على أبواب شهر رمضان، يضع المغاربة يدهم على قلوبهم ويهم يكتوون بنار ارتفاع الأسعار التي ضربت كل شيء بعد استقرار نسبي لم يدم طويلا. فقد شهدت أسعار اللحوم ارتفاع صاورخيا بلغ في المتوسط 30 درهما للكيلوغرام، بينما رفعت بدورها أسعار الحليب ارتفاعا الأول من نوعه منذ زمن المقاطعة، لتلتحق مختلف أنواع الخضر بلائحة طويلة من المواد التي شهدت زيادات متتالية.
أصابع الاتهام توجه إلى الحكومة، والسبب هو ضعف الإجراءات المتخذة لضمان وفرة مختلف المواد، وأيضا لمواجهة المضاربين والمتلاعبين بالأسعار الذين يتحكمون في سلسلة التسويق من الحلقة الأولى للمنتج إلى المستهلك النهائي، لنجد أنفسنا أمام مواد تتضاعف أسعارها لأكثر من مرة، مقارنة مع سعر خروجها من الضيعة.
حالة الغضب تبدو جلية على المغاربة. فقد تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى الساحة احتجاج تطالب بتدخل عاجل رأفة بجيوب المواطنين. وفي المقابل تبدو الحكومة غير مستعدة للخوض في أي قرارات جديدة، بل إنها تحاول رمي الكرة في مرمى أطراف أخرى ومنها العمال والولاة من أجل محاربة الاحتكار والمضاربات.
يقع ذلك بينما تنفق الحكومة ميزانية ضخمة، سواء على شكل دعم مباشر لمهنيي النقل على أمل ألا يقع ارتفاع أسعار البضائع بسبب مصاريف النقل، أو عن طريق إعفاءات تهم استيراد بعض المواد وعلى رأسها اللحوم والحليب المجفف. لكن هذه الإجراءات فشلت حتى اللحظة في تخفيف حدة الغلاء الذي يبدو أنه سيطول..ويطول.
الخضر تلتهب
من يتجول في الأسواق سيلحظ أن أسعار مختلف الخضراوات والفواكه قد عرفت ارتفاعا صاروخيا. فقد بلغت أسعار البصل 9 إلى 10 دراهم، بينما سجلت الطماطم 10 دراهم، والبطاطس 8 دراهم، الخيار 7.50، والجزر 8 دراهم، والقرع 9 دراهم. هذه المواد تعرف إقبالا كبيرا من المغاربة، والذي ينتظر أن يرتفع مع حلول شهر رمضان، لاسيما بالنسبة للطماطم التي قد ترتفع أكثر في حال عدم ارتفاع العرض في السوق الوطني.
وبلغة الأرقام نجد أن المندوبية السامية للتخطيط تؤكد بأن أسعار الاستهلاك بالمغرب سنة 2022 زادت بـ6.6 بالمائة، بينما زادت بنسبة 1.4 بالمائة عام 2021، منبهة في السياق ذاته إلى أن مؤشر المواد الغذائية ارتفع بنسبة 11.0 بالمائة. أما البنك الدولي، فقد وضع المغرب ضمن قائمة بلدان المنطقة الحمراء التي شهدت ارتفاعا واسعا في الأسعار بنسبة تتراوح ما بين 5 و30 في المائة، مشيرا إلى أن التضخم الغذائي في المملكة شهد ارتفاعا وصل إلى 14.4 في المائة في نونبر الماضي.
المهنيون يشتكون بدورهم من ارتفاع الأسعار وقلة العرض. فمن جهة يؤكدون بأن الدعم الحكومي المخصص للمحروقات لا يكفي لتغطية تكاليف نقل البضائع، ما يؤدي إلى عكسها مباشرة على الأسعار. كما يشيرون بأصبع الاتهام إلى تأخر الأمطار وظاهرة “الجريحة” التي تؤثر سلبا على الإنتاج الفلاحي.
لكن بخصوص أسعار الطماطم فهناك إشكال حقيقي. من جهة، فإن أغلب المنتوج الذي يتم تسويقه في مدن الشمال مصدر هو منطقة أكادير، ما يؤدي إلى ارتفاع مهم في الفاتورة. لكن الملاحظ أيضا هو عودة ارتفاع الصادرات المغربية من الطماطم، والتي قد نجدها تعرض في أسواق أوروبية بنفس السعر الذي تباع فيه المغرب، ما يعني أن هناك خللا في سلسلة التسويق ببلادنا.
في الواقع، لقد أدى خلل التوازن بين تموين السوق الوطنية والتصدير إلى تغليب العملية الثانية، باعتبار أنها تدر أموالا طائلة على المصدرين. فبقيمة مبيعات تصل إلى 749 مليون يورو، زاد المغرب من حجم صادراته من الطماطم إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 17.8 في المائة خلال موسم 2021-2022. ووفق الأرقام التي كشفت عنها وكالة الإحصاء الأوروبية يعد المغرب، خلال هذا الموسم، ثالث مورد للطماطم إلى الاتحاد الأوروبي من حيث الحجم، حيث باع 520.09 مليون كيلوغرام بقيمة 749.11 مليون يورو، بمتوسط سعر 1.44 يورو للكيلو.
معضلة الحليب واللحوم
ليست الخضراوات وحدها من شهد ارتفاعا واضحا في الأسعار، بل إن لهيب الارتفاعات طال أيضا اللحوم والحليب ومشتقاته. هذا الأخير عرف أزمة إنتاج حقيقية دفعت الشركات إلى مراجعة الكميات الموزعة، وهو ما جعلنا نعيش في بعض الفترات مراحل أشبه بعام “البون”، حيث أصبح الحصول على لتر واحد من الحليب يستلزم الحصول على موعد مسبق أو علاقة زبونية استراتيجية مع التاجر.
لم تجد الحكومة من قرار لتتخذه في هذا الشأن غير اللجوء إلى الدعم الضريبي لاستيراد الحليب المجفف، ومنع ذبح البقر الحلوب. هذه القرارات كان لها أثر على وفرة الحليب، مع تسجيل زيادة مهمة في سعره بقيمة درهم واحد للتر بالنسبة للحليب المبستر وحوالي درهمين بالنسبة للحليب المعقم، فضلا عن زيادات مختلفة بالنسبة لمشتقات الحليب، حيث بلغ سعر الزبدة مثلا 100 درهم للكيلوغرام.
في المقابل، أدى هذا القرار إلى أثر سلبي على وفرة اللحوم ما تسبب في ارتفاع سعرها إلى 100 درهم لليكلوغرام، أي بزيادة وصلت 30 درهما. وضع سارعت معه الحكومة إلى إتخاذ بالمصادقة على مشروع مرسوم يتعلق بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار الأليفة. وتم اتخاذ هذا الإجراء وفق نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية التي تقدمت به للحكومة، لضمان تموين عادي للسوق المحلي من لحوم الأبقار، وذلك بسبب الجفاف الذي عرفته بلادنا وارتفاع أسعار أعلاف الماشية إثر ارتفاع الأسعار العالمية وكذا الزيادة في تكاليف إنتاج اللحوم الحمراء مما أدى إلى خفض العرض من الحيوانات المخصصة للذبح. ويهدف هذا المشروع إلى تبديد الصعوبات التي تواجه المستوردين المغاربة وضمان تموين السوق الوطني بهذا النوع من الحيوانات المعدة للذبح.
هذا القرار الذي تمت المصادقة عليه الأسبوع الماضي لم تتضح بعد آثاره على الأسعار، لكن المؤكد هو أن أزمة اللحوم التي يعيشها المغرب هذه الأيام سترخيص بظلالها على شهر رمضان الذي يعرف ارتفاع الاستهلاك، لاسيما أن اللحوم البيضاء بدورها سجلت ارتفاعا مهما. فسعر الدواجن يصل إلى حوالي 20 درهما للكيلوغرام، فيما يتجاوز سعر البيض 1.5 درهم.
أما أسعار حليب الأطفال فتلك محنة الآباء هذه الأيام. فالعلبة التي كانت تباع بحوالي 120 درهما أصبح سعرها يقارب 170 درهما، علما أن زيادات سابقة تم تسجيلها منذ بداية جائحة كورونا. هذا الموضوع تلتزم بشأنه الحكومة صمت القبور، بالرغم من علاقته المباشرة بنمو مئات الرضع المغاربة.
تعليقات ( 0 )