قبل أن يعصف به تقريره حول المحروقات، لم يتردد ادريس الكرواي رئيس مجلس المنافسة السابق في التأكيد على أن المغرب “يوجد في مفترق طرق”، و”بحاجة إلى تناوب من نوع جديد على السلطة”.
الكراوي اكتفى بأن رمى بهذه العبارة في سياق تنويهه بالنتائج التي تحققت من تجربة التناوب الأولى.
تجربة أوصلتنا مادامت العبرة بالخواتيم إلى مفترق الطرق الذي تحدث عنه، وهي عبارة ملطفة للطريق المسدود الذي لازال البعض يصر على السير فيه.
حديث الكراوي عن مفترق الطرق، وضرورة التأسيس لتناوب جديد على السلطة يبقى اجتهادا نادرا في زمت ماتت فيه السياسة.
هذا رغم أن العبارة جاءت في سياق الاعتراف بجميل عبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول الأسبق على الرجل.
الكراوي الذي تحول اليوم إلى شاهد عصر أخرس بعد واقعة المحروقات سلط على الأقل ،بصيص ضوء على أحد مكامن الخلل الأساسية التي صارت بعض الأحزاب تشير إليها من بعيد.
تفعل ذلك بتردد كبير وبعبارات جد ناعمة، بعد أن أفقدتها حلاوة السلطة، والغرق في الريع، والتهافت على المناصب، جرأة الحديث عن ضرورة مباشرة إصلاح سياسي عميق بالمغرب، وهو إصلاح يمكن أن يعطينا سكة صحيحة وواضحة يسير عليها قطار التناوب الجديد الذي تحدث عنه الكراوي قبل أن يغرق في الصمت.
اليوم جميع الأحزاب مع استثناءات قليلة صارت تضع هدا الطلب في الثلاجة .
بل وتعتبر أن الحديث عنه أو المطالبة به يعد خطيئة ستضعها في خانة “المساخيط”، والمغضوب عليهم من المخزن.
هذا علما أن أعلى سلطة في البلاد دعت إلى التحلي بالجرأة والواقعية والصراحة ولو كانت مؤلمة، وهي صراحة استبدلتها معظم الأحزاب بالانتهازية والنفاق والتقية مفضلة منح الأولوية لإصلاح النظام الانتخابي.
ما فات “الكراوي” أن المغرب كان يتمتع خلال تجربة التناوب الأولى برجال وطنيين من معدن صار اليوم مفقودا،ونادرا.
حدث هذا بعد أن تم تجريف الأحزاب والنقابات، وتسمين وتدجين النخب، و إغراق سوق السياسة بالكراكيز والكائنات التي تتكلم تحت الطلب، وتصمت، وتصفق، وتتحرك عن بعد.
تعليقات ( 0 )