تواطؤ حزبي يضع الحكومة أمام امتحان الغضب الاجتماعي

حكومة “تستاهل احسن”.. نكسة تحالف يعيش صمت القبور

لسنا ندري إن كان رئيس الحكومة على علم بحصص التعذيب التي يخضع لها المغاربة هذه الأيام في مواجهة لهيب أسعار يضرب كل شيء، أم أن حامل شعار “تستاهل احسن” يكتفي بامتطاء سيارة “مايباخ” الفاخرة لينتقل مباشرة من مقر إقامته إلى رئاسة الحكومة دون أن يعي ما يعيشه المغاربة هذه الأيام.

حتما لدى رئيس الحكومة فريق من المستشارين، ومستشاري المستشارين، والمكلفين بمهام ومعاونيهم الذين يقدمون للرجل يوميا عشرات التقارير التي تقيس مزاج المغاربة وصورة الحكومة ورئيسها لدى الرأي العام..لكن المؤكد هو أننا أمام فريق “ليس بيده حيلة”، أو كما يقول المغاربة “هادشي للي عطا الله”..رغم أن هذا المنطق مكلف جدا على مصداقية وثقة المواطنين في المؤسسات.

لقد عشنا محطات مختلفة من ارتفاع حدة غضب المغاربة، والذي سرعان ما تحول في مواقع التواصل الاجتماعي إلى “هاشتاغ” يطالب بإعفاء أخنوش من هذه المهمة لعلاقته مباشرة كرجل أعمال مع قطاع المحروقات الذي عاش ويعيش من فوضى الأسعار ما لم تستطع أي حكومة وضع حد له، لكن الاختلاف اليوم هو أن الحكومة تحاول أن تجعل من الوضع الحالي أمرا طبيعيا.

لن نخوض في أي جدل سياسوي..ولن نقول إرحل لرئيس الحكومة، لأن هذا البلد ليس لديه من الوقت ليبذره في تنظيم انتخابات جديدة من أجل إعادة انتخاب نفس الحزب، أو حتى صعود حزب آخر من نفس هذا المشهد السريالي..فالفاعل الحزبي اليوم بات غير قادر على طرح تصورات حقيقية ومبادرات تستجيب لانتظارات المغاربة..ولذلك لن نفاجئ إن وجدنا أن ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة السيادية مرتفعة بشكل كبير مقارنة مع المؤسسات المنتخبة.

تواطؤ حزبي؟

بين مد وجزر، تحاول الأحزاب السياسية المكونة للأغلبية الحكومية تدبير علاقتها دون أن تستطيع تقديم إجابات جماعية للمغاربة الذين صوتوا ورسموا خارطة انتخابية أفرزت التحالف الذي يدبر شؤون البلاد اليوم. لذلك، نجد أنفسنا أمام وضع يهيمن فيه صمت القبور، لكنه فيه الآن ذاته يعبر عن تواطؤ داخلي حول وضع يثير الكثير من المخاوف.

لسنا ندري إن كان حزب الاستقلال مثلا، الذي خبر الأغلبية والمعارضة طيلة مساره السياسي، له من الجرأة والحس السياسي ليطرح على رئيس الحكومة مذكرة تدعوه إلى مبادرات مستعجلة من أجل إنقاذ مئات الآلاف من مغاربة الطبقة المتوسطة الذين يتساقطوم تباعا إلى أسفل السلم الاجتماعي، في سياق صعب أنهك جيوب الجميع.

حزب الاستقلال، الذي حاول أن يلعب سلاح المعارضة في بداية تشكيل الحكومة لاسيما في ملف المتعاقدين، سرعان ما انتزعت أسنانه وغاب عنه الخطاب السياسي الذي على الأقل يعطي بعض الحيوية لمشهد جامد…فلا وزراء الحزب يقولون قولا، ولا قيادته السياسية تتحفنا ببلاغات تدعو فيها على الأقل الحكومة إلى “ضبط الميزان”.

أما حزب الأصالة والمعاصرة فلا يطلب أمينه العام غير أن تخرج العاقبة بسلام، وألا يصبح بدوره خارج الحكومة التي “ناضل” من أجل دخولها. فحزبه يعيش جدلا داخليا كبيرا رغم محاولات تغطيته، بينما يسعى عبد اللطيف وهبي إلى عدم إزعاج رئيس الحكومة بأي مطالب قد تحرجه أمام الرأي العام، بعدما خصصت ميزانيات ضخمة لبرامج بدون أهداف ولا حصيلة.

ويبن هذا وذاك، يقف حزب التجمع الوطني ثابتا لا تهزه رياح الغضب ولا آهات المغاربة من هذا الغلاء الذي جعل عددا من الآباء يستبدلون حليب الأطفال بحليب البقر، مع ما يحمله ذلك من مخاطر كبيرة على نموهم..فهذا الحزب الذي وعدنا بزيادات في الأجور والتقاعد وبحياة الرفاهية بعد سنوات من شد الحزام، هاهو يتراجع اليوم ليختفي وراء بعبع “السياق الدولي”.

وياله من سياق دولي..هذا السياق الذي يجعل سعر الطماطم المغربية تباع في أسواق أوروبية ب11 درهما (مع احتساب كل المصاريف بما في ذلك مصاريف الغازوال والشحن البحري والغلاء الأوروبي)، بينما تعرض في أسواقنا بالسعر نفسه أو أكثر..بل إن هذا السياق الدولي هو الذي يجعل عددا من الدول تبادر إلى اتخاذ تدابير لحماية القدرة الشرائية وتعويض مواطنيها عن هذا الارتفاع، بينما نتكفي نحن بسلوك “زيد الشحمة على ظهر المعلوف”.

سيناريوهات سياسية

في كل أزمة تطرح، تعود سيناريوهات التعديل الحكومي إلى الواجهة. وإذا كان من تحليل للوضع السياسي الحالي، فإن الأقرب في تقديرنا هو استمرار هذه الأغلبية في ممارسة مهامها خاصة أن جميع مكوناتها متشبثة بقضم نصيها من الكعكعة إلى آخر لحظة..ولذلك، سيكون من الصعب الحديث عن تغيير في البنية الحزبية الحكومة في انتظار المؤتمر الوطني للأصالة والمعاصرة.

عمليا، سيكون من الصعب الحديث عن مغادرة أمين عام حزب سياسي دون أن يكون لذلك أثر على وضع حزبه داخل التشكيلة الحكومية، وهو الأمر الذي يجعلنا أمام سيناريو مغادرة الأمين العام وحزبه بالرغم من أن هذا الخيار يظل مستبعدا، إلا إذا ذهبت الأمور في اتجاه تغيير القيادة، وبالتالي مغادرة عبد اللطيف وهبي الحكومة مع استمرار الحزب.

لكن حتى إذا افترضنا بأن العلاقة بين حزب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة وصلت إلى مستويات من التوتر قد تدفع نحو سيناريو مغادرة “البام”، فإن تعويض الأخير يبقى مسألة معقدة من الناحية العددية لتكوين الأغلبية عل الأقل. فنحن نتحدث عن حزب جاء في المرتبة الثانية في نتائج انتخابات 8 شتنبر، التي حصل فيها على 87 مقعدا، وهو ما يعني أن أي توجه لإحداث تغيير في تركيبة الأغلبية سيفرض على رئيس الحكومة البحث عن تعويض مقاعد “البام”، من الناحية العددية، لتفادي سقوط الحكومة.

هذا السيناريو سيدفع نحو تشكيلة أغلبية بأزيد من 5 أحزاب، تشمل الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية، إضافة إلى التقدم والاشتراكية أو الاتحاد الدستوري. وهو سيناريو، حتى وإن كان متاحا عدديا، فإنه من الناحية السياسية سيجعل الأغلبية تعيش حالة تشرذم حقيقية تدخلها في متاهات التجربتين السابقتين.

في المقابل، وعلى خلاف مواقفه في بداية حكومة عزيز أخنوش، يبدو حزب الاستقلال غير متحمس للدخول في مواجهات داخل الأغلبية، لاسيما وأن عددا من القيادات الشابة تنتظر دورها من أجل الالتحاق بالحكومة عبر بوابة كتاب الدولة، وهي الورقة التي يتم استعمالها داخل الحكومو من أجل إخراس بعض الأصوات المزعجة.

 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي