شوارع المملكة و استعمار “قطاع الطرق”

جريمة قتل شاب بفاس بعد خلاف حول الباركينيغ ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة ما لم يتم  تحرير طرقات المملكة من استعمار أصحاب “الجيليات”.

لن تكون الأخيرة ما دامت المجالس المنتخبة، والسلطات،  قد غسلت يدها من ملف “قطاع الطرق” الذين يبتزون المغاربة، ويحتلون تقريبا كل شوارع هذه البلاد السعيدة لإجبار كل من يركن سيارته على الدفع.

لقد كان من المفترض في بلد يحترم مواطنيه،  أن تفضي حملة  “مول الجيلي” لتطهير الطرقات من هذه الكائنات التي تستيقظ صباحا، وترتدي “جيلي” ثمنه درهمين لتفرض على  المواطنين، و دون وجه حق، دفع رسوم عن كل توقف تحت طائلة الاعتداء الجسدي واللفظي.

ما حدث هو أن عددهم زاد ، بعد أن رمت وزارة الداخلية بالكرة في ملعب المجالس المنتخبة التي نفضت يدها من هذا الملف، وتبرأت من أصحاب “الجيليات”، ليبقى السؤال من يتحمل مسؤولية التصدي لهؤلاء، لوقف “الكريساج” الذي يتعرض له المغاربة وضيوف هذا البلد، بعد أن تحولت طرقات المملكة الى وزيعة بيد عصابات  تتحد في ما بينها.

الأمر يتعلق بالمئات، والآلاف، ممن اقتسموا فيما بينهم طرق المدن والقرى والأسواق  والمقابر، وزحفوا على مواقف الإدارات والمستشفيات ومخافر الأمن مرتدين “جيلي” بلون فاقع، ليفرضوا على أي سيارة أو دراجة تتوقف، تسعيرة مزاجية تبتدئ من درهم وتصل إلى خمسة دراهم، ومن يرفض يلاقي ردود فعل قد تصل إلى الاعتداء الجسدي

والواقع أن من  بين الأدلة الكثيرة التي تكشف بأن النخب السياسية والأحزاب ومعها آلاف  الجمعيات و المسؤولين الجماعيين و ممثلي السلطة  بالمغرب صاروا مفصولين عن  أبسط مشاكل و مطالب المغاربة هي حملة مقاطعة “أصحاب الجيلي صفر”.

هذه الحملة التي وجدت صدى قويا على المستوى الوطني والدولي عرت حقيقة أن الكثير من مشاكل المغاربة القديمة واليومية  لا تجد من يترافع لحلها.

كما كشفت في المقابل انتهازية عدد بعض الأحزاب والمنتخبين الذين سارعوا بعد صمت امتد لسنوات إلى محاولة تبني هذه الحملة، ومطالبها، سواء من خلال مؤسسة البرلمان أو من خلال مسح اليد من أي مسؤولية في “البلطجة” التي تتم في مختلف المدن المغربية  من طرف  جيش من “اصحاب الجيلي”…..لكن الحملة أريد لها أن تفشل.

لسنا أمام نشاط هامشي، أو تكافل مجتمعي طوعي مع طبقة هشة ، كما يروج البعض من أجل تبرير سلوكات  الابتزاز و التهديد.

يتعلق الأمر بنشاط  غير قانوني وقسري يدر عائدات مالية ضخمة على حساب المغاربة الذين  صار لهم يقين بأن الدولة تتعامل مع الملف ب”عين ميكة” كنوع من الترويض النفسي لشعب بأكمله…وترفع شعار “حنا ما مسالينش لهاد الشي…”

تطهير الشوارع من بلطجة أصحاب “الجيليات” لا يحتاج موارد مالية، ولا  اجتهادا تشريعيا، يكفي تطبيق القانون، وتحمل المجالس المنتخبة و الولاة والعمال لمسؤوليتهم، وبعدها دورية أمنية  كافية لجعل المغرب يتخلص من ممارسات مستفزة تحمل جينات إجرامية.

ممارسات جعلته بلدا يتسامح مع “السيبة” التي يدفع مواطنوه ثمنها من جيوبهم أو من سلامتهم الجسدية في حال حاولوا القيام بالدور الذي يتهرب منه المسؤولون.

كيف يمكن أن نقنع المغاربة بأن التغيير قادم، وأن البلاد ستعرف إصلاحات كبرى في عدد من المجالات في الوقت الذي يتعامى فيه مدبروا الشأن العام عن ما يحدث يوميا بالشوارع من فوضى وسرقة بالإكراه…

فعلا هي فوضى لكن يراد لها أن  تستمر … و”اللي ما عجبو حال يشرب البحر”…

 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي