لا يختلف اثنان على تراجع مستوى أغلبية طلابنا وأستاذتنا الباحثين في الكثير من مؤسسات التعليم العالي. وزاد الطين بلة سلوك بعض من أوكلت إليهم رسالة التدريس والبحث العلمي اتجاه طالبات وانحدر الفكر كما انحدرت أخلاق أقلية هانت عليها مقايضة تقييم التحصيل العلمي بالجنس، وربما شملت المقايضة المال أيضا فوصلت الرشوة داخل بعض المؤسسات إلى المحاكم لتقول كلمة القانون في الموضوع. ولا أظن إلا أن القضاة الذين تولوا ملفات “الجنس مقابل النقط” قد تمنوا أن لا يجدوا أنفسهم أمام مشهد يتهم فيه من قال فيه الشاعر “كاد المعلم أن يكون رسولا”.
صفة “العالي” التي تطلق على مستوى ما فوق الباكالوريا اهتزت بعنف وتهاوت منذ سنين. صحيح أن فئات من الطالبات والطلاب تتمتع بخصائص الاجتهاد والسعي الجدي الى التحصيل وتتجاوز كافة الامتحانات عن جدارة، إلا أن الأغلبية، وخصوصا في مجالات الدراسات الأدبية والعلوم الانسانية والدراسات القانونية والاقتصادية، لا تمتلك أدوات التحصيل وعلى رأسها تملك لغة التحصيل وجودة التأطير. وغاب الأستاذ الباحث عن البحث وتقلصت قدرته عن الكتابة والبحث والنشر.
وبقدر ما اهتزت هذه الصورة بقدر ما زادت الخطابات حول الإصلاح كثافة خلال العشرية الأخيرة. فكلما حل وزير جديد تحل معه الآمال وكثير من الوعود لإصلاح الجامعة المغربية. وتمر السنين ويظل الوضع على ما هو عليه بإستثناء بعض “الجزر الجامعية” التي تجد لها مكانا في بعض التصنيفات الدولية في مجال البحث العلمي أو في جودة التدريس. وجزء من هذه الجزر هي مؤسسات لا ينتمي إليها إلا ذوو القدرة المالية ومن حصل على منحة استثنائية تغطي جزءا من مصاريف الدراسة.
وقد خصت لجنة النموذج التنموي الجديد التعليم “العالي” بالكثير من الدرس والتحليل، وخلصت إلى وضع أهداف تبناها البرنامج الحكومي يبين مضمونها أن الوضعية حرجة جدا وأن مرحلة جديدة يجب أن تبدأ “لتوطيد مكانة الطالب وتشجيع البحث العلمي وضمان استقلالية مؤسسات التعليم العالي وتعزيز الشراكة على الصعيد الوطني والدولي وتوسيع العرض الجامعي وتحسين جودته”.
وحل عبد اللطيف الميراوي بكرسي وزارة التعليم العالي، ومع حلوله تحركت بعض الأقلام حول ملفات تهم صفقات حين كان رئيسا لجامعة القاضي عياض. وبعدها خف الضغط الإعلامي، ليعود من جديد في شكل متابعات حول إعفاء مسؤولين وتعيين آخرين والتراجع عن نظام البكالوريوس الذي قدم كوصفة ذات فاعلية لإصلاح التكوين الجامعي. ولكن ما يثير الانتباه هو الاقتصار على الإعفاء دون محاسبة والتعبير عن الرغبة في ملء المناصب بالكفاءات التي يؤمن بها الوزير الحالي وقد يكفر بها الوزير الذي سيخلفه.
ويبقى موضوع المحاسبة الذي يعتبر مبدأ دستوريا مغيبا. تم إعفاء رئيسة جامعة في اجتماع مغلق، ولم يبرر الوزير سبب الإعفاء أو إذا كان مرتبطا بسوء تدبير أو ارتكاب أخطاء تستوجب المساءلة القانونية. تم إعفاء مسؤول كبير كان يدبر منح الطلبة المغاربة المتفوقين في مباريات الولوج إلى المدارس العليا بالخارج ولم يتم تقديم أية معطيات عن تدبير ملف المنح. قيل الكثير عما يكون قد شاب هذا التدبير من اختلالات خطيرة وتزوير لوائح المستفيدين وتوصل أبناء بعض الأغنياء بمنح على حساب من يستحقونها بسبب تفوقهم ووضعهم الاجتماعي.
وكان من اللازم فتح تحقيق وافتحاص ملفات المنح خلال السنين الأخيرة واسترجاع المبالغ التي صرفت دون وجه حق من خلال شبكات عائلية واستغلال للنفوذ. الإعفاء قرار إداري يحق للوزير أن يفعله في إطار القانون، ولكنه لا يجب أن يغطي على كل فعل يجرمه القانون. المحاسبة مبدأ يجب أن يكون على رأس الأولويات للنهوض بتعليمنا الجامعي لكي يستحق صفة “العالي”.
تعليقات ( 0 )