في اليوم العالمي للصحافة نجد أنفسنا ومن جديد مجبرين على وضع أسلوب التواصل الذي تعتمده الحكومة مع وسائل الإعلام المهنية في قفص الاتهام، مادامت القرائن وأدلة الإدانة قاطعة، ولا تحتاج لمرافعة.
الحكومة وفق قناعتها ترى أن دور الصحافة و الصحفيين هو التطبيل والاكتفاء بنقل ما يقال لهم دون طرح أي أسئلة، ولهذا عاينا كيف اكتفى زعماء الأغلبية الحكومية في ندوة رئاسة الأغلبية بنثر كلامهم قبل التسلل خارجا.
أخنوش صاحب “العصا السحرية”، و معه نزار بركة، وعبد اللطيف وهبي أعلنوا عن ندوة صحفية في ختام الإجتماع، وحضرت قبيلة الصحفيين، قبل أن تتفاجأ بأن أسئلتهم لن تطرح.
السبب هو أن السي اخنوش مشغول وفق تعبير المحامي عبد اللطيف وهبي، وأن المطلوب منهم هو نقل التصريحات فقط.
قبل ذلك عاينا كيف فتح وزير التربية الوطنية، و عراب النموذج التنموي، “السي” شكيب بنموسى مكتبه وسط صخب احتجاجات المتعاقدين ليخصص وقته الثمين لحفنة مؤثرين لم يسمع بهم أحد.
لن نخوض في لائحة المؤثرين و لا في طبيعة التأثير الذي يمارسونه، ولا الشرائح التي يستهدفونها، كما لن نطرح السؤال عن تكوينهم المعرفي، ما دام نقيب معشر الصحفيين قد قال كل شيء، وحذر الدولة والحكومة والمجتمع من “خطر” هؤلاء و شرح الأسباب بالتفصيل.
ما يحدث الآن يكشف أن “سوء الفهم”، و”سوء النية” الذي يطبع تعامل المسؤولين مع الصحافة تطور لمحاولات عمدية هدفها سحب ثقة المغاربة في صحافتهم، عوض فتح الباب لتواصل شفاف وآني يتيح لهم حقهم في المعلومة.
هذا الحق الذي أريد به باطل، سعت الحكومة الحالية عمدا لحرمان الصحافة الوطنية والمواطن منه ، وفضلت مقابل ذلك أن تبيع خطابها، وتحصل على “جيمات” المديح عبر هواتف المؤثرين بمنطق “أعطه مائة دينار”.
يحدث هذا بعد أن قامت عدد من المؤسسات بإغلاق أبوابها بإحكام، مع إصدار دوريات داخلية تحذر من كشف أي معلومات تحت طائلة اتخاذ عقوبات مرتبطة بتسريب المعطيات، وإفشاء السر المهني.
لن نحصر العطب في وزارة دون غيرها، فالجميع صار يتعامل مع المعلومة ب”منطق أمني”، وبكثير من الاستعلاء الذي يجعل بعض المسؤولين يتفادون الرد على أسئلة الصحفيين خارج أوقات الدوام الرسمي رغم أن الأمر يتعلق بقضايا تشغل الرأي العام.
في المقابل فتحت الكثير من الوزارات والمؤسسات والمصالح أبوابها للمؤثرين وصارت تكتفي في تعاملها مع الصحافة ببث بلاغات انتقائية وتسويقية عبر الإعلام الرسمي,
الاجتهاد في ضرب جدار السرية على المعطيات والمعلومات التي من حق المغاربة أن يلجوا إليها عبر الصحافة الجادة، توازيها تسريبات تتخذ أحيانا شكل شراكات بالبث المباشر مع صحافة “سكيمو” وعاهات”البووز”، و مدمني ريع النقرات.
الغريب أن ذات الجهات التي تتبنى حكمة أن “الفم المغلق لا يدخله الذباب” تسارع في كل مرة لإصدار بيانات الوعيد والتهديد في حال نشر الصحافة الجادة ما تعتبره “إشاعات ومغالطات”، وتدعو بطريقة فيها الكثير من “الطنز” ل”ضرورة التحري” قبل نشر ما يمكنه أن يخلق البلبلة لدى المواطنين؟…
السؤال الحقيقي الذي يبقى معلقا في هذا اليوم العالمي: من له مصلحة في قتل ما تبقى من صحافة مهنية في هذا البلد؟
تعليقات ( 0 )