مأزق سياسي غير مسبوق لرئيس الحكومة أمام لهيب الأسعار

على هامش مقال “لوموند”.. قبعة “رجل الأعمال” تضع أخنوش في مرمى الانتقادات

أعاد الحيز المهم الذي خصصته صحيفة ’’لوموند‘‘ الفرنسية ضمن مواد عددها الجديد الانتقادات الموجهة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بسبب اتهامه بــ’’ازدواجية الأدوار‘‘، إلى الواجهة، فباعتباره زعيم الحزب القائد للائتلاف الحكومي ومساهما رئيسيا في ’’Afriquia ‘‘، الرائدة في سوق الهيدروكربون المحلي، اعتبرت الصحيفة أن أخنوش يجسد تواطؤا بين عالم المال والأعمال والحكومة.

في ما يلي إعادة تركيب لقصة هاته “الازدواجية في الأدوار” التي جرت على أخنوش سيلا من الانتقادات اللاذعة.

 

بغض النظر عن أي قرار قد يتخذه الرجل من أجل إخماد غضب المغاربة، يظل عزيز أخنوش في عيون الكثيرين رجل أعمال يزاوج بين المال والسلطة، وهي “تهمة” تلاحقه منذ دخوله الشأن العام، وازدادت وضوحا في ظل حملة المقاطعة.

بهذه الوضعية، يكون عزيز أخنوش صاحب أكبر شركة للمحروقات في البلاد هو نفسه رئيس الحكومة الذي عليه أن يتخذ قرارات قد لا تكون ضد مصالحه الخاصة، ما يجعل منه طرفا وحكما في معادلة معقدة تجعله دائما موضع شبهة مهما حاول أن يلتزم بـ”واجب التحفظ”.

في كل مرة يخرج فيها عزيز أخنوش لمهاجمة الإسلاميين أو من يشتغلون في الصف الأول لحزب العدالة والتنمية، وعلى رأسهم عبد الإله بنكيران، يجد الرجل نفسه في وضع لا يحسد عليه، بالرغم من أن هذا الحزب وزعيمه كان سببا مباشرا في الثمن الذي نؤديه اليوم.

بين المال والسلطة

صحيح أن عددا من الوزراء السابقين، بل وحتى الوزير الأول الأسبق ادريس جطو، كانت لديهم أعمال، وكانوا يجمعون بين المال والسلطة..لكن الذي يميز عزيز أخنوش عن كل هؤلاء هو أنه يملك أكبر شركة لها علاقة مباشرة بالمعيش اليومي للمواطنين.

رئيس الحكومة هو مالك شركة وجه لها المقاطعون ضربة قوية، برسائل سياسية واضحة لمن يريد أن يلتقطها..فأخنوش هو نهاية المطاف يشتري ويبيع المحروقات للمغرب، وكان من أكبر المستفيدين من قرار التحرير المشؤوم الذي جاء به بنكيران الذي سيظل يتجمل مسؤولية سياسية وتاريخية في اتخاذه.

الأسعار المحروقات تصل إلى مستويات قياسية جدا، وتؤثر بشكل مباشر على أسعار مختلف المواد الاستهلاكية وتعريفة النقل وتكاليف إنتاج الكهرباء وغيرها من الخدمات والمواد التي كان للمحروقات أثر مباشر على أسعارها.

كل ذلك يجعل أخنوش في موقع تضارب للمصالح، ما عدا إذا كان الأخير لا يتوصل بأي أرباح نظير التجارة والأعمال التي يتاجرها، وهو أمر يستحيل تصديقه حتى وإن كان قد اتخذ إجراءات تبعده عن التسيير المباشر..لكنه يظل في نهاية المطاف “باطرون”، أو بلغة أخف “رجل أعمال”.

قرارات دون وقع سياسي

عند تعيينه رئيسا للحكومة، سارع عزيز أخنوش إلى الإعلان عن الانسحاب بشكل كلي، من جميع الأنشطة بما فيها تلك المتعلقة حصريا باقتناء مساهمات في الرأسمال وتسيير القيم المنقولة. كما قرر التخلي عن جميع أنشطة التسيير في القطاع الخاص، من أجل التفرغ بشكل كامل للمسؤولية الجديدة. وتبعا لهذا القرار، تولت سكينة أخنوش، ابنة رئيس الحكومة، مهمة تدبير شؤون الهولدينغ الذي يملكه.

كل هذه القرارات، التي سعى من خلالها أخنوش إلى إغلاق باب الاتهامات، لم تمنع خصوم الرجل من اتهامه بشكل مباشر أو غير مباشر بالجمع بين المال والسلطة. بل إن بعض منتقديه طرحوا أسئلة حول الكيفية التي سيتعامل بها عندما تطرح أمامه ملفات تتعلق بالمنافسة أو الاستثمارات، يكون هو طرف فيها كرجل أعمال؟

ربما سيكون على رئيس الحكومة الجديد أن يمحو صورة “الملياردير” ورجل الأعمال الذي يخدم مصالحه بقرارات جريئة تضرب بيد من حديد على المتحكمين في دواليب الاقتصاد، والذين يتلاعبون بالأسعار ويرفعونها كما يشاؤون. فحتى وإن كان رئيس الحكومة يعبر عن رغبة قد تكون صادقة في الفصل بين المال والسلطة في تدبيره للشأن العامة وتكريس صورة رئيس حكومة الجميع، فإن القرارات التي يتخذها الجهاز التنفيذي ستظل، لدى العموم، تخضع لمقاربة الصورة الأولى.. إنها صورة رجل الأعمال.

وإذا كان من قرارا حاسم ينهي انتقادات واتهامات الخصوم، فلن يكون أكثر من إنهاء سطوة شركات المحروقات- والتي كان أخنوش نفسه في مرحلة سابقة في قلب الجدل الذي دار حولها. فإذا كان اليوم أخنوش قد انتقل من وضع سابق إلى وضع جديد داخل هرم السلطة في البلاد، فإن ذلك يعطيه صلاحيات واسعة من أجل الانتصار للفئات التي آمنت بمشروعه ومنحته فرصة تنفيذ ما وعد به من إصلاحات.

أخنوش..إلى أين؟

في قلب أزمة اجتماعية حقيقية تواجه الحكومة، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار مختلف المواد الاستهلاكية، اختارت الحكومة إجراءات لم يكن لها وقع كبير، بالرغم من وجود مطالب برلمانية من المعارضة بضرورة التدخل للجواب على أسئلة ملحة. هذا الملف الذي طرح منذ أول يوم في عهد حكومة أخنوش، أصبح اليوم يأخذ بعدا يسائل قدرة الحكومة على تدبير الشأن العام بكل توازناته الضرورية.

ربما كان عبد الإله بنكيران محقا عندما صرح ذات يوم بأن أخنوش “ماعندوش الكباري ديال السياسة”، حتى وإن كنا نعلم بأن “تضلع” رئيس الحكومة الأسبق في السياسة لم يكن في خدمة المغاربة، بل إن الفترة التي قضاها بنكيران داخل الحكومة شكلت أسوأ الفترات التي تلقى فيها المغاربة الضربات تلو الضربات، ولازلنا إلى اليوم نؤدي ثمنها..وهنا الحديث مثلا عن تحرير المحروقات.

لكن الذي لا نستطيع نفيه، في ظل هذا الجمود السياسي وعدم قدرة أخنوش على اتخاذ أي قرار حكومي جريء باستثناء بعض الإجراءات التي لا تساهم بشكل كبير في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين..بل إن أخنوش تحول، مع مرور الأيام، إلى ما يشبه منسقا لأعمال الحكومة أكثر من رئيس لها، يفترض أن يتخذ القرارات بكل جرأة ومسؤولية وتجرد، حتى وإن كانت قد تمس بمصالحه الشخصية، ومصالح بعض المقربين منه.

أخنوش رجل أعمال يتسيد على عرش مليارديرات المملكة..لديه ممتلكات لا تعد ولا تحصى..يتوفر على شركات تبيض الذهب والفضة..يستطيع أن يطلق حملات تواصلية وتسويقية تنفذها شركات متخصصة في المجال بناء على دراسات تستنزف الملايير..لكنه بكل بساطة، رجل المال بدون سياسة، وقد عرته حملة المقاطعة وجعلته يتحول إلى رمز لزواج المال والسلطة يواجه اليوم أحد أصعب الامتحانات في كنف السلطة.

إذا كان رئيس الحكومة يريد اليوم أن يتصالح مع المغاربة، ويبعد عنه صورة رجل الأعمال الذي يخدم مصالحه الخاصة، فعليه أن يتوجه نحو اتخاذ قرارات حاسمة تعيد للحكومته هيبتها وتضع حدا لهذا التدهور الخطير في القدرة الشرائية للمواطنين بدل اللعب على ورقة “الصبر” الذي بدأ ينفذ.

أخنوش هو مالك أكبر شركة للمحروقات في المغرب، والتي تعرض بدورها لحملة مقاطعة واسعة..وإذا كانت للرجل ومحيطه ذرة من الحكمة والنباهة السياسية، فمن الضروري يتحرك الرجل من أجل وضع حد لتغول لوبي المحروقات..فبغض النظر عن الارتفاع المسجل في أسعار المحروقات دوليا، فإن ثمة الكثير من الغموض الذي يحيط قيمة الأرباح التي تراكمها الشركات العاملة في هذا القطاع، وكيف تعمد إلى رفع الأسعار بشكل جماعي حتى إن منطق المنافسة لم يعد له وجود منذ قرار حكومة بنكيران تحرير السوق وتقديم المواطنين كبش فداء للوبيات المحروقات.

 

 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي