من التعاقد إلى أطر الأكاديميات.. كرونولوجيا “جمرة” فوق مكتب الحكومة
ككرة ثلج تتدحرج لتصير أكبر ملف اجتماعي يواجه الحكومة، تحولت قضية الأساتذة المتعاقدين، أو ما يعرف قانونيا بالأطر النظامية لأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، إلى أزمة حقيقية تصطدم بمحدودية هوامش المناورة لدى مدبر الشأن العام. فمن جهة، هناك مطلب رئيس يتمثل في الإدماج في الوظيفة العمومية، في مقابل رفض حكومي قاطع بالاستجابة لهذا المطلب الذي يدخل، من زاوية المالية العمومية، في خانة “المستحيلات”.
طيلة أربع سنوات من تطبيق هذا النظام، ورغم الإقبال الكبير للشباب على المباريات لمواجهة شبح البطالة، تحولت شوارع المملكة ولاسيما العاصمة الرباط إلى محطة مواجهات مفتوحة بين الحكومة والأساتذة الذين ظلوا ينفذون إنزلات ومسيرات، في وقت ظلت الحكومتين السابقتين ترفضان بشكل قاطع الاستجابة للشعار المركزي: “الإدماج في الوظيفة العمومية”.
قصة “كونطرا”
لابد من الاعتراف بداية بأن نظام التوظيف بالأكاديميات الجهوية قد طرأت عليه تغييرات مهمة، تمنح وضعا قانونيا مهما للمعنيين وتوفر بعض الامتيازات الاجتماعية التي لا يستفيد منها مستخدمو باقي المؤسسات العمومية، وهنا الحديث بشكل أساسي عن استفادة الأساتذة من الصندوق المغربي للتقاعد، مع ما يعنيه ذلك من امتيازات أفضل مقارنة مع النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد “RCAR”.
هذا الملف الذي يؤرق الجهاز التنفيذي اليوم بدأت قصته بالضبط في سنة 2016، عندما عملت حكومة عبد الإله بنكيران على سن مراسيم تسمح للإدارة بسن عقود عمل خارج مقتضيات النظام الأساسي للوظيفة العمومية، وذلك من أجل سد الخصاص الذي تعرفه عدد من القطاعات على مستوى الموارد البشرية.
في هذه السنة، لم تكن عدد المناصب المالية “النظامية” لوزارة التربية الوطنية تتجاوز 7000 منصب، بينما كان الخصاص يتجاوز ذلك بكثير. وفي ظل الثقل الكبير الذي تعانيه المالية العمومية بسبب كتلة الأجور التي تتجاوز 120 مليار درهم، لم يكن بالإمكان الذهاب أبعد من عدد المناصب التي كانت تمنح سنويا لهذا القطاع، لاسيما وأن الخصاص كان يقدر بحوالي 36 ألف أستاذ.
هكذا، وبتاريخ 7 أكتوبر 2016، تم استصدار مقرر مشترك رقم 7259 بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ووزارة الاقتصاد والمالية. وعلى هذا الأساس، تم الإعلان عن إطلاق عملية توظيف تشمل 11 ألف منصب من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. وعلى هذا النحو، صدرت مذكرة تتضمن مختلف الواجبات والحقوق التي يتمتع بها “المتعاقدون”.
وبذلك، كانت أول عملية توظيف بالتعاقد من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، تمكن المتعاقدين من التمتع بالحق في الأجرة التي ستكون جزافية شهرية مماثلة للأجرة التي يتقاضاها الأستاذ المرتب في الدرجة الثانية (السلم 10)، حيث ستصرف من ميزانية الأكاديمية، وكذا الحق في التعويضات العائلية والتعويض عن المنطقة، والحق في الترقية في الرتبة وفي الدرجة، وعن طريق الاختيار وامتحان الكفاءة المهنية، ووفق أنساق الترقي وسنوات الأقدمية المطلوبة، وطريقة التنقيط وتقييم الأداء.
وتم التأكيد على أن يتمتع المتعاقدون بالحق في التكوين وإعادة التأهيل، والحق في الرخص الإدارية السنوية والاستثنائية والرخصة لأداء مناسك الحج عند الاقتضاء، وكذا الاستفادة من رخصة الولادة، والرخص المرضية سواء القصيرة الأمد، المتوسطة الأمد أو الطويلة الأمد، فضلا عن تمتعهم بالحق في الحماية الاجتماعية من خلال الاستفادة من نظام التغطية الصحية الإجبارية، ومن النظام التعاضدي للتغطية الصحية الخاص بموظفي الوزارة، إلى جانب الاستفادة من خدمات مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين وكذا التعويض عن حوادث الشغل.
وفي مقابل ذلك، يلتزم المتعاقدون باحترام الاحكام الواردة في العقد، والمتمثلة في القيام بمهام التدريس، وقبول مقر العمل المؤقت لما تبقى من الموسم الدراسي 2017-2016 وكذا التعيين الجديد المتواجد ضمن النفوذ الترابي المحدد من طرف الأكاديمية المنظمة للمباراة، واحترام أخلاقيات المهنة مع الامتثال لتوجيهات وتعليمات الرؤساء وواجب الكتمان وعدم تسريب أو نشر المعطيات والمعلومات والوثائق خلال الممارسة المهنية، كما من الواجب عليهم عدم ممارسة أي عمل أو نشاط مذر للربح أثناء مدة العقد واحترام جدول الحصص والتقيد بالمقررات الدراسية والعمل على إنجازها داخل الآجال المطلوبة.
ما بعدا “الكونطرا”
لم يكن هذا الوضع ليستمر دون أن يثير الكثير من الانتقادات والاحتجاجات، في ظل منظومة “تميز” بين صنفين: أساتذة موظفين وأساتذة متعاقدين. هكذا، انطلقت الاحتجاجات والضغوطات، ليتقرر إصدار أول نسخة من الأنظمة الأساسية للأكاديميات الجهوية مع الاحتفاظ بنظام التعاقد.
وفي ظل هذه الوضعية، استمرت الاحتجاجات وضغوطات النقابات إلى أن تم في سنة 2019 تعديل هذه الأنظمة الأساسية وحذف تسمية “المتعاقدين” وتعويضها بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، دون أن يكون لهؤلاء الحق في الإدماج بالوظيفة العمومية، أو بشكل أدق الخضوع للنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية.
هذا التطور لم ينجح في نزع فتيل التوتر حيث توالت الاحتجاجات والإضرابات، بينما ظل الوزير السابق سعيد أمزازي يخرج في وسائل الإعلام وأمام أعضاء البرلمان ليؤكد بأن زمن التعاقد قد انتهى، وبأنه لم تعد هذه التسمية موجودة من الناحية القانونية. وفي المقابل، ظل الأساتذة يرفعون شعارا مركزيا في مختلف احتجاجاتهم “الإدماج في الوظيفة العمومية”.
أمام هذه المطالب، بدأت وزارة التربية الوطنية في مشاورات ماراتونية مع مصالح وزارة الاقتصاد والمالية من أجل الاستجابة لعدد من المطالب التي من شأنها تقريب أطر الأكاديميات من نفس الحقوق التي يتمتع بها زملاؤهم الذين تم توظيفهم قبل سنة 2016. وهكذا، تم الدخول في مشاورات شاقة انتهت باتخاذ قرار إلحاق الأساتذة بالصندوق المغربي للتقاعد “crm”، وذلك بموجب القانون رقم 01.21 يقضي بإخضاع الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لنظام المعاشات المدنية المحدث بموجب القانون رقم 011.71.
القرار، وعلى الرغم من أهميته، إلا أنه لم يمنع هذه الفئة من الأساتذة من الاستمرار في المطالبة بالإدماج في الوظيفة العمومية. بل إن عددا منهم لم يترددوا في “التشكيك” في هذا القرار الذي اتخذته الحكومة، معتبرين أن الهدف منه هو إنقاذ المعاشات المدنية من شبح الإفلاس عبر المساهمات الشهرية لعشرات الآلاف من الأساتذة.
تعليقات ( 0 )