ساعات بعد إزهاق روح ضابط شرطة بإنزكان بطعنة غادرة، توالت أخبار عن جرائم قتل تلو أخرى، منها قتل كفيف بمدينة الدار البيضاء بهدف سرقة ماله.
الأمر فعلا يدعو للقلق، ويزيد من عدم إحساس المغاربة بالأمان في شوارع وأزقة معظم المدن، بعد أن أصبح القتل هينا، وصار إزهاق أرواح الأبرياء عملا واردا في أي سرقة قد تحدث في أي لحظة.. وفي كل مكان.
الصادم أن بعض المتورطين في جرائم القتل قاصرون يفترض أن مكانهم الطبيعي في فصول الدراسة.
هو مؤشر يكشف أن السرقة لم تعد فعلا يحترفه البعض، بل عادة تمارس على نطاق واسع من طرف جيل منبوذ، يملك فائضا من العدوانية القابلة للتصريف في أشكال جد صادمة بما فيها القتل.
هذا العطش للدم والعنف ليس غريبا أو طارئا، بل سبق وعاينا جرائم غاية في البشاعة.
وضع أصبح ينفلت في مجتمع غارق في العدوانية، وصحته النفسية في الحضيض.
هذا علما أن أكثر من نصف المغاربة مصابون بأمراض، وعاهات نفسية، تجعل منهم قنابل موقوتة جاهزة للانفجار في أية لحظة، وهو أمر لا تبالي به السياسات العمومية التي تعتبر أن الاهتمام بالصحة النفسية للشعب، ترف، و “فشوش” لا نستحقه.
الأكيد أن المقاربة الأمنية لا تكفي، لكنها تبقى ضرورة لتطهير الشوارع من الوحوش التي تتربص بالضحايا.
واضح أننا ندفع ثمن فشل منظومتنا التعليمية والتربوية.
وأننا نؤدي فاتورة إفلاسنا المجتمعي، وإخفاقنا التنموي الذي فرخ لنا عشرات آلاف الجانحين ممن يزرعون الموت والخوف والترويع في الطرقات بالمديات والسكاكين أو يتزاحمون في الاصلاحيات و السجون.
لقد كانت لجيل الثمانينات موضة حمل السلاح الأبيض “بونقشة”.
حينها كان مجرد خبر جريمة سرقة عادية كافيا لهز مدينة بأكملها، قبل أن تنقرض هذه الموضة بمجرد إشاعة عن عقوبات حبسية صارمة ستطال كل من يضبط بسلاح أبيض بواقع سنة عن كل سنتيمتر…
اليوم أصبحنا أمام السيوف ومديات نحر الأضاحي، ليس للتباهي طبعا، بل للدخول في مواجهات دامية، وحروب شوارع، وتحدي مسدسات رجال الأمن، وقتل كل من يحاول مقاومة سارقيه تحت تأثير مخدرات، ومؤثرات عقلية، تزيد من بطش هؤلاء وتعطشهم للدم.
الجريمة واستفحالها مرض من أمراض المجتمع، والمسببات واضحة، ومركبة، وتداركها صعب، ويحتج لزمن نواصل هدره باستمرار، لذا يبقى المطلوب الآن هو تطهير الشوارع، والتعامل بصرامة مع كل من يضبط بسلاح أبيض من خلال عقوبات تحقق الردع المطلوب.
المغاربة ملوا من جرعات الخوف التي تزيد من تسميم حياتهم المثقلة بالضغوط والمشاكل.
وصاروا عاجزين عن تمديد صلاحية الصبر تجاه الكثير من المؤشرات المقلقة، ومثل هذه الجرائم للأسف ستبقى مرشحة لأن تتكرر، ما دامت أسبابها متوافرة بسخاء.
ومادام سياسيونا يعيشون حالة فصام حقيقي مع أعطاب المجتمع.
أعطاب تزيد استفحالا، وتنتج عينات تجتهد في ابتكار أكثر الأساليب عدوانية، ووحشية…. فإلى أين نسير؟.
تعليقات ( 0 )