مجلس الجالية رصد عدم الانسجام بين الخطابات الملكية والسياسات الحكومية

مغاربة العالم.. حصيلة “الصفر” في ولايتي بنكيران والعثماني

 في سياق قضايا معقدة متشابكة، يتداخل فيها الهوياتي مع الديني والاجتماعي والاقتصادي وغيرها من المعطيات، بات مجلس الجالية فاعلا أساسيا في فهم مختلف التحديات التي تواجهها الجالية المغربية المقيمة بالخارج. فبعد سلسلة من الدراسات التي سلطت الضوء على عدد من الملفات الحارقة، خرج المؤسسة مؤخرا بدراسة تحمل عنوان “في الحاجة إلى سياسة عمومية تستجيب لانتظارات الجالية المغربية بالخارج – حصيلة الولاية التشريعية التاسعة وما بعده”. هذه الدراسة شكلت تقييما لأداء الحكومة والبرلمان، في ملف الجالية، خلال ولاية عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني.

وجاء إصدار هذه الدراسة في إطار المهام المنوطة به كمؤسسة استشارية واستشرافية تُعنى بقضايا الجالية المغربية بالخارج، خاصة في ما يتعلق بمتابعة وتقييم السياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين وتحسينها. وأكد المجلس أنه يهدف من خلال إعداد هذه الدراسة، التي يضعها رهن إشارة الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين والباحثين والصحافيين، إلى تحليل وفهم تفاعل المؤسسة التشريعية الممثلة في كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين مع موضوع الجالية المغربية بالخارج، وتقديم قراءة للأداء الرقابي للبرلمان على العمل الحكومي في نفس الموضوع، بالإضافة إلى تتبع وتحليل حصيلة العمل الحكومي الموجه إلى الجالية المغربية بالخارج خلال المدة الزمنية التي تتناولها الدراسة.

وفي هذا الإطار، يعتبر الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عبد الله بوصوف، في تقديم الدراسة، أن هذا العمل يحاول “الإجابة عن سؤال السياسات العمومية الموجهة إلى الجالية المغربية بالخارج باستحضار الخطابات الملكية ومنطوق الدستور، والوقوف على بعض الوثائق المرجعية التي أطرت العمل الحكومي في الفترة التي أنجزت فيها الدراسة”.

وأضاف أن هذه الدراسة “تعتبر مساهمة من مجلس الجالية المغربية في الخارج في النقاش العمومي حول قضايا الجالية المغربية بالخارج، تهدف إلى فهم الحضور الحقيقي لقضايا الجالية المغربية بالخارج في النقاش السياسي الوطني، وفتح سبل العمل بشكل مشترك على بلورة سياسة عمومية شاملة ومتناغمة تتناسب مع العناية الخاصة التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، للجالية المغربية بالخارج، والمكانة المحورية لهذه الفئة في الوثيقة الدستورية لسنة 2011”.

وقد خلصت الدراسة إلى أكثر من خمسين خلاصة تهم تعاطي السلطتين التشريعية والتنفيذية مع قضايا الجالية المغربية بالخارج خلال مدة إنجاز الدراسة. ومن أبرز تلك الخلاصات، عدم الانسجام بين ما دعت إليه الخطابات الملكية وما ورد في الدستور المغربي حول موضوع الجالية المغربية، وبين السياسات الحكومية المنتهجة. وقد تمثل ذلك في عدم وضع سياسة عمومية منسجمة وشاملة موجهة لأفراد الجالية المغربية بالخارج، واقتصر المنجز الحكومي على مجموعة من التدابير الإدارية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يفسر تعذر تنزيل المضامين الدستورية المتعلقة بالجالية المغربية في صيغة سياسات عمومية وتشريعات وقوانين.

كما أن تحليل الأرقام والإحصائيات التي لها علاقة بالفعل التشريعي والرقابي للبرلمان خلص إلى وجود العديد من النقائص في اهتمام نواب الأمة بقضايا الجالية المغربية، من بينها تخصيص مجلس النواب لجلسة شهرية وحيدة طيلة الولاية التشريعية التاسعة لموضوع الجالية، مضيفا أن المقارنات الإحصائية تظهر أن عدد الأسئلة التي تهم قضايا الجالية المغربية بالخارج يبقى جد متواضع مقارنة مع مجموع الأسئلة المطروحة في البرلمان، بحيث بلغ على سبيل المثال مجموع الأسئلة المطروحة بمجلس النواب خلال الولاية التشريعية التاسعة 36 ألف و823 سؤالا، بينما بلغت الأسئلة التي تخص الجالية 247 سؤالا فقط، وهو ما يمثل 0.67 في المائة من مجموع الأسئلة.

وخلص إلى أن الفعل البرلماني المتعلق بقضايا الجالية المغربية بالخارج ركز على التدابير والإجراءات بدل التركيز على إرساء سياسات عمومية، وهو ما يعكس الحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتحسيس نواب الأمة بما أصبح عليه وضع الجالية المغربية على ضوء الخطابات الملكية ودستور 2011، حتى نتمكن من إرساء سياسات عمومية شاملة ومندمجة حول الجالية المغربية.

هزالة تشريعية

لإعطاء مثال على ضعف حصيلة الحكومتين السابقتين في ملف الجالية المغربية بالخارج، أخذنا حصيلة حكومة عبد الإله بنكيران فيما يتعلق بالقوانين. وتؤكد الدراسة أن الإطار التشريعي الخاص بمؤسسات الحكامة والهيئات الاستشارية، يعد ورشا مهما تم بسطه في وثيقة رسمية ترصد حصيلة خمسة سنوات كالآتي: “أحالت الحكومة 07 مشاريع قوانين تتعلق بهذه المؤسسات تمت المصادقة منها بصفة نهائية قبل اختتام دورة أبريل 2016 على 05 مشاريع قوانين، وتتعلق بمجلس المنافسة والهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، وظل قيد الدرس مشروعا قانونين يتعلقا بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، ومشروع قانون يتعلق بالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي”.

ويلاحظ، حسب الدراسة، أن هذه الوثيقة نسيت أو تناسبت القانون المنظم لمجلس الجالية المغربية بالخارج، كمؤسسة الحكامة، والذي ورد في البرنامج الحكومي والمخطط التشريعي، ولم تذكره لا من قريب ولا من بعيد. أما تصنيف القوانين حسب القطاعات الوزارية، فقد بلغ 164 قانونا مصادقا عليه بالنسبة لوزارة الخارجية والتعاون بنسبة %46، تليها وزارة الاقتصاد والمالية بـ45 قانون بنسبة %12.5، ثم وزارة الداخلية بـ20 قانون مصادق عليه بنسبة %5.5، بينما وصلت وزارة الطاقة والمعادن والبيئة لـ16 قانون مصادق عليه بنسبة %4.4. وفيما يتعلق بقضايا الهجرة والجالية المغربية بالخارج كللت الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج حصيلتها بقوانين (2 قوانين)، وهي مردودية هزيلة بلغت نسبة 0.5%، مما يجعل القطاع الوزاري المكلف بتدبير شؤون الجالية بعيدا عن أن يبلور سياسة عمومية شاملة وواضحة المعالم تجاه قضايا الجالية المغربية بالخارج، ويبقى قطاعا مكتفيا بتدبري الفعل اليومي والموسمي.

وقد استنتج المجلس مما تمت دراسته وتحليله بخصوص مكانة الجالية المغربية بالخارج داخل المخطط التشريعي وغيره من الوثائق، أنها كانت هزيلة وتوجت بمشروع قانون واحد لم يخرج لأرض الواقع لحد الساعة؛ بينما أهملت العديد من القضايا كالتفكير حول أفضل السبل لتمثيلية الجالية المغربية بالخارج داخل باقي مؤسسات الحكامة والهيئات الاستشارية، واقتراح نص قانوني كفيل بتحقيق مصالح هاته الفئات. أما قضية المشاركة السياسية والبحث عن آلية انتقالية لتفعيل هذا البعد، بما يتماشى مع مصالح الجالية المغربية داخل الوطن وفي بلدان الإقامة، فتبقى مؤجلة إلى أجل غير مسمى.

وعلى صعيد آخر فإن الحصيلة الحكومية حول موضوع الجالية المغربية بالخارج، من خلال البرنامج الحكومي والمخطط التشريعي ووثيقة العمل الحكومي وآثاره المستقبلية، تعكس نظرة ثانوية للحكومة لملف الجالية المغربية، والذي لا يحظى بالأولوية مقارنة مع غيره من القطاعات والمواضيع. وبمعيار الأولويات وتدبير الراهن اليومي ومشاكله، يبدو أنه لم يبذل فيه مجهود كبير، كما لا يوجد أي تفسير يوضح سبب إدراج سياسة عمومية حول الجالية في البرنامج الحكومي وإهمالها في المخطط التشريعي.

توصيات استراتيجية

خلصت الدراسة التي أنجزها المجلس إلى مجموعة من التوصيات التي تندرج في إطار الدستوري مجلس الجالية المغربية بالخارج، كمؤسسة للحكامة تشتغل إلى جانب الملك محمد السادس. ويدخل تقييم السياسة العمومية الموجهة إلى الجالية المغربية بالخارج والعمل على إعادة توجيهها في صلب اختصاصات المجلس من أجل تجويد السياسات العمومية وحامية حقوق الجالية المغربية بالخارج.

في هذا الإطار، يوصي المجلس بخلق آليات مؤسساتية للتفكير والتأمل حول السياسات العمومية الموجهة إلى الجالية المغربية بالخارج، واقتراح بعض البدائل الفكرية والخطط والاستراتيجيات لإعادة الموضوع لوجهته المناسبة، مع الحاجة إلى فتح نقاش عام حول بلورة سياسة عمومية في مجال الجالية الغربية بالخارج قصد تقويم ما يعرفه التدبير الحالي من اختلالات وأعطاب. كما دعا المجلس إلى نقاش عمومي حول ما تضمنه الدستور بخصوص قضية المشاركة السياسية والبحث عن آلية انتقالية لتفعيل هذا البعد، وتخصيص أوراش عمل في المجال التشريعي والقانوني في ما له علاقة بالقوانين المتعلقة بمؤسسات الحكامة.

ويرى المجلس ضرورة خلق آلية مؤسساتية للنظر في أفضل السبل لتمثيلية الجالية المغربية بالخارج داخل باقي مؤسسات الحكامة والهيئات الاستشارية، وهو ما سيساعد على صياغة نص قانوني كفيل بتحقيق مصالح هاته الفئات، مع ضرورة الاهتمام بالجالية المغربية بالخارج كعامل أساسي لتحقيق المزيد من التنمية والتقدم للوطن والدفاع عن قضاياه المصيرية وتحسين صورة البلاد وإشعاعها الخارجي، بهدف إعطاء المزيد من الثقة للمؤسسات السياسية القائمة كالحكومة والأحزاب وفتح المجال للمزيد من الإدماج السياسي والاجتماعي للجالية المغربية بالخارج كمورد مهم للكفاءات والخبرة.

جانب آخر يدعو المجلس إلى التفكير في استراتيجية بعيدة الأمد تنهل من المرجعيات الداخلية للدولة كالخطابات الملكية والدستور، والمرجعيات الخارجية كالاتفاقيات والمعاهدات الدولية، قصد إرساء سياسة عمومية في مجال الجالية المغربية بالخارج وما يتقاطع معها من قضايا مع استحضار المصلحة العليا للوطن وحقوق ومصالح جالياتنا بالمغرب وبلدان الاستقبال. وفي هذا السياق، يقترح المجلس تنظيم مناظرة دولية حول موضوع السياسات العمومية في مجال الجالية المغربية بالخارج، تحت إشراف مجلس الجالية المغربية وبشراكة مع القطاع الوزاري المكلف بالجالية، وباقي المؤسسات المتخصصة والفاعلين المدنيين، قصد التداول الصريح في أبرز العوائق والمشاكل التي تعتري السياسات العامة ونظام الحكامة في مجال الجالية المغربية ووضع لبنات استراتيجية متفق عليها حول الموضوع.

وفي نفس الإطار، يوصي المجلس بخلق آلية مؤسساتية للتنسيق بين المؤسسات المهتمة بموضوع الجالية المغربية بالخارج، كمجلس الجالية المغربية بالخارج والقطاع الحكومي المكلف بالجالية والهجرة، ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج وغيرها من القطاعات، للحد من الاختلالات المؤسساتية القطاعية التي تعتري نظام الحكامة المعتمد في تدبير الملف، ووضع إطار مرجعي للسياسة العامة الموجهة إلى الجالية المغربية بالخارج.

كما يدعو المجلس إلى إيلاء اهتمام مؤسساتي أكبر بمقترحات مؤسسات الحكامة وخاصة مجلس الجالية المغربية بالخارج، بما فيها تقييم السياسيات العمومية الخاصة بالجالية المغربية، مع تعريف مختلف الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين بمستجدات قضايا الجالية المغربية بالخارج في الخطابات الملكية السامية وفي الدستور، والإشكاليات التي يواجهونها في بلدان الإقامة وتغيير الصورة النمطية المتداولة عليهم. وفي هذا الإطار، يقترح المجلس تنظيم ندوات وطنية ودولية داخل المغرب وخارجه، للتحسيس بالوضع السياسي والدستوري المتقدم للجالية المغربية بالخارج، والابتعاد عن الاهتمام الموسمي بالجالية المغربية.

من جانب آخر، يوصي المجلس بإجراء دورات تكوينية لصالح الفاعلين السياسيين في غرفتي البرلمان حول أهم الرهانات والإشكالات المطروحة على الجالية المغربية بالخارج، والقيام بدورات تكوينية لفائدة جمعيات المجتمع المدني بالمغرب وخارجه وممثلين للجالية المغربية حول الترافع المؤسساتي والمدني، وإطلاعهم على أهم المستجدات الواردة في الخطابات الملكية وفي الدستور المرتبطة بالجالية المغربية.

أواصر “تيفي”.. منبر الإنصات إلى لمغاربة العالم

مع إطلاق الملك محمد السادس لعدد من الأوراش الكبرى، وعلى رأسها ورش الحماية الاجتماعية، وفي ظل التوجيهات الملكية الخاصة بتدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج، كثفت قناة “أواصر تيفي” التابعة لمجلس الجالية المغربية بالخارج من برامجها المخصصة للإنصات إلى أفراد الجالية المغربية بهدف إشراكها والاستماع إلى مقترحاتها حول مختلف الأوراش التي تعرفها بلادنا.

في سنة 2019 أطلق مجلس الجالية المغربية بالخارج قناة “AWACER TV”، في مبادرة تسعى تعزيز المحتوى المغربي على شبكة الانترنيت بما يضمن لمغاربة العالم الحفاظ على أواصر الارتباط الوثيق بهويتهم المغربية، ولاسيما فيما يتعلق بتعليم اللغات والتربية الدينية والعمل الثقافي.

وتشكل قناة “أواصر تيفي” صلة وصل مع جاليتنا المقيمة بالخارج، معتمدة في ذلك تقنيات البث عبر الويب وتطبيقات الهاتف النقال. وتحمل القناة هم لعب دور الوسيط الإعلامي بين مغاربة العالم والوطن الأم، من خلال تفاعل حقيقي مع قضايا الجالية المغربية بالخارج في قطاعات المجتمع كافة، وبمقاربة موضوعية من خلال مرتكزات ثقافة الوسطية والتعايش التي تمتح من ثوابت الهوية الوطنية المغربية لدى أجيال مغاربة العالم.

وتعمل القناة على المساهمة في تثمين الأواصر بين مغاربة العالم والمغرب، وتوطيد الصلة بينهما من خلال اختصاصات مجلس الجالية المغربية بالخارج، برؤية متقاطعة (عابرة): فالمجلس أداة لتعَرُّف مغاربة العالم على المغرب ووسيلة لتسويق صورة إيجابية عن المغرب لدى مغاربة العالم. ومن رهانات قناة “AWACERTV” العمل على استكشاف الأجيال الجديدة من مغاربة العالم الذين راكموا مهارات وكفاءات وخبرات كبيرة في بلدان الاستقبال، والتعريف بها، وتقوية وضعيتها في العالم، وتعبئتها للانخراط في تنمية بلدها على كافة المستويات.

وتهدف “AWACERTV” أيضا إلى تصحيح النظرة السلبية لبعض المغاربة إلى المغرب، خصوصا في مجال الاستثمار، حيث تحمل هذه القناة رهان جلب مغاربة العالم لفتح نقاش بناء للتشجيع على الاستثمار بالمغرب. كما تسعى إلى أن تكون وسيلة تواصلية تهدف إلى تحفيز المغاربة المقيمين بالخارج للمشاركة في تطوير قدرات بلدهم الأصلي وطنيا وجهويا ومحليا، وحثهم على الانخراط في أوراش التنمية بالمغرب.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي