النقابات تخرج بخفي حنين بعد رفع مطلب 1000 درهم زيادة في الأجور

الحكومة تفرض رؤيتها وتضع النقابات في ورطة مع الموظفين والأجراء

ملفات شائكة وانتظارات كبيرة، مقابل هشاشة الفاعل النقابي ليس في الدفاع عن مطالب الموظفين والأجراء، بل أيضا في القيام بدور الوساطة بين الدولة والمجتمع في لحظة يفترض أن تلعب هذه الهيئات دور المفاوض في تحقيق المطالب المعبر عنها، وفق مقاربة تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع المالية والاقتصادية للدولة.

من أزمة أساتذة التقاعد ومرورا بتردي القدرة الشرائية للمواطنين، فضلا عن مصير غامض ينتظر معاشات الموظفين والأجراء، يكاد صوت النقابات يختفي أمان شبه هيمنة حكومية على المشهد، حتى إن بعض المواقف المعبر عنها كأنها تأتي فقط لادعاء القيام بالواجب ليس إلا، دون أن تكون لدى الفاعل النقابي تلك الحرقة التي تلهب المواطنين من جراء أوضاع اجتماعية صعبة.

بطبيعة الحال ليس مطلوبا من النقابات أن تكون عامل احتقان داخل المجتمع، بل إن دورها كمؤسسة للوساطة هو أن تكون قوة رائدة في تحقيق للسلم الاجتماعي..فلا وجود لاقتصاد قوي بدون سلم واستقرار اجتماعي وسياسي..ولا يمكن التفكير في استقطاب الاستثمارات الأجنبية إذا كانت الأوضاع الاجتماعية ملتهبة..

هذا يعني أن النقابات ليس من مهمتها فقط الاحتجاج أو الإضراب..فذلك آخر العلاج، لكن قوتها تكمن في القدرة على دفع الفاعل الحكومي للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهو موقف يحسب للحكومة باحترامها مواعيد الحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين..لكن الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض يفارض أن تك ن الهيئات النقابية قوة اقتراحية حقيقية.

الإدماج..كيف؟

عندما نشدد على ضرورة ممارسة النقابات لدورها في الاقتراح فهذا من صميم اختصاصاتها..فلا يمكن أن ترفع هذه الهيئات ملفات اجتماعية للحكومة دون أن تطرح الحلول الممكنة ومداخل التنفيذ،  ليس فقط رفع شعارات ثقيلة غير قابلة للتنفيذ، اللهم تحقيق “البوز الإعلامي” ودغدغة مشاعر الأتباع والمتعاطفين.

وما دمنا نتحدث عن الدور الاقتراحي للنقابات لابد أن نسلط الضوء على مشمل التعاقد الذي لم يجد بعظ طريقه للحل وفق المقاربة التي تطرحها عدد من النقابات في هذا القطاع. فالأخيرة تدعو الحكومة إلى إدماج الأساتذة المتعاقدين دون أن تكشف لا الكيفية ولا الآليات القانونية والمالية التي ستمكن من تحقيق هذا المطلب.

الإدماج في الوظيفة العمومية يستلزم أن توفر الحكومة المناصب المالية الكافية لجميع الأساتذة المتعاقدين على مستوى قانون المالية (الميزانية العامة)..وبما أن الحكومة لا تستطيع توفير إلا حوالي 22 ألف منصب شغل سنويا، فإن مطلب الإدماج وفق هذه المقاربة يستلزم تخصيص أزيد من 100 ألف منصب مالي وهو أمر يستحيل تطبيقه اللهم إذا تقرر أن يتم الإدماج على دفعات.

ليس هذا فحسب، بل إن مقاربة حل هذا الموضوع جاءت من حكومة فقط، ومن ذلك مسألة تحويل هذه الفئة من الموظفين إلى الصندوق المغربي للتقاعد بدل النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وهو مقاربة استثنائية على اعتبار أن النظام الأول يهم فقط الموظفين المتوفرين على نظام تأجير مركزي، بينما يستفيد أغلب مستخدمي المؤسسات العمومية (تدخل ضمنها الأكاديميات) من النظام الجماعي.

وعلى نفس المنهج، تحاول الحكومة إيجاد صيغ أخرى لمسألة الانتقالات خارج الجهة. ذلك أن نظام التوظيف الجهوي يفرض أن تتم الحركة الانتقالية داخل نفس الجهة، غير أن هناك حالات يفترض أن تستفيد من الحركة الانتقالية الوطنية سواء تعلق الأمر بالالتحاق بالزوج أو غير ذلك، وهو أمر يستلزم إيجاد صيغة معينة للحل، على اعتبار أن الأمر يتعلق بوضعيات اجتماعية غير قابلة للتسويف..

مطالب ثقيلة

في سياق اقتصادي ومالي صعب، يستحيل فيه الحكومة أن تقرر زيادات عامة في الأجور وهو أمر لا يمكن أن يجادل فيه أحد، طالعتنا بعض النقابات بمطالب تحمل نوعا من “الطنز” على الموظفين، من خلال دعوتها إلى إقرار زيادة عامة في الأجور تصل إلى 1000 درهم، بالرغم من علمها اليقين بأن هذا المطلب يستحيل أن يتم تطبيقه.

وبدل أن تعكف النقابات على مفاوضة الحكومة في أمور دقيقة، وفق ملفات مطلبية مدروسة حتى وإن لم تتضمن الزيادة في الأجور، فقد اختارت طرح بعض المطالب غير القابلة للتحقق، بالرغم من أن مسألة حماية وتحسين القدرة الشرائية للموظفين والأجراء لا ترتبط فقط بالزيادة في الأجور..بل أساسا بوقف الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية.

لقد كان حريا بالنقابات مثلا أن تفاوض الحكومة لتقليص الضريبة على المحروقات، وهو مطلب يجد جديته في تأثير الضرائب على الأسعار، لاسيما في ظرفية تجعل مجموع الضرائب التي تحصلها الحكومة من المحروقات ترتفع كلما زادت الأسعار..ولذلك، فقد كان من المفروض أن يتم تخفيض الضرائب أو وضع نظام جبائي مرن تنخفض بموجبه نسب الرسوم المفروضة أو ترتفع حسب تقلبات الأسعار في الأسواق الدولية.

غير أن الذي وقع هو أن النقابات التي دخلت بسقف مرتفع خرجت بـ”خفي حنين”. هكذا، وبدل أن تتمكن النقابات من انتزاع 1000 درهم زيادة في أجور الموظفين، أو 500 درهم على الأقل، فقد جاء الاتفاق الاجتماعي بمخرجات أهمها الزيادة في الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص بنسبة 10 في المائة على دفعتين ابتداء من العام المقبل، ورفع الأجر الأدنى بالقطاع العام إلى 3500 درهم صافية.

كما تم الاتفاق على حذف السلم السابع بالنسبة للموظفين المنتمين إلى هيئتي المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين، ورفع حصيص الترقي من 33 في المائة إلى 36 في المائة، والتزام الحكومة بتخفيض الضريبة على الدخل ومنح إجازة أبوية لمدة 15 يوما لتمكين الآباء من مساعدة زوجاتهم في الأسبوعين الأولين من الولادة. كما يتضمن الاتفاق ذاته توحيد الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي مع الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة في أفق 2028، ورفع التعويضات العائلية من 36 درهما إلى 100 درهم بالنسبة للطفل الرابع والخامس والسادس.

وعموما، وبالمقارنة مع طبيعة المطالب التي رفعتها بعض المركزيات، فإن الاتفاق الاجتماعي جاء مخيبا للآمال، بالرغم من أنه ينسجم مع طبيعة السياق الحالي الذي يصعب مهمة الفاعل الحكومي في اتخاذ أي قرارات لها وقع مالي ثقيل على ميزانية الدولة..لكن من واجب النقابات في المحطات المقبلة أن تدرس الخيارات والسيناريوهات الممكنة، حتى يكون التفاوض على أمور قابلة للتحقق ولها وقع مباشر وإيجابي على أوضاع عموم الموظفين والأجراء.

 

 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي