أعطى الملك محمد السادس إشارة قوية إلى الحكومة وكافة الفاعلين الاقتصاديين وقلد الجميع مسؤولية النظر باستشراف كبير إلى تعاظم المشاكل التي يعرفها العالم، من جراء تراجع إنتاج الكثير من المواد الأساسية. وقد وصلت نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية حسب منظمة الأغذية العالمية إلى 32%، وتعتبر هذه الزيادة الكبيرة مؤشرا على التحولات التي تعرفها الأسواق العالمية، بعد تراجع حدة أزمة كوفيد والآثار التي خلفها غضب الطبيعة وما صاحبه من أعاصير وفيضانات وحرائق شملت كثيرا من الدول. ومن هنا تأتي أهمية للمخزون الإستراتيجي كسياسة عمومية تحمي السوق الوطنية من الندرة وتقلبات الأسعار، سواء بفعل تناقص العرض أو بسبب قرارات سياسية لمنظمات تتحكم في سوق الطاقة والمواد الأولية.
وقد سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن أنجز تقريرا في شهر دجنبر سنة 2016 حول الموضوع، تبين من خلاله أن الإطار القانوني لتدبير المخزون الإستراتيجي محدود ويرجع الجزء الأكبر منه إلى سنة 1971، ولم يتم تحيينه لكي يتم التفريق بين المخزون الذي يواجه الحاجيات في الظروف العادية وذلك الذي يهم الحالات الاستثنائية. ونظرا لكون دورة الأزمات تعرف بعض السرعة، أصبح من اللازم التعامل مع المخزون بطريقة علمية وجد منظمة وخصوصا بالنسبة للأدوية والمواد الطاقية والقمح الطري والسكر. ولقد لاحظ التقرير أن المدة التي يجب أن تغطيها المخزونات الإستراتيجية من المواد البترولية وغاز البوطان يجب ألا تقل عن شهرين، بينما كان المخزون خلال فترة التقرير لا يتجاوز إحتياجات لمدد تتراوح بين 24 يوما وحوالي 35 يوما. وترجع هذه الحالة إلى ضعف إمكانيات التخزين والتي تتطلب استثمارات التزمت بتنفيذها الشركات المستوردة وخصوصا بعد توقف لاسامير.
ولاحظ التقرير هشاشة منظومة تدبير المخزون الخاص بالأدوية وضعف الإمكانيات التنظيمية لمرصد الأدوية التابع لمديرية الأدوية بوزارة الصحة. ورغم المجهودات التي بذلت منذ حوالي عشر سنوات لازال موضوع هذه المواد الحيوية يشكل ورشا يلزم فتحه بجدية واستشراف. ويضاف إلى هذا الأدوية موضوع الصعوبات المتكررة للمحافظة على مخزون كاف من الدم، إذ رغم الحملات لا زالت نسبة التبرع بالدم ضعيفة ولم تصل إلى نسبة 3% من السكان. وقد قدم التقرير عدة توصيات تهم وضع الإستراتيجيات ودعم التنظيم المؤسساتي والقيام باستثمارات تهم الموانئ لتقوية قدراتها في مجال الاستيراد وتنظيم عمليات شراء مكثفة للقمح الطري مع تحسين ظروف تجميع المنتوج السنوي وتحفيز الفاعلين على الاستثمار في وسائل التخزين.. كل هذا بالإضافة إلى تحسين نظام التتبع والمراقبة لكل أنواع المخزونات.
وفي إطار المخاطر المرتبطة بالمخزون من المواد الطاقية؛ سبق لمجلس المنافسة وللوكالة الدولية للطاقة أن اشارتا إلى ضرورة التفكير في استغلال الإمكانيات الكبيرة وغير المستعملة التي تتوفر عليها مصفاة لاسامير بالمحمدية. وقد أكدت هذه الوكالة في سنة 2019 على حدة مشكلة التخزين. وفي ظل كل هذه المعطيات وبالنظر إلى تقلبات الأسواق العالمية حاليا ومستقبلا، جاء الخطاب الملكي ليبين ضرورة إتخاذ الإجراءات الإستراتيجية الكفيلة لكي حجم يكون مستوى المخزون في مستوى حجم المخاطر المرتبطة بالمحيط العالمي. فكلما ارتفعت هذه المخاطر وتم توقعها بسرعة كلما زاد الحجم الذي يجب أن يشكل المخزون. وتضع بعض الدراسات الرياضية نوعا من التوقعات على أساس اكتواري لتحديد مؤشر مستوى الأمن المطلوب. وتظهر المعطيات الخاصة بعدة قطاعات صناعية حاليا نفاد مخزون مدخلات الإنتاج، خصوصا في مجال صناعة السيارات على الصعيد العالمي.
تعليقات ( 0 )