تحضر النقابات الجزائرية المستقلة، لإضراب واسع في القطاع العام، يوم الثلاثاء 28فبراير، تزامنا مع عرض مشروعي قانوني العمل النقابي والحق في الإضراب على البرلمان.
وتتمسك السلطات، بالمقابل، بهذين القانونين، نافية أي إخلال في الحق بالعمل النقابي الذي يكفله الدستور، وفق ما ورد في تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون الأخيرة.
وأكد تكتل “النقابات الجزائرية المستقلة لمختلف القطاعات”، في بيان له أن اليوم الاحتجاجي المقرر يوم الثلاثاء، سيكون تعبيرا عن رفض مشروعي القانونين بالصيغة الحالية والمطالبة بسحبهما من البرلمان وإعادة فتح مضمونهما للنقاش والإثراء بإشراك التنظيمات النقابية باعتبارها المعني الأول بتطبيق القانونين على أرض الواقع.
وأوضح تكتل النقابات الذي يضم نحو ثلاثين تنظيما في مختلف القطاعات العامة الحساسة مثل الصحة والتعليم وغيرهما، أنه سيواصل النضال من أجل الدفاع عن الحريات النقابية، وسيبقى متمسكا بمطالبه وعلى رأسها تحسين القدرة الشرائية للعمال، بعد موجة التضخم التي أدت إلى ارتفاع معظم السلع والخدمات.
أكد تكتل النقابات الذي يضم نحو 30 تنظيما في مختلف القطاعات، أنه سيواصل النضال من أجل الدفاع عن الحريات النقابية تزامنا مع عرض مشروعي قانوني العمل النقابي والحق في الإضراب على البرلمان
ويحظى تكتل النقابات، بدعم بعض أحزاب المعارضة ونخب من المجتمع المدني، عبرت عن انخراطها في مطلب سحب مشروعي القانونين المتعلقين بالعمل النقابي والحق في الإضراب. ومن هذه الأحزاب، جبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال الذي حذر على لسان أمينته العامة لويزة حنون، من أن القانونين يمثلان منعرجا تصفويا للعمل السياسي والنقابي.
وفي نفس الاتجاه، نشرت صحف وطنية عريضة لأساتذة جامعيين ونشطاء، طالبت بسحب هذه النصوص وفتح تشاور فعلي مع ممثلي النقابات لصياغة نصوص قانونية تعزز الحوار الاجتماعي الذي يحسن الوضع الاجتماعي للعمال ويمد حقوقهم الديمقراطية وكذلك حقوق الشعب الجزائري ككل.
وأبرز الموقعون على العريضة أنه هذين النصين، في حالة اعتمادهما، سيجعلان من المستحيل ممارسة الحق في الإضراب والممارسة الحرة للحق النقابي، والتي أعاقتها بالفعل ممارسات السلطات وأرباب العمل لعدة سنوات. وأبدوا مخاوفهم من حصول “هذه الاعتداءات على حقوق العمال في نفس اللحظة التي يتم فيها منح جميع التسهيلات للمستثمرين الجزائريين والأجانب”. وأشاروا إلى أن “هذا ليس نتيجة الصدفة، ولكنه نتيجة اختيار متعمد لتفضيل أرباب العمل الجزائريين والأجانب على حساب، العمال وموظفي الخدمة العمومية”.
ويوجد على مستوى المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، حاليا مشروع قانون أول يتعلق بالمنظمات النقابية وممارسة الحق النقابي ويهدف إلى تحديد المبادئ والقواعد المرتبطة بالحرية النقابية وحماية ممارسة الحق النقابي، وثان يتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها، ويرمي إلى “تحديد الأحكام المتعلقة بالوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب”.
وبعد أن كان رهان النقابات على البرلمان في إلغاء المواد التي تراها مقيدة للعمل النقابي، أثار التقرير التمهيدي الذي أنجزته لجنة العمل امتعاضها ودفعها لاستشعار الخطر على العمل النقابي، فقررت مواصلة التصعيد. ومما استطاعت لجنة العمل على مستوى المجلس الشعبي الوطني تغييره في مشروع القانون، تخفيض نسبة التمثيلية التي اقترحتها الحكومة بـ30 بالمائة وتقليلها إلى نسبة 25 بالمائة، ورفع القدرة على التمثيل من عهدة لـ 4 سنوات مرة واحدة، إلى 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
ويظهر تخوف النقابات في عدة نقاط، أبرزها حق الإضراب. وفي حال تمرير القانونين، سيتم إلزام التنظيمات العمالية بإجراءات طويلة تبدأ بالمصالحة ثم الوساطة والتحكيم قبل اللجوء للإضراب، وهو ما تعتبره النقابات تقييدا للحق الدستوري في الإضراب.
9كما تشدد النصوص الجديدة، على أن أيّ إضراب لا يحترم هذه الإجراءات الطويلة غير قانوني ويعاقب بمجالس تأديبية وباللجوء للعدالة. كذلك، تم حصر الإضراب بمطالب مهنية محضة والظروف العامة للعمل”، يمنع الإضراب على أساس مطالب سياسية، أو مدة غير محددة أو الإضراب المفاجئ أو المتقطع أو التضامني. ويفرض مشروع القانون التصويت بأغلبية مطلقة للعمال بحضور ثلثي العمال المعنيين لاتخاذ قرار الإشعار بالإضراب. ويقرّ أيضا عدم تقاضي أيّ أجر خلال أيام الإضراب.
ومن جهة السلطة، بدا الرئيس عبد المجيد تبون صريحا في تأييده لمضمون القانونين عند سؤاله عن هذه المعارضة النقابية. وقال في حواره الأخير الذي نقله التلفزيون العمومي، إن الإضراب يجب أن يكون آخر الحلول في المؤسسات، تسبقه الوساطات والحوار. واعتبر أن القانون الجديد لممارسة الحق النقابي يهدف إلى تمكين المنظمات النقابية من استرجاع قوتها ومصداقيتها.
وأضاف مدافعا عن التوجه الجديد: “لقد تجاوزنا مرحلة الإنشاء العشوائي للنقابات، واليوم نحن نعمل على إعادة ترتيب البيت حتى تستعيد المنظمات النقابية قوتها ومصداقيتها”، مشيرا إلى أنه “من غير المنطقي، على سبيل المثال، إحصاء 34 نقابة تنشط في قطاع واحد”. وشدد على أن القانون الجديد يأتي “لتأطير تأسيس النقابات” وأنه “ليس هناك إجحاف أو منع للنقابات، لكن الأمر يتعلق بتكريس القانون ووضع حد لممارسات لا يمكن قبولها”.
بدا الرئيس تبون صريحا في تأييده لمضمون القانونين عند سؤاله عن هذه المعارضة النقابية. وقال في حواره التلفزيوني الأخير، إن الإضراب يجب أن يكون آخر الحلول
وتنطلق نظرة الحكومة من وراء اعتماد هذه التدابير الجديدة، في تفادي التجربة السابقة التي لعبت فيها النقابات دورا فاعلا في النضالات ضد سياسات الحكومة في فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة ولامست في مواقفها كثيرا العمل السياسي خاصة في فترة الحراك الشعبي. وعلى هذا الأساس، كان التوجه الحاكم، الذي أُعلن عنه في مجلس الوزراء في يناير 2022، هو التشديد على الابتعاد نهائيا ـ ضمن القانون ـ عن الممارسات السياسوية، والارتباط العضوي بين النقابات والأحزاب.
واللافت أن هذه النصوص الجديدة المنظمة للعمل النقابي، لا تجد مساندة حتى من النقابات التي ترتبط تاريخيا بشكل وثيق مع السلطة، مثل الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهو التنظيم الأكثر حضورا والأكبر تمثيلا في الجزائر الذي تأسف لعدم إشراكه في إعداد القانونين الجديدين، معتبرا أنهما يتنافيان مع الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الجزائر.
تعليقات ( 0 )