في الأمم المتحدة.. أزمات متعددة وحلول يستعصي تطبيقها

ستظل سنة 2022 راسخة في سجلات الأمم المتحدة بالنظر للعدد الكبير من الأزمات الكبرى التي شهدتها، والتي تسائل دور المنظمة الدولية وتشكك في قدرتها على الرسو بسفينة الإنسانية في بر السلام والأمن والتنمية.

فبرأي العديد من الخبراء والملاحظين، فإن المنظمة الدولية، التي تعد مركزا لتعددية الأطراف والعمل المشترك، الضروري لتحقيق رفاه العالم، تجتاز فترة عصيبة، تفاقم من حدتها أزمات متعددة ومعقدة تقوض قيم السلام والرفاه وتهدد وجود البشرية.

فمن العمل الإنساني إلى أزمة المناخ، مرورا بالنزاعات المسلحة المنتشرة هنا وهناك، فضلا عن التهديدات الأخيرة باندلاع حرب نووية، أضحت الأمم المتحدة تواجه مهمة مساءلة عميقة للذات.

وبالنسبة لروبي غرامر، المتخصص في الدبلوماسية والأمن القومي في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، فإن الأمم المتحدة “تجابه عددا متزايدا من الأزمات الإنسانية الناجمة عن تداعيات” النزاع المسلح بين روسيا وأوكرانيا، الذي يعدد السبب وراء انعدام الأمن الغذائي العالمي، وذلك إلى جانب الكوارث الطبيعية التي أضحت أكثر فتكا جراء الاحتباس الحراري.

وإلى جانب هذه الأزمات، التي تبلورت خلال هذا السنة، تنضاف سلسلة من النزاعات “المعقدة” في أجزاء أخرى من العالم، مثل سوريا وإثيوبيا ومالي وهايتي، مما يزيد من تعقيد مهام المنظمة متعددة الأطراف، التي تقوم أساسا على إقرار احترام المبادئ المؤسسة التي يتضمنها ميثاقها المعتمد في العام 1945، والدفاع عن قضية السلام وأيضا غرس قوة الأمل وروح التعاون.

وحسب الأمم المتحدة، فإن النزاع في أوكرانيا، الذي طفا في خضم جائحة فيروس كورونا، بات يزيد من تعقيد سنة من الاحتياجات غير المسبوقة، مؤديا إلى موجة جوع تستشري عبر العالم، وتحول سلسلة “مرعبة” من حال الطوارئ الغذائية إلى أزمة عالمية لا تطاق.

خلال زيارته الأخيرة إلى أوكرانيا، في إطار تتبع الاتفاق الروسي الأوكراني بشأن تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، قام الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بإسماع هذا الواقع، محذرا من خطورة أزمة الغذاء التي ما فتئت تتفاقم، لا سيما في البلدان الفقيرة والنامية.

وأطلق الأمين العام مناشدة خاصة إلى العالم الأكثر ثراء من أجل أولئك الذين يتحملون العبء الأكبر من أزمة الغذاء العالمية، قائلا “مع فتح هذه الموانئ، أناشد الدول الغنية أيضا أن تفتح محافظها وقلوبها. في نهاية المطاف، لا يعني نقل الحبوب الكثير للبلدان التي لا تستطيع تحم ل تكاليفها”.

وأضاف أن الوقت “حان للحصول على دعم هائل وسخي حتى تتمكن البلدان النامية من شراء الطعام القادم الموانئ الأوكرانية”، مؤكدا أن البلدان النامية تحتاج إلى الحصول على التمويل “الآن. وهي بحاجة إلى تخفيف أعباء الديون – الآن. وبحاجة إلى موارد للاستثمار في شعوبها – الآن”.

كما شدد على الحاجة إلى مواصلة الجهود لتحسين الإمدادات الغذائية العالمية، وتحقيق الاستقرار في الأسواق والحد من ارتفاع الأسعار، وكذلك العمل من أجل السلام، وذلك عملا بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

وفي مواجهة هذه الأزمات، أكد المسؤول الأممي في رسالته بمناسبة الاحتفال باليوم الدولي للأمم المتحدة، أهمية المنظمة متعددة الأطراف، مبرزا أن الأمم المتحدة “وليدة الأمل” لأنها تجسد الأمل والعزم على تجاوز التناحر العالمي، والعبور إلى حقبة جديدة من التعاون العالمي.

بيد أن هذا الأمل يصطدم، باستمرار، بمسار من المحن التي تشكل اختبارا آخر لمرونة المجتمع الدولي في مواجهة الأزمات، التي تعد جزءا من طبيعة البشر.

وفي هذا الصدد، فإن رئيس الأمم المتحدة، الذي ضاعف مبادراته مؤخرا مع موسكو وكييف، للحصول على اتفاق بشأن تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود من أجل التخفيف من تأثير أزمة الغذاء، وخاصة في البلدان النامية، أقر بأن الأمم المتحدة تمر اليوم باختبار لم تواجه مثله من قبل.

غير أن المسؤول الأممي السامي لم يستسلم في مواجهة التحديات، داعيا إلى التحلي بالأمل، موضحا أن المنظمة الدولية “ولدت من أجل لحظات كهذه”.

وبرأيه، فإن المنتظم الدولي يحتاج الآن، وأكثر من أي وقت مضى، إلى إحياء ق يم ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه في كل ركن من أركان المعمورة، من خلال منح السلام فرصة وإنهاء الصراعات التي تعرض حياة الناس ومستقبلهم للخطر وتهدد التقدم العالمي.

واعتبر الأمين العام الأممي أن السلام والأمن يسيران جنبا إلى جنب، ومن ثم الحاجة، يضيف غوتيريش، إلى مضاعفة الجهود من أجل إنهاء الفقر المدقع، والحد من عدم المساواة، وإنقاذ أهداف التنمية المستدامة.

وأقر، في هذا الصدد، بنفاد الوقت أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بحلول 2030، موضحا أن “كوفيد-19” ألقى بالملايين من الناس في براثن الفقر، وعكس أكثر من أربع سنوات من التقدم المحرز بشق الأنفس، في وقت تتفاقم فيه التفاوتات وتعاني فيه اقتصادات البلدان جراء فقدان الوظائف، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقية، وتنامي شبح الركود الاقتصادي.

وفي مواجهة جسامة المهمة المنوطة بالمنظمة الدولية منذ تأسيسها، جدد أمينها العام الدعوة إلى الأمل والقناعة بما يمكن للبشرية أن تحق قه “عندما نعمل جميعا كيد واحدة بروح من التضامن العالمي”.

وبالنسبة لخبراء في العلاقات الدولية، فإن إنجاح هذه المهمة الجسيمة يتطلب حتما إصلاحا عميقا لهياكل الأمم المتحدة، لا سيما مجلس الأمن، الهيئة المسؤولة عن إعادة استتباب السلام والأمن.

ويعتبر عدد من الخبراء أن هذا الورش بالذات يواجه مشاكل ترتبط على الخصوص بطبيعة الإصلاح المتوخى.

يلاحظ ريتشارد غوان، الخبير لدى “مجموعة الأزمات الدولية” المتخصص في شؤون الأمم المتحدة، أن المشكلة تكمن في كون الجميع يريد الإصلاح، مضيفا أنه “لا توجد دولة واحدة على وجه الأرض لا تصرح علانية أن الأمم المتحدة بحاجة إلى التغيير للحاق بركب حقائق عالم اليوم”.

غير أن هذا الإصلاح لا يعد محط إجماع، ليظل بذلك مجرد أمنية يتعهدها كل على حدة بالرعاية، ويدافع عن رؤيته الخاصة.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي