في سنة 2017 تدخلت القوات العمومية في أكثر من مدينة، ومنطقة، من أجل مواجهة المحتجين المطالبين بقطرة ماء، وهي الأحداث التي جعلت الحديث عن أزمة العطش التي صارت تهدد المغرب، تأخذ بعدا واعترافا رسميا، رغم أن شرفات افيلال الوزير المنتدبة المكلفة بالماء، والتي أعفيت من منصبها في وقت لاحق فضلت إنكار ذلك، وقالت أن الوضع طبيعي، وأن الإعلام فقط من افتعل وجود أزمة.
اليوم، وبعد مرور أربع سنوات على حالة التعبئة التي أعلنها سعد الدين العثماني من أجل مواجهة “المشكل نهائيا”، من خلال ما قال أنها حلول “مناسبة، بعضها مؤقت، وآخر استراتيجي”، يبدو أن المغرب لازال يجد صعوبة بالغة أمام هذا الإشكال المزعج أمنيا وماليا للدولة.
إشكال بدأ يزحف في كل سنة على كل نقطة جديدة، وهو ما فرض الإعلان عن حالة طوارئ مائية يبدو أنها لم تقنع الكثيرين بأن مؤشر الأزمة بلغ المستوى الأحمر.
حل الروبيني
لقد سبق للعثماني أن انتقد الإفراط في استعمال المياه التي أصبحت حسب قوله “عملة نادرة، قائلا أن “الماء الذي تزود به المنازل مدعم من طرف الدولة، ولأنه مدعم، فإن بعض المواطنين مكيضربوش ليه الحساب”، ليردف” أنتم لا تدفعون ثمن الماء الحقيقي، وكلفته على البلاد أكبر بكثير.
هو ذات الانتقاد الذي كرره نزار بركة بصورة أكثر حدة، مؤكدا أنه استمرار النزيف والهدر المائي غير مقبول إطلاقا، في وقت شرعت في عدد من المدن في حصاد نتائج هذه الأزمة التي توجه فيها أصابع الاتهام للمخطط الأخضر، و عدد من الزراعات الدخيلة واستنزاف المياه الجوفية من قبل الفلاحين الكبار وبعض الولاة والعمال لسقي العشب، في وقت تعاني فيه البلاد من سنوات عجاف من حيت التساقطات المطرية والثلجية.
والواقع أن ثقل هذا الملف، والتحديات التي بات يطرحها، وهاجس عودة الاحتجاجات التي فضلت الدولة أن تواجهها في مرحلة معينة بتدخلات أمنية، واعتقالات، ومحاكمات، للسيطرة على رقعة انتشارها، هي ما جعل رئيس الحكومة السابق يطلق تصريحه الشهير الذي جر عليه موجة عارمة من السخرية، والذي قال فيه أن الدولة عليها مسؤولية، وهي “تحل الروبيني يتطلق الماء ..تدير الساروت يشعل الضو”.
هذا التحدي يتعين على الحكومة الحالية أن تبادر لخوضه بشكل مستعجل ،خاصة في ما يتعلق بضمان التزود المنتظم بالماء الصالح للشرب ،في ضل استمرار شح المياه في مناطق أخرى خاصة في العالم القروي، وهو تحد يتطلب كلفة استثمارية باهظة، لكنه وبالأساس يطرح تحديا مقلقا، وهو ضرورة توفير موارد مائية لتعويض النقص الحاصل.
برامج في مهب الريح
من جهة أخرى فإن عودة أزمة العطش للواجهة في ظل الحكومة الحالية التي تلاحقها اتهامات عدة من قبل الشارع سيجعلها في حرج بالغ، في حال عدم المبادرة لإيلاء اهتمام خاص بالمراكز التي تعرف خصاصا مزمنا في الماء.
التصريحات الصادرة عن رئيس الحكومة وعدد من المسؤولون تسير بدورها في اتجاه واحد، وتؤكد الصعوبات التي ستواجه المغرب في كسب تحدي الأمن المائيـ علما أن المغرب من الدول التي تعاني من إجهاد مائي بنسبة تتراوح ما بين 25 الى 75 في المائة، في ضل تواضع حجم الموارد المائية المتجددة،والتي تقدر ب22 مليار متر مكعب في السنة،تشمل 18 مليار متر مكعب من المياه السطحية،و4 ملايير متر مكعب من المياه الجوفية.
اللافت أن الحكومة السابقة التي كان عزيز اخنوش وزيرا للفلاحة فيها، قالت أنها ستسعى لتفادي حدوث اختلال بين العرض والطلب على الماء، وضمان الأمن المائي في افق سنة 2050 من خلال التحكم في الطلب، وتنمية العرض، والمحافظة على الموارد المائية السطحية والجوفية،واقتصاد207 مليون متر مربع ما بين 2019و2026، بما فيه الماء الصالح للشرب، والماء الموجه للري، وهي إجراءات لم يشرع فيها، فضلا عن كونها لقيت عدة انتقادات بسبب قفزها على عدد من الأعطاب الي تكرس أزمة العطش وأهمها فقدان عدد من السدود لقدرتها التخزينية.
انقطاع الماء، والعطش الذي ضرب عددا من المناطق هذه السنة كشف أيضا محدودية نتائج البرنامج المستعجل للتزويد بالماء الشروب، وماء السقي، الذي قيل أنه يسعى لضمان التزويد على المدى القصير والمتوسط، من خلال جملة من التدابير التي ستكلف 116 مليار درهم، وهو البرنامج الذي اتضح أنه تحول إلى ريشة في مواجهة ريح الجفاف.
تعليقات ( 0 )