بين الحرية الفردية والمسّ بالمشاعر الدينية.. ’’الإفطار العلني‘‘ جدل يتجدّد كل رمضان

أعادت قضية توقيف أمن الدار البيضاء مجموعة من الشباب المغاربة “المفطرين دون موجب شرعي” في رمضان بأحد مقاهي العاصمة الاقتصادية للمملكة، زوال اليوم الأربعاء 27 أبريل، بتهمة الإفطار العلني، السجال الدائر حول احترام الحريات الفردية.

وكانت مصالح الشرطة قد ضبطت العشرات من الزبائن وبعض العاملين بالمقهى الذي يوجد وسط مدينة الدار البيضاء، وسط تجمع جماهيري غفير من المواطنين الذين ظلوا يتفرجون على عملية المداهمة الأمنية المفاجئة.

وأقدمت القوات العمومية على إقاف الشباب “المفطرين” أثناء هذه المداهمة، بينما لم يتم اعتقال شباب آخرين كانوا يستغلون الفضاء لمزاولة عملهم، ولم يتم اعتقال الأجانب أيضا.

وذكرت مجموعة من المصادر أن هذا المقهى الكائن وسط العاصمة الاقتصادية اعتاد على تقديم خدماته للزبائن طيلة المواسم الماضية، وحتى خلال شهر رمضان الحالي.

في نفس السياق، حررت المصالح الأمنية محاضر استماع للموقوفين، قبل أن يتم إطلاق سراحهم، حيث يُنتظر أن يواجهو بتهم الإفطار العلني في نهار رمضان أمام النيابة العامة المختصة، لتقرر بشأن متابعتهم من عدمها.

للإشارة فقد تحركت المصالح الأمنية بعد رصد دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات التراسل الفوري من أجل الالتحاق بالمقهى للراغبين في الإفطار في نهار رمضان، وذلك ما استوجب التحرك الأمني بتعليمات من النيابة العامة تطبيقا للقانون.

الفصل 222 يقسم المغاربة

ينص الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي على معاقبة من يجاهر بالإفطار في رمضان من المسلمين.

وتقول المادة: ’’إن كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي ويجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي، من دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة مالية من 12 إلى 120 درهما‘‘.

ولوّح ناشطون حقوقيون بضرورة إلغاء العمل بالقانون 222 من القانون الجنائي بدعوى تضييقه الخناق على الحريات الفردية للمفطرين في رمضان، إلى جانب أنه لا يؤثر على مشاعر الصائمين كما يدعي بعضهم، خاصة وأن الصوم يكون لوجه الله، يضيف المنتقدون للنص القانوني.

وبهذا الخصوص يقول أحمد عصيد، الناشط الحقوقي الأمازيغي والباحث، إن   الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي يتضمن تعابير لا يقبلها عقل سليم، كما أنها مخالفة للدستور ولالتزامات الدولة المغربية، وآن أوان حذفها احتراما لحريات الجميع على قدم المساواة، ومن أجل خلق فضاء عمومي مشترك .

ويتابع عصيد قوله، ’’ولأن الحكومة المغربية بصدد إعادة النظر في نص القانون الجنائي بغرض مراجعته، بعد أن قامت بسحبه مؤخرا، ولأن النقاش حول هذا النص قد امتد لسنوات طويلة دون نتيجة حتى الآن، نرى ضرورة تسليط الضوء على بعض مضامينه المتقادمة، التي ينبغي حذف بعضها بالمرة، وتعديل بعضها الآخر‘‘.

واعتبر عصيد أن نص القانون 222 يتضمن ثلاثة أمور غير مستساغة لا من منظور الدين ولا الدستور الوضعي، أولها أنه يتحدث عمن ’’عُرف باعتناقه الدين الإسلامي‘‘، عُرف من طرف من ؟ السلطة أم المجتمع ؟ وبناء على ماذا ؟ وهل ما عُرف عن الشخص المعني تتم مراجعته كل مرة للتأكد أو أنه عُرف عنه منذ الولادة بقرار حاسم ونهائي ؟ وما هي الجهة في الدولة المخول لها أن تبث فيما يؤمن به الناس وما لا يؤمنون به دون أخذ رأيهم ؟ وهل في حالة ما إذا أعلن شخص موقوف بأنه ليس مسلما وليس ملزما بالصيام سيتم رفض ذلك منه واعتباره مسلما رغم أنفه ؟  إنها أسئلة جوهرية، لأن المقصود هنا التدخل في خصوصيات الناس وإقرار ما بقلوبهم وما يؤمنون به خارج إرادتهم.

وثانيا يشير الباحث الأمازيغي، ’’يقول النص “تجاهر بالإفطار” ، وتعني كلمة “تجاهر” أي تعمد الجهر والظهور ما يعني أن كل شخص ملزم بنوع من “السرية” أي عدم إظهار تناول الطعام، وتعني كلمة “إفطار” في معجم الفقه الإسلامي أن يأكل المسلم في رمضان، بينما قد لا يتعلق الأمر هنا بشخص مسلم أصلا، والصّحيح الحديث عن الأكل أو تناول الطعام بإطلاق، لأن الحكم على أي شخص بأنه “مفطر” معناه الحكم عليه بعدم الالتزام بشعيرة دينية هو أصلا لا يؤمن بها، وهذا معناه أن هذه العبارة أيضا تتضمن حكما على جميع المواطنين بأنهم مسلمون رغم أنوفهم (ومنذ الولادة)، وهذا لا يصحّ لا في الدين ولا طبقا للدستور. كما أن استعمال كلمة “تجاهر” تعني الحث على دفع الناس إلى عدم إظهار قناعاتهم إذا لم تكن متوافقة مع ما هو سائد أو رسمي، بينما يتعلق الأمر هنا باختيارات  شخصية لا يمكن التحكم فيها بذريعة الامتثال لما اختارته الأغلبية. لأن أمور العقيدة هي مثل الأذواق تماما، لا تخضع للوصاية‘‘.

ومما يضع هذا النص في حرج كبير عدم قدرته على إثبات “الضرر” الحاصل من تناول المواطن المعني للطعام نهارا في رمضان، يشدّد عصيد، هو لا يضرّ بنفسه لأنه يشبع حاجة طبيعية، كما أنه لا يضرّ بغيره من الناس لأنه لا يتدخل في اختيارهم الصيام، إذ لا يوجد في النص ما يثبت أن مشاهدة شخص يأكل يبطل الصيام. وللتغطية على ضعف النص ولا جدواه يعمد كثير من الناس إلى البحث عن ووصف المصدر ذاته، ما جاء في القانون بأنها ’’مبررات واهية باستعمال عبارة غير واردة في الفصل وهي كلمة “استفزاز مشاعر المؤمنين”، وهو عذر أقبح من الزلة، لأن الكثير من الأمور الواقعة في الفضاء العام إذا نظر إليها بهذا المعيار تصبح محظورة، كما أن من يعتمد هذا المنطق لا يشرح لنا السبب الذي يجعل أكل الغير “استفزازا”، إذا علمنا أن صيام المؤمن إنما هو لله لا للبشر، وأنه يبقى صياما صحيحا وسليما ومقبولا دون إشراك غير فيه‘‘.

واستطرد الناشط الحقوقي، ’’وثمة مبرر آخر أكثر خطأ من السابق، وهو الذي تستعمله السلطات لتبرير اعتقال الناس وإساءة معاملتهم، وهو أن الأكل نهارا يؤدي إلى عنف الجمهور الذي يرغب في الانتقام من الشخص الذي يأكل، فتقوم السلطة باعتقاله لأنه يعرض نفسه لخطر الاعتداء عليه من طرف الصائمين.  والأسئلة المطروحة هنا هي: هل عنف الجمهور أمر طبيعي ليتم قبوله من طرف السلطة ؟ ما دور السلطة إذا كانت غير قادرة على حماية الناس في اختياراتهم وتعايشهم في الفضاء العام ؟ لماذا لا يستطيع المسلم التهجم على غيره في النرويج أو سويسرا ؟ ولماذا لا يستفزه من يأكل هناك ؟ الجواب أن المسلم في بلاد الغرب يعلم علم اليقين بأن الدين شأن شخصي وليس نظاما عاما مفروضا على الجميع، وأن الدولة لا تجرم الاختلاف في الدين ولا تفرض الالتزام بشعائر دينية في الفضاء العام. فنظرة المواطن المغربي محكومة بقوانين الدولة وبنهجها في تدبير شؤون المجتمع، فإذا كانت الدولة تعتمد العنف في أمور العقيدة فإن المواطن يعتبر ذلك ترخيصا له باستعمال العنف كذلك. بل أكثر من هذا، هناك مواطنون يعتبرون أنفسهم عند التدخل للاعتداء على غير الصائمين مفوضين من طرف الله مباشرة، وهو مشكل يؤدي في النهاية إلى الإضرار بالدولة نفسها وبمفهوم المواطنة‘‘.

زاد المتحدث نفسه، ’’ويضيف النص “دون عذر شرعي”، بينما يعلم الجميع أن “العذر الشرعي” في عدم الصيام يتعلق بالمسلم البالغ العاقل المؤمن، أي “المكلف” الذي يودّ الصيام لكن أمرا قاهرا كالمرض أعجزه عن ذلك، بينما هذا الفصل يستهدف أساسا من لا يصوم عن سبق إصرار، أي أنه لا يريد أداء هذه الشعيرة الدينية إما لأنه غير مؤمن أو غير ممارس للشعائر وغير مكترث بها، وهو أمر لا يخصّ سواه من الناس لأنه اختيار شخصي‘‘.

وخلُص عصيد إلى أنه يتضح من هذه العبارات الغريبة أنّ الصياغة في أساسها خاطئة تماما، لأن الشخص الذي يتم اعتقاله لأنه يأكل نهارا في رمضان لا تعطاه أية فرصة لكي يعبر عن اختياراته العقدية، أي هل هو مؤمن بالإسلام أم لا، بل إن السلطة تتخذ في حقه الإجراءات القانونية دون أي اهتمام بمدى إسلامه من عدمه، لأنه في حالة عدم إسلامه لا ينطبق عليه النص أعلاه ولا يصحّ تطبيقه عليه، لأن السلطات تعتبر أن عبارة “من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي” تجعل الشخص المعني “مسلما” في رأي السلطة بغض النظر عن الحقيقة والواقع.

وأكد أن يعرف الجميع اليوم بأن الفصل 222 ليس مادة دينية لأنه لا أساس له في الدين، كما يعلم الجميع بأنه قانون فرنسي وُضع في بداية عهد الحماية بغرض منع الفرنسيين الأجانب من الأكل نهارا في رمضان حتى لا يُهاجَموا من قبل المغاربة، وهو أمر مفهوم، لأن الفرنسيين مستعمرون للبلد، ومهمة وجودهم بالمغرب هي “التهدئة” La passification وليس إثارة النقمة أو استجلاب سخط الجمهور في الفضاء العام، وهذه العوامل كلها زالت ولم تعد موجودة حاليا، والفصل 222 أصبح يستهدف مغاربة وليس أجانب، مواطنين وليس مستعمرين، مما يجعله متنافيا مع السياق المغربي المعاصر.

من جانب آخر، يضيف عصيد، يبدو واضحا أن الهاجس الأمني هو الذي يظل مهيمنا على القانون الجنائي المغربي والفصول المتعلقة بالحريات، لأن المشرّع المغربي ما زال يخلط بين الحرية والفوضى، تماما كما هو الوعي المحافظ، ولهذا تبذل السلطة جهودا كبيرة لكي تقنع المغاربة بالخوف من الحرية. بينما لا يؤدي اعتماد الهاجس الأمني في موضوع الحريات إلا إلى تكريس التخلف الاجتماعي وإشاعة العنف في الفضاء العام ، والحلّ الحقيقي هو تربية المجتمع على مبادئ العيش المشترك، والاحترام المتبادل القائم على قبول الاختلاف.

وعرّج المفكر المغربي على مواد الدستور المغربي التي تنصّ على حق كل واحد في ممارسة شعائره الدينية، لكنه لم يقل بأن على الجميع ممارسة هذه الشعائر بالإكراه، كما أنه لا ينصّ على أن يخضع الجميع لنمط حياة دينية واحدة مفروضة وقسرية، لأن المغرب لم يُشرّع قوانين لمعاقبة غير المؤمنين أو من يؤمن بغير دينيه الرسمي. ومفهوم “دولة إسلامية” الوارد في الدستور ـ والذي يستعمله البعض خطأ ـ لا يعني مطلقا أننا في دولة دينية تُخضع جميع مواطنيها لتشريعات دينية ، لأن هذا مخالف للدستور وللواقع المغربي.

وعلى هذا الأساس، يوضح عصيد أنه وفي غياب التنصيص على حرية المعتقد في الدستور، قامت الدولة المغربية في شهر مارس من سنة 2014، بالتوقيع بدون تحفظ على قرار أممي يتعلق بحرية المعتقد والضمير، فصارت بذلك ملزمة بأن تراعي اختيارات مواطنيها المؤمنين بالأديان المختلفة،  وغير المؤمنين أيضا وغير الممارسين لأية شعائر دينية.

الخلاصة، يؤكد المصدر، أن هذا النص من أغرب ما يوجد في القانون الجنائي، وقد آن أوان حذفه بالمرة، لكن مع القيام بالتوعية الضرورية للمجتمع عبر التربية على المواطنة، لأن تغيير القوانين بدون تغيير العقليات لا يؤدي إلى أية نتيجة إيجابية.

في المقابل، تدافع مجموعة أخرى عن صوابية القانون 222، الذي يساهم في ردع الفوضى والتسيب في الفضاء العام، ومن هذا المنطلق اعتبر الحسن الكتاني بن علي، رئيس رابطة علماء المغرب العربي وعضو رابطة علماء المسلمين، أن ما فعلته السلطات المغربية اليوم من مداهمة مقهى لجماعة من المنتهكين لحرمة شهر رمضان المعظم هو من واجبات السلطة في دولة مسلمة يعظم أهلها أحكام الصيام والعبادات.

من جانبه، كان النائب البرلماني السابق لحزب العدالة والتنمية، محمد خيي الخمليشي، أكثر اعتدالا في رأيه، داعيا بخصوص تصرفات الناس في الفضاء العام وحدود الممنوع والمشروع، إلى التمييز جيدا بين الالتزام الاخلاقي والإلزام القانوني.

ويضيف ممثل الأمة السابق، أنه ’’من دون شك أن احترام مشاعر الصائمين -سواء كانوا أكثرية أو أقلية – من قبل من لا يصوم بسبب قناعة أو عذر شرعي هو سلوك راق ينم عن التحضر والتضامن، وتعزيز هذا “الاحترام” لا يكون إلا بوسائل الاقناع وبالتربية الذوقية وتعزيز مقتضيات المواطنة النافعة وأساس العيش المشترك‘‘.

ويرى الخمليشي، ’’أن الاخلال بهذا الاحترام هو مشكلة أخلاقية وتربوية وذوقية، لكن ليس القانون الجنائي هو المحل المناسب لمعالجتها‘‘، متابعا ’’ولم أرَ حجة أوهى وأسخف عند من يقول بتجريم ورفض الافطار العلني من القول إنه استفزاز لمشاعر الصائمين‘‘.

واعتبر المصدر ذاته، أنه لا ضرر في أن يذهب مفطر في نهار رمضان إلى مطعم أو مقهى لتناول وجبة دون أن تكون هناك إرادة مسبقة لمعاكسة الذوق العام-كأن يكون الأمر جماعيًا ومنظما واستعراضيا.

وقال النائب البرلماني السابق، إن سلطة إنفاذ القانون ليست وصية على أخلاق الناس وانما هي معنية بحماية الفضاء العام من أي تهديد كيف ما كان مصدره، مؤكدا أن الله جعل الناس أحرارا ومسؤولين عن قناعاتهم وتصرفاتهم في قضية وجودية ومصيرية كبيرة هي قضية الايمان والكفر.

من جهته، قال خالد بكاري، الناشط الحقوقي والأستاذ الجامعي، إن سيناريو الاعتقال ’’الكرنفالي‘‘ لعدد من الشبان، اليوم الأربعاء، بأحد مقاهي الدار البيضاء بسبب إفطارهم جهرا في نهار رمضان، وقبله الاعتقال ’’السوريالي‘‘ لشباب ’’فيديو التيكتوك‘‘ من ولاد تايمة، ذكره بعبارة شاب خاطبه قبل سنوات بالقول ’’واش المخزن باغينا نسلموا ولا نكفروا‘‘.

وأوضح بكاري، في تدوينة على صفحته، أنه أثناء استنطاقه إلى جانب عدد من ’’المناضلين‘‘، بعد اعتقالهم على خلفية مظاهرات في طنجة، سألوا صديقه إن كان يصلي، ليجيبهم بالنفي، وبعد هذا الجواب، انهالوا عليه بــ’’التصرفيق‘‘، مضيفا أن الشرطيين صاحوا في وجهه ’’معلوم تدير الفوضى، مادام مكتصليش، حيت ما مربيش ا عدو الله‘‘.

وأشار الناشط الحقوقي إلى أن صديقه لم يكن أمامه إلا أن يهتف ’’والله حتى كنصلي‘‘، قبل أن يتم سؤاله عن سبب نفيه أول مرة، ليجيب أنه ’’خاف أن يضربوه إذا قال إنه يصلي، ويحسبوه على الإخوانيين‘‘.

وتابع البكاري، ’’فلما أنهى كلامه، استأنفوا حفلة التصرفيق، وهم يقولون: مالنا حنا ماشي مسلمين باش نضربو لي كيصليو‘‘، لافتا إلى أن صديقه علق بالقول بعد ذلك، ’’صليتي غادي تصرفق، ماصليتيش غادي تصرفق‘‘.

وخلُص الناشط الحقوقي، إلى أن الحكاية ببساطة هي ’’الهيمنة على الفضاء العام والخاص، وعلى الفضاءات الواقعية والافتراضية، بتقليص ما تبقى من هوامش الحرية. والثمن قد يدفعه اليوم ليبرالي أو يساري، وسيدفعه غدا إسلامي أو محافظ، لأن الدرس هو : ما أريكم إلا ما أرى‘‘.

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لم تصدر بيانا في الموضوع بعد، لكن عضو مكتبها، عمر أربيب، أكد أن اعتقال شباب بدعوى الإفطار العلني في يوم رمضان أمر ’’غير مقبول‘‘ ويعد ’’انتهاكا لحقوق الإنسان‘‘، و’’مصادرة للحريات الفردية وخاصة حرية المعتقد‘‘.

واعتبر الناشط الحقوقي، في تدوينة على صفحته، أن محاكم التفتيش لا تتماشى والحريات، مضيفا ’’ففي هذه النازلة يمكن اعتبار الأمر محاكم تفتيش، فالفصل 222  لا يمكن التحجج به والاستناد عليه في هذه الواقعة، فالأمر يتعلق باقتحام لمقهى وهذا ما يمكن وصفه بمحاكم التفتيش القروسطية‘‘.

وتابع المتحدث ذاته، ’’للإشارة خلال حكومة الإسلاميين تمت اعتقالات ومحاكمات بناء على الفصل  222 من القانون الجنائي، المرفوض والمقيد للحريات، وكانت الإدانة بالحبس غير النافذ، وأحيانا تمت المتابعة في حالة سراح.

وأعرب أربيب عن متمنياته بإطلاق سراح الشباب وعدم متابعتهم في أفق إلغاء الفصول المقيدة للحريات الفردية من القانون الجنائي وما أكثرها، خاصة تلك التي تجهز على حرية المعتقد.

الجسم الصحافي بدوره أدلى بدلوه في الموضوع، وبهذا الخصوص قال الحسين يزي، إن إتيان شعائر أمة محمد صلى الله وملائكته عليه، ومنها الصيام، صحيح أنه لا يفرض بالقانون. والأصل ألا يردع عدم أدائها بالقانون.

واعتبر الصحافي أن الشعائر تحديدا، شأن بين العبد وخالقه. الله وحده من يجزي على الأداء أو عدم الأداء.

وأشار يزي إلى أن ما يجب استيعابه وفهمه، هو أن للمجتمع (أي مجتمع) سلطته، وهذه السلطة تتكون من مزيج تاريخي بين التقاليد والأعراف والموروث من الفتاوى في الدين، ومن مستوى انتشار ثقافة وفكر ومعرفة معينة.

لذلك، يشدّد الإعلامي أن الذي يرفض في الوقت الحاضر عملية الإفطار العلني في نهارات رمضان في مغربنا، هو المجتمع. وطبيعي جدا أن يطفو على السطح نوع من التجاذب بين بعض أصحاب الرأي في الدين، وفريق آخر من أصحاب الرأي في الحداثة والحريات الفردية.

وأكد يزي أن كل فريق يرى نفسه ممثلا لقيم المجتمع وناطقا بإسمه، وهذا في تقديري أمر لا يستقيم، لأن المجتمع أكبر من الفريقين معا، ليخلص إلى أن المجتمع إلى حدود الساعة واليوم والشهر والسنة، يرفض الإفطار العلني في نهارات رمضان. لذلك، يمكن فهم تدخلات الدولة من حين لآخر في هذا الباب، على أنه تجاوب مع سلطة المجتمع، وليس ضدا على الحريات الفردية أو تماهيا مع بعض أصحاب الرأي في الدين.

الحكومة تصر على تجريم الإفطار الجهري في رمضان

وقطعت الحكومة الشك باليقين لتقدم وجهة نظرها في قضية اعتقال العشرات من الشبان والشابات بأحد مقاهي مدينة الدار البيضاء، أمس الأربعاء، بسبب ’’الجهر بالإفطار العلني‘‘ في رمضان.

وقال مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، ’’إن ممارسة أي حرية لا يجب بأي شكل من الأشكال أن يكون مستفزا لحرية الآخرين‘‘.

وأضاف بايتاس، خلال الندوة الصحافية الأسبوعية عقب اجتماع مجلس الحكومة، اليوم الخميس، أن ’’طريقة اعتقال هؤلاء تمت في ظروف إنسانية واحترام دقيق لكل مقتضيات القانون التي تضبط هذه المساطر‘‘.

وكان مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، قد علق قبل ثلاث سنوات على الحملة التي  يقودها نشطاء حركة ’’ماصيمينش‘‘، والتي دعت إلى الإفطار علنا بساحة الأمم المتحدة بالبيضاء وإلى إلغاء القانون 222، أسمته بإفطار رافضي الصيام،  قائلا ’’من أراد أن يفطر في بيته فلا تتريب عليه، بينه وبين خالقه، ومن أراد أن يفطر علنا، فإن القانون واضح ويمنع ذلك‘‘.

وبخصوص المادة 222 من القانون الجنائي، الذي يجرم الإفطار في شهر رمضان، قال الرميد، في تصريحات صحفية، إن ’’القانون لا يحتج عليه بمخالفته، وإنما يحتج عليه بالعمل على تغييره، إذا كان هناك ما يدعو إلى تغييره‘‘، مجددا التأكيد على أن ’’الإفطار العلني في شهر رمضان دون عذر، القانون واضح بشأنه في هذا الإطار‘‘.

وكان الرميد حينها، قد اسقبل مقترحات من جمعيات وأيضًا من بعض الفرق البرلمانية، تطالب بإلغاء الفصل 222 من مسودة القانون الجنائي لكنه رفض، قطعًا، أي مطلب يهدف إلى حذف عقوبة الإفطار العلني في شهر رمضان، كون أن ’’القانون مستمد من المجتمع، والمجتمع المغربي لديه حساسية مع المفطرين في رمضان، لذلك وجب منع الإفطار العلن، والذي يعني الإفطار في مكان عام ومن دون عذر، وذلك حماية للمفطر ذاته، ولمشاعر المجتمع‘‘.

الرميد أكد أيضا أن المجتمع المغربي ليس لديه مشكلة مع من لا يصلي، لكنه لديه حساسية من الإفطار العلني في رمضان، لذلك تدخل المشرع لمنعه حفظا لمشاعر المواطنين من الاستفزاز، كما أن الحريات الفردية بالمغرب مؤطرة دستوريًا انطلاقًا من الفصل الثالث الذي ينص على أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، والذي يوضح الهوية العربية الإسلامية للدولة المغربية، فحسب الدستور دائمًا لا يمكن مراجعة الإسلام والملكية، فهما من الثوابت التي لا تخضع للاستفتاء أو المناقشة، ومن ثم هناك حماية جنائية لهذه الثوابت والمقدسات.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي