يواصل مجلس الجالية المغربية بالخارج عمله الاستشاري الراصد لمختلف القضايا الشائكة والمعقدة لمغاربة العالم في بلدان الإقامة. وفي ظل التوجيهات الملكية بضرورة إعادة هيكلة المؤسسات المكلفة بتدبير الملف، تُسَلَّط الأضواء على هذه المؤسسة الدستورية الاستشارية باعتبار دورها في إنتاج معرفة تواكب السياسات العمومية للدولة الموجهة للمواطنين المغاربة بالخارج.
في هذا السياق، حاورت “ميديا 90” عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، والذي فكك رؤية المجلس ليس فقط حول إعادة هيكلته، التي ظلت مطلبا منذ سنوات، بل أيضا من أجل سياسة عمومية منسجمة ومتكاملة بين مختلف القطاعات.
وفي ما يلي نص الحوار:
———————————–
قضايا مغاربة العالم حاضرة دائما في مختلف الخطب والرسائل الملكية، وهو ما يعكس اهتماما ملكيا وعناية خاصة بهذه الفئة من المواطنين. كيف تلقيتم في مجلس الجالية مضامين الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب؟
بوصوف: بطبيعة الحال استقبلنا مضامين الخطاب الملكي، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، بارتياح كبير لأنه يحمل إنصافا للجالية وأيضا للعمل الذي قام به مجلس الجالية المغربية بالخارج لمدة 15 سنة. فصاحب الجلالة دائما ما يؤكد في خطاباته ورسائله المختلفة على الأهمية التي يُليها لملف الجالية المغربية. أذكر في 2008، إثر الأزمة المالية في أوربا، أن صاحب الجلالة شكر في خطاب العرش الموجه للأمة، الجالية على المجهود الذي قامت به خاصة فيما يتعلق بالتحويلات المالية والعودة إلى المغرب على الرغم من الأزمة المالية. كذلك في سنة 2015، نوه صاحب الجلالة بعمل مجلس الجالية، وطلب من الحكومة في خطاب العرش أن تستفيد من التراكم الذي حققه من أجل بلورة سياسة عمومية تستجيب للانتظارات. كما أن الخطابات الأخيرة، والتي كان آخرها السنة الماضية في افتتاح البرلمان، تضمنت شكرا وتنويها بالعمل الذي تقوم به الجالية. لذلك فإن خطاب 20 غشت يمثل نوعا من الصيرورة المنطقية في فكر واهتمام جلالة الملك الذي خصص 50 في المائة من الخطاب للجالية المغربية، والذي ربطه بقضية الصحراء. فقد نوه جلالته بالمجهود الذي تقوم به الجالية المغربية في الدفاع عن قضية الصحراء، وأنا دائما أٌقول بأن جاليتنا توجد دائما في الصفوف الأمامية. فمن السهل أن تقول بمغربية الصحراء داخل أرض الوطن، لكن ليس من السهل أن تقول بها في مواجهة المناهضين لوحدتنا الترابية خاصة في المحافل الدولية من قبيل مجلس حقوق الإنسان في جنيف أو الأمم المتحدة في نيويورك والاتحاد الأوروبي وفي مختلف ساحات المدن الكبرى الأوروبية حيث يتواجد مغاربة العالم وجها لوجه مع انفصاليي البوليساريو. هذا ليس بالأمر السهل أو الهين، ولذلك فإن تنويه جلالة الملك يؤكد أن هذا العمل كبير وهناك اعتراف وعرفان بما تقوم به الجالية المغربية. طبعا مقابل هذا العرفان، طلب جلالة الملك من الحكومة وضع إطار تشريعي وسياسة عمومية تحترم خصوصيات الجالية المغربية والاهتمام بالأجيال الصاعدة، خاصة الجيل الثالث والرابع، مع تمكين الشباب المغاربة والكفاءات المختلفة من المشاركة في تنمية البلاد عبر تسهيل المساطر الإدارية وتسخير كل ما يتعلق بالاستثمار، إضافة إلى تأهيل المؤسسات المشتغلة في حقل الهجرة، من خلال تجديد وإعادة هيكلة إطار اشتغال هذه المؤسسات، والتي يوجد ضمنها مجلس الجالية الذي في عمره 15 سنة. فالتطورات التي عرفتها الجالية المغربية في العالم تفرض منطقيا وحتميا أن يكون هناك تغيير لمواكبة هذه التطورات. نحن نعرف أن الجالية الآن تطورت بوتيرة سريعة، وأضحت تنتج كفاءات في مختلف الميادين، وتصل فيها نسبة النساء إلى 50% في مجموعة من الدول الأوروبية، وقد أصبحت المرأة مهاجرة كالرجل، في حين أنها في السابق كانت تسافر في إطار التجمع العائلي، لكنها اليوم تهاجر من أجل العمل والدراسة وغير ذلك. كما أن جاليتنا هي جالية شابة كما أظهرت دراسة قام بها المجلس، ولذلك يجب مواكبة تطورات مجتمعات الإقامة. فهناك مشاكل اليمين المتطرف والإسلاموفوبيا وعدد من التحديات التي تجعل من التطورات التي تعيشها الجالية تستلزم العمل من أجل تجديد المؤسسات التي تسهر على هذا الملف، ومنها مجلس الجالية ومؤسسة الحسن الثاني التي مر عليها 30 سنة، وهي تؤدي خدمات مهمة في ميدان التعليم والمجال الاجتماعي والثقافي. فإذا كان صاحب الجلالة قد قال إن الجيل الثالث والرابع مرتبط بالمغرب، فوجب الاعتراف بأن هذا الارتباط لم يأت من فراغ بل بفضل عمل، ولذلك فإن صاحب الجلالة يعترف بهذا العمل. لكن بطبيعة الحال هذه التحديات تفرض علينا جميعا تحديث هياكلنا وإعادة النظر في المقاربات، لأن الظروف الحالية تختلف بشكل كامل عن الظروف السابقة. فأزمة “كوفيد” مثلا حرمتنا من التواصل المباشر مع الجالية المغربية، ولذلك وجب التفكير اليوم في وسائل أنجع للتواصل عن بعد من خلال استغلال عالم الرقمنة كعنصر أساس في السياسات العمومية، فضلا عن التأطير الديني والثقافي والتواصل الإعلامي. هذا جديد فرضته الجائحة ويستمر في ظروف أخرى من قبيل حرب أوكرانيا التي على إثرها عاد أكثر من 3000 طالب مغربي إلى أرض الوطن.
الخطاب الملكي توقف عند بعض النواقص والاختلالات في تدبير ملف الجالية المغربية، ونحن نعرف أنكم اشتغلت لشهور طويلة على تقييم السياسات العمومية الموجهة للجالية. ما هي النواقص التي تجعلنا اليوم لا ندبر ملف الجالية بطريقة ناجعة؟
بوصوف: أعتقد أن العنصر الأساس في عدم تدبير قضايا الجالية بعقلانية وبطريقة ناجعة يرتبط بعدم إدراك مجموعة من الإشكالات المطروحة داخل جاليتنا. فموضوعات الجالية جد معقدة ومركبة ومتشابكة، إذ لا يمكن فهم قضية الشباب ونضع لها سياسة عمومية ناجعة دون أن نربطها بالدين واللغة والتمدرس والعنصرية والاندماج والسكن والشغل. نفس شيء بالنسبة لقضية المرأة، فلا يمكن أن فصلها عن القضية الدينية والاندماج والتقاليد والحجاب وغيرها من القضايا المعقدة والمتشابكة. لذلك، يجب أن نأخذ هذه الأمور في شموليتها حتى نستطيع أن نعالجها. من هنا أقول بأن ما يغيب في سياساتنا العمومية هو هذه النظرة الشمولية لقضايا الجالية. كما أن هذا التطورات التي تعرفها الجالية لم نأخذ بها بعد، ومنها أن الهجرة المغربية معولمة وبأن جالياتنا تعيش عبر العالم. كما أن جاليتنا أصبحت شابة، وهنا تطرح المسألة اللغوية. ذلك أنه لا يمكن مخاطبة هذه الجالية باللغة العربية فقط. فاليوم لدينا 800 ألف مغربي في إيطاليا يجب مخاطبتهم بالإيطالية، ونفس الشيء بالنسبة لمليون مغربي في إسبانيا وأكثر من 600 ألف في هولندا ونفس الشيء في ألمانيا وغيرها من البلدان. لذلك يجب أن نأخذ هذه التطورات بعين الاعتبار ونخاطب هذه الجالية الشابة بلغة بلدان الإقامة. فضمن الأسئلة التي وجهناها إلى الشباب المغاربة في ست بلدان أوروبية حول الإصلاحات الكبرى التي عرفها المغرب، كان جواب مغاربة إيطاليا وألمانيا وهولندا هو أنها غير كافية، لكن عندما دققنا في الأمر وجدنا أن هذه الإصلاحات لم تصل إلى علمهم أصلا لأن لغة التخاطب هي العربية والفرنسية، وبالتالي فهم ليسوا على اطلاع حتى بهذه الإصلاحات. وعليه، لا يمكن بلورة سياسات عمومية ناجعة دون توفر المعرفة الكافية بجالينا. ولهذه الغاية، يقوم مجلس الجالية بتوفير هذه المعرفة العلمية لفائدة الفاعل السياسي حتى يعتمد عليها في وضع هذه السياسة. ما نطالب به اليوم هو أن يكون للفاعل السياسي تفاعل إيجابي مع المعرفة العلمية المنتجة من طرف المجلس، والتي ستنتجها مؤسسات أخرى. كما أن مسألة الاهتمام بالجالية لا يمكن أن تتم عبر وزارة للهجرة فقط، وإنما يجب أن تكون عرضانية عبر حضور البعد الهجروي في سياسات مختلف القطاعات الحكومية. هذا شيء أساسي، فاليوم هناك مجموعة من الإجراءات المهمة في بلادنا غير أننا نسجل غياب بعد الهجرة الذي يجب أن يكون حاضرا بشكل أفقي سواء على مستوى القطاعات الحكومية أو باقي مؤسسات الدولة. كما أن هذه السياسات ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار الاختلافات المجالية، فمشاكل مغاربة أمريكا ليست هي نفس مشاكل مغاربة الخليج أو مغاربة أوروبا أو إفريقيا. ففي أوروبا نجد أن الإشكالات الكبرى المطروحة ترتبط بالهوية والثقافة المغربية والدين، في حين أن مشاكل مغاربة الخليج هي اجتماعية من قبيل الضمان الصحي والتقاعد، وفي أمريكا نجد مشاكل أخرى من قبيل البعد الجغرافي وارتفاع أسعار تذاكر السفر بالنسبة لأسرة من 5 أفراد مثلا. وفي إفريقيا، نجد أن مشاكل الجالية اجتماعية واقتصادية بامتياز. لذلك لابد لهذا البعد المجالي أن يكون حاضرا في السياسات العمومية.
مجلس الجالية على رأس المؤسسات الفاعلة في هذا الملف. ما هو تصوركم لإعادة هيكلة المؤسسة، لاسيما وأن عددا من الانتقادات الموجهة للمجلس ترتبط بأمور تنفيذية من صميم اختصاصات الحكومة، على اعتبار أن مغاربة العالم يطالبون بأمور ملموسة؟
بوصوف: أكيد أن مجلس الجالية المغربية بالخارج، وباعتبار تواصله الدائم والمستمر مع الجالية، فإن الأخيرة تعرفه وبالتالي تتوجه إليه بالنقد حتى في الاختصاصات التي ليست من مهامه. فالجالية تنتظر أشياء ملموسة في السياسات العمومية، والتي لا يمكن أن تكون إلا في إطار الجهاز التنفيذي، أي الحكومة. بطبيعة الحال أنا أؤمن بأهمية مجالس الحكامة، لأنه في الديمقراطيات العريقة تلعب هذه المؤسسات أدوارا مهمة باعتبار أنها لا تخضع لضغط الناخب، ما يجعلها تقدم آراء وحلولا أكثر نجاعة وتغوص في عمق المشاكل لإيجاد الحلول المناسبة، على عكس الفاعل السياسي الذي يخضع لضغط الناخب ويضطر في بعض الأحيان إلى تغيير خطابه. فمجالس الحكامة ضرورية، فقط ما ينقصنا كمجلس وما يجعلنا في الواجهة ونتعرض للانتقاد هو أن الأفكار والآراء الاستشارية والمعرفة العلمية التي ننتجها لا تجد طريقها إلى التنفيذ. من هنا، أؤكد على وضع آليات قانونية تجعل مجموعة من الأفكار والآراء تجد طريقها إلى التنفيذ. كما أن المجلس لابد أن يكون له اختصاص الإحالة الذاتية، على اعتبار أن كثيرا من الملفات التي لا تحيلها الحكومة يمكن أن يحيلها المجلس بشكل ذاتي حتى يستطيع أن يعطي فيها رأيا. كما يجب أن توضع شروط لضمان تفاعل الحكومة مع آرائنا، وأنا لا أقول بأن يكون ملزما إنما لابد أن يجد صداه لدى الحكومة والمؤسسة التشريعية. أعتقد هكذا تشتغل المؤسسات الاستشارية عبر العالم. فاليوم مجموعة مراكز التفكير “Think-Tanks” عبر العالم بدون أي إطار مؤسساتي رسمي، لكن ما تنتجه من أفكار يجد صداه لدى الفاعل والسياسي، وهو ما يجعل مؤسسة دستورية أولى أن نضمن لها عبر آليات قانونية، تنفيذ ما تنتجه من معلومات وأفكار ومعرفة حتى نستطيع أن نستجيب للانتظارات. فمقاربة المجلس للتعاطي مع ملف الجالية تقوم على التواصل والإنصات إلى ما تقترحه الجالية، ونقوم من جانبنا بتحويل ما ننصت له إلى معرفة، والتي هي ليست بانطباعات أو آراء مسؤولي المجلس وإنما أفكار تشكلت وتكونت من خلال عمليات إنصات واسعة للجالية. فقبل قليل ذكرت الدراسة التي أنجزناها حول الشباب، حيث أخذنا عينة من 1400 شاب تم الإنصات إليهم من خلال 40 سؤال لنعرف انتظاراتهم وحاجياتهم وآمالهم واهتماماتهم وغير ذلك. طبعا نتائج هذا العمل لابد أن تتحول إلى سياسة عمومية. فالمجلس كوظيفة استشارية مهم جدا لبلادنا والجالية المغربية، لكن من الضروري أن يتضمن مشروع القانون المقبل، الذي يجب أن يصوت عليه البرلمان بطبيعة الحال، الحد الأدنى من الآليات لتنفيذ ما ينجز داخل المجلس.
سبق للمجلس أن وجه رسالة إلى الحكومة السابقة يطالب فيها بإعادة هيكلة المؤسسة دون أن يتم يتم التفاعل معكم. الآن بعد الخطاب الملكي، الذي حمل توجهات واضحة، هل لمستم نوعا من التجاوب لدى الحكومة الحالية؟
بوصوف: في الاجتماع الأخير للجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة كان هناك نوع من الالتزام المعنوي لرئيس الحكومة بإخراج القانون الجديد للمجلس، وهذا ما ننتظره منذ سنوات. ففي بداية الحكومة السابقة، وجهنا رسالة إلى رئيسها السيد سعد الدين العثماني، وهو ما تم تضمينه في التصريح الحكومي الذي صوت عليه البرلمان في إطار 6 نقط مختلف حول الجالية المغربية، لكن بعد 5 سنوات بقي ذلك حبرا على ورق، بل إن الجهاز الرقابي الذي هو مجلس النواب لم يراقب الحكومة على هذه النقط الست التي تضمنها التصريح الحكومي آنذاك. اليوم نتمنى أن تعمل الحكومة الحالية، خاصة بعد الخطاب الملكي، على إخراج مشروع القانون الخاص بالمجلس في أسرع وقت ممكن، وأن تعمل أيضا على تحيين مجموعة من المؤسسات من بينها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج وبنك العمل الذي كان قد أُحدث خصيصا للجالية المغربية، وأيضا مجموعة من القطاعات الحكومية المكلفة بهذا الملف كوزارة الهجرة التي تم إدماجها في وزارة الخارجية إذ لابد من تحيين مرسوم اشتغال هذا القطاع. بطبيعة الحال هناك وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تشرف على قطاع مهم يتعلق بالتأطير الديني، فضلا عن المجال الثقافي في إطار وزارة الثقافة، إلى جانب مجال التعليم أيضا. فتعليم اللغة العربية يستوجب على جميع المؤسسات أن تعمل على تحيين النصوص المنظمة لهذا التأطير، وأن يكون هناك تكامل. فعندما تحدث صاحب الجلالة عن الإطار المؤسساتي، فقد طلب أن يكون هناك تكامل وتنسيق وأوراش مشتركة بين مختلف المؤسسات. فالورش الثقافي يلتقي كثيرا مع الورش الديني والتربوي، ولذلك لابد أن يكون هناك حد أدنى من التنسيق لبلورة رؤى جديدة تنسجم مع ما طالبه الخطاب الملكي الذي يتماشى مع التطورات التي تعرفها الآن الجالية المغربية وبلدان الإقامة.
تعرف بلادنا اليوم مجموعة من الأوراش المهمة، التي تستوجب إشراك الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج. ما هو تصوركم في مجلس الجالية لإنجاح هذه العملية، خاصة أن خطاب الملكي دعا إلى آليات خاصة لمواكبة الكفاءات؟
بوصوف: هذا الملف من الملفات التي يشتغل عليها المجلس منذ مدة، حيث شكلنا مجموعة عمل متخصصة في الكفاءات بشكلها الواسع. فهناك الكفاءات العالية وأيضا الكفاءات التي طورت معرفة بالاحتكاك بالواقع، خاصة تلك المتخصصة في التنمية والمجتمع. المجلس سبق أن دعا إلى خلق وكالة كآلية من أجل الاهتمام بالكفاءات المغربية عبر العالم كغيره من الدول. فالصين من أجل الاستفادة من جاليتها المتواجدة عبر العالم قامت بخلق وكالة كان لها الفضل في دخول هذا البلد إلى العولمة وفتح الصين على العالم، وأيضا الإشراف على قطاع الصحة والتعليم العالي والبحث العلمي، والقطاع التجاري الذي استطاع إدخال اللغة الإنجليزية وثقافة العولمة والليبرالية من خلال الجالية المقيمة في أمريكا وأوروبا. في بلادنا، نحن تحدثنا عن وكالة تشمل القطاعين العام والخاص، على اعتبار أن القطاع الخاص أيضا في حاجة إلى الكفاءات المغربية. لذلك اقترحنا أن يكون المجلس الإداري لهذه الوكالة مشكلا من القطاعين، على أساس أن يكون من مهامها الأساسية تحديد الخصاص واحتياجات المغرب في مختلف الميادين. أيضا يجب أن نحدد بدقة خريطة تواجد الكفاءات المغربية عبر العالم، وأن نعمل على توفير مجموعة من الشروط الموضوعية. فكما قال صاحب الجلالة ستكون هناك عودة، وبطبيعة الحال ستكون هناك عودة دائمة وأيضا حالات كثيرة للعودة المؤقتة في إطار حركية الكفاءات. فالبنسبة للعودة الدائمة إلى المغرب، لابد أن نطرح إشكاليات من قبيل تمدرس الأطفال وندرس مستوى عيش هذه الكفاءات في بلدانها الآن، وكيف يمكن أن نستقبل طبيبا يعيش في باريس أو بروكسيل، وله وضع مادي محفز في ظل التنافسية الشديدة التي يعرفها العالم في هذا المجال. طبعا قدمت هنا مثال الطب باعتباره اليوم ورشا ملكيا كبيرا، نحن بصدد بنائه. فتعميم الحماية الاجتماعية سيتطلب منا توفير عدد كبير من الأطباء، في حين أن المغرب لديه 7000 طبيب في فرنسا. لذلك علينا العمل على استقطاب الأطباء المغاربة بالخارج، ونشتغل في المقابل على استقرار الأطباء الذين يتخرجون سنويا بالنظر إلى أن حوالي 700 طبيب من بين 1200 يتخرجون سنويا. لذلك يجب توفير الشروط الموضوعية من سكن وتمدرس الأطفال ومستوى عيش، ناهيك عن مسألة النقل. فالمهاجر المغربي الذي يعود إلى أرض الوطن مطالب بالتعشير على سيارته وهو الأمر الذي يجب أن نعيد فيه النظر، شأنه في ذلك شأن مجموعة من التدابير والقوانين التي يجب أن يكون فيها نوع من التجانس. لهذا طالبت بتغيير شمولي لنضمن التجانس بين مختلف القرارات التي سنتخذها. فهذه الوكالة سيكون لها دور مهم، وهنا أذكر بتقرير النموذج التنموي الذي وضع الجالية ضمن أحد الأعمدة الخمس، وتحدث عن اقتصاد المعرفة المتوفر لدى جاليتنا. كما تحدث التقرير عن التكنولوجيات الجديدة والخبرة وهي أمور تتوفر عليها الجالية، وخير دليل على ذلك هو مثال الخبير المغربي سمير ماشور الذي لعب دورا مهما من أجل حصول المغرب على لقاحات “كوفيد”، وعمل لكي يصبح المغرب أحد مصنعي اللقاحات بما يجعله يزود القارة الإفريقية. أيضا عندما استقرت شركة “بومباردي” الكندية في بلادنا، فقد كان هناك دور مهم لامرأة مغربية تشتغل في هذه الشركة من أجل استقطابها إلى بلادنا. بطبيعة الحال لابد أن يكون هناك نقاش واسع مع مختلف الفاعلين ومع الجالية من أجل الإنصات إليها، وهو الأمر الذي نقوم به من خلال منصة “أواصر” بفتح النقاش مع مجموعة من الكفاءات بشكل شبه يومي لنستقي آراؤهم حول ما ينتظرونه من المغرب وما يمكنهم أن يقدموه لبلدهم. لذلك سنستمر في هذه النقاشات الواسع من أجل بلورة رأي يأخذ بعين الاعتبار انتظارات الجالية وإمكاناتهم، وأيضا إمكانيات بلادنا.
تعليقات ( 0 )