد فقد مختلف المهام ذات الطبيعة الحكومية أو غيرها، ما يجعله مضطرا لمغاردة قيادة الحزب.
في كواليس الحزب تجري الكثير من المفاوضات، والتي يتخوف الكثيرون من أن تنتهي بصناعة رجل جديد قد يستحوذ على الحركة لعقود جديدة. فالترتيبات الجارية دفعت عدد من الوجوه البارزة إلى التكتل داخل أحد التيارات، والذي يضم في صفوفه وزراء سابقين وبرلمانيين وأعضاء من المكتب السياسي الذين يحاولون التوافق حول مرشح معين كما تقتضي بذلك الأعراف الحركية.
بعض المصادر تؤكد بأن اعتزال العنصر من العمل الحزبي والسياسي لا يعني ابتعاده بشكل كامل عن الحركة الشعبية، لاسيما وأن الحزب يعرف في كثير الأحيان هزات قد تجعل للرجل أدوارا مهمة في التحكيم والتدخل لضبط الإيقاع، في ظل صراع شرس بين بعض القيادات البارزة والمرأة القوية للحزب حليمة العسالي التي تواجه في الآونة الأخيرة تحالف مجموعة من الوزراء والبرلمانيين لكبح نفوذها داخل الحزب.
وإذا كانت كل المؤشرات تؤكد بأن مرحلة امحند العنصر ستطوى قريبا، فإن الراجح هو أن منصب الأمين العام لـ”السنبلة” لن يخرج عن دائرة بعض الوجوه النافذة والمتحكمة في دواليب اتخاذ القرار داخل الحزب، فيما يجري الحديث الآن عن بعض الأسماء من قبيل محمد أوزين وسعيد أمزازي.
وستكون دورة المجلس الوطني، نهاية شهر يناير المقبل، حاسمة في تحديد موعد المؤتمر الوطني وحسم الأمور التنظيمية المتعلقة به، مع إمكانية بروز توجهات واضحة داخل المجلس الوطني حول الأسماء التي قد تترشح من أجل خلافة العنصر.
العنصر.. شيخ زعماء الأحزاب و”قيدوم” الوزراء المغاربة

تعليقات ( 0 )