غزلان.. “لبؤة” تعشق مداعبة الكرة وزيارة الشباك

بنظرة ثاقبة، تفحص الملعب بكامله… تدور مقلتاها وهي تبحث عن ثغرة وسط خطوط دفاع الخصوم، تتمهل، ثم… وبهدوء شديد، ترمي الكرة بالمسطرة والبركار، لتباغث المرمى بهدف، أو تمد زميلاتها في الفريق بكرة نفخت عليها من روحها، كلبؤة مرعبة.

إنها غزلان الشباك، لاعبة المنتخب الوطني النسوي لكرة القدم، يا سادة وسيدات، إبنة لاعب المنتخب الوطني السابق في السبعينيات، المرحوم العربي الشباك …لا تدعوا اسم “غزلان” يخدعكم! إنها ليست غزالة وديعة داخل الملاعب، بل هي لبؤة تنقض ولا ترحم.

في “كان السيدات”، الذي أسدل عليه الستار، قبل أيام، توجت غزلان بلقب أحسن لاعبة، عن جدارة واستحقاق، بعد أن فرضت روحها المرعبة على رقعة الميدان، طيلة أطوار البطولة، وصالت وجالت مسجلة أربعة أهداف ومانحة الكثير من الفرص والتسديدات الجميلة لزميلاتها في المنتخب النسوي.

غزلان الشباك، ابنة الدار البيضاء التي ولدت في 22 غشت 1990، رضعت حليب الموهبة منذ نعومة أظافرها، فوالدها لاعب كرة قدم، وإخوتها الذكور شاركوها شغف الكرة ومداعبتها في دروب الحي، متغاضين جميعا عن همسات المجتمع الذكوري الذي لا يرحم.

الحي بالنسبة لغزلان الشباك كان مدرستها الأولى التي نسجت فيها أحلامها الكروية التي كانت تبدو مستحيلة التحقق، رغم دعم والدها الذي كان يرى فيها استمرارا لاسمه في عالم الكرة، فكان يتدخل دائما لمساعدتها أمام توبيخات والدتها التي أعيتها ألسنة الناس، ومواجهة مجتمع لا يعترف بلاعبة كرة قدم، ويعتبرها شيئا غريبا وعصيا على الفهم والتقبل.

عندما فتحت النوادي المغربية فروعها النسوية، كانت الفرصة مواتية أمام والد غزلان للبحث عن فريق يحتضن موهبة ابنته، فكان فريق دفاع عين السبع وجهتها الأولى، لكنها سرعان ما انتقلت لفريق الرشاد البرنوصي، الذي كان يضم فرع كرة قدم نسائي متميز سمح لغزلان بممارسة كرة قدم عصرية، وتعلم تقنيات جديدة ومجاورة فتيات أخريات جرفهن عشق كرة القدم ورمت بهم الأقدار إلى فريق الرشاد البرنوصي.

العيون المتربصة بالمواهب سرعان ما جذبتها موهبة غزلان، فتمت دعوتها للالتحاق بالمنتخب الوطني للسيدات عام 2007… هنا أصبحت غزلان الشباك أمام فخر جديد، فمن الملاعب المتربة إلى البطولة الوطنية، واخيرا حمل القميص الوطني استطاعت غزلان رد الاعتبار لنفسها أولا، ولكل موهبة نسائية في عالم الكرة ثانيا، وتحققت نبوءة والدها الذي كان يدافع عنها بالقول أنها ستخلفه في الملاعب وتشرف اسمه… لم تعد والدة غزلان مضطرة للاستياء من همهمة نساء الحي ورجاله، فغزلان، الآن، لبؤة تدافع عن ألوان المنتخب الوطني للسيدات، لكنها كانت مع ذلك مضطرة، في هذه المرحلة، للتخلي عن دراستها التي حاولت التوفيق بينها وبين ممارستها لكرة القدم، لكن ظروف المعسكرات الوطنية والدولية لم تسمح لها بذلك.

في سنة 2010 كانت غزلان الشباك على موعد مع مرحلة جديدة في حياتها، فبعد مباراة ودية بمصر، أمام منتخب مصر للسيدات، والتي سجلت فيها الشباك هدفين، وكانت نجمة المباراة بلا منازع، انهالت عروض احترافية من مصر على غزلان.. كان الأمر مفاجئا لها لأنها لم تفكر من قبل في دخول هذا العالم، لكنها مع ذلك قررت خوض التجربة الجديدة مع فريق المقاصة المصري وتجربة عالم الاحتراف، إلا أن ظروف ثورة 25 يناير وعدم استقرار الأوضاع السياسية بمصر عجلت بعودة غزلان لوطنها الأم، حيث فتح لها فريق الجيش الملكي أحضانه في موسم 2012 \2013 حيث تم إحداث فرع نسائي لكرة القدم، فكان ذلك فأل خير على غزلان، إذ أصبح الفريق بيتها الثاني إلى يومنا هذا، وفازت مع الفريق العسكري بلقب البطولة وكأس العرش ولعبت نهائيات العصبة الإفريقية حيث احتل الفريق المرتبة الثالثة.

تنظيم المغرب لكأس إفريقيا للسيدات في الفترة الممتدة من 2 إلى 23 يوليوز الماضي، كانت مناسبة ليتعرف شعب بكامله، بل قارة إفريقيا كلها، على غزلان الشباك، التي توجت كأحسن لاعبة في هذه الدورة متفوقة على زميلاتها في المنتخب الوطني، وعلى سيدات المنتخبات الإفريقية عن جدارة واستحقاق.

أسدل إذن الستار على الدورة، ورغم تبخر حلم الفوز بكأس إفريقيا، بعد هزيمة المنتخب أمام جنوب إفريقيا بهدفين مقابل هدف واحد، إلا أن غزلان الشباك عازمة على معانقة أحلامها وتحقيق ما كان يبدو مستحيلا قبل سنوات، فكأس العالم القادمة تنتظر غزلان وزميلاتها من أجل تحقيق ملحمة كروية جديدة، وكتابة سطر جديد في تاريخ الكرة النسوية المغربية.

غزلان الشباك، باختصار، حلم مغربي بصيغة المؤنث، آمنت بموهبتها وتابعت مسيرتها متحدية قيود مجتمع لا يرحم، لتصبح اليوم أيقونة عالم الكرة النسوية في المغرب، ومثالا لكل امرأة مغربية طموحة، وكونوا على يقين أن ملاعب نيوزيلندا وأستراليا ستسمع زئير هذه اللبؤة من جديد.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي