ترقب موعد الإفراج عن الحركة الانتقالية الوطنية في صفوف رجال السلطة مازال سيد الموقف
بعد تعليقها لأزيد من عامين بسبب جائحة كورونا وتداعياتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ما زال الترقب بخصوص موعد الإفراج عن الحركة الانتقالية الوطنية في صفوف رجال السلطة سيد الموقف، ومعه يتحسس ولاة وعمال وصلوا سن التقاعد رؤوسهم، مخافة عدم التمديد لهم من طرف مهندسي الحركة بــ’’أم الوزارات‘‘، بالرغم من أن الأخبار المتناسلة هنا وهناك من الإدارة المركزية، التي تحيط اللائحة بسرية تامة، ذكرت أن المسؤولين يضعون بعض الأسماء على رادار ’’المغضوب عليهم‘‘ تمهيدا لعدم التمديد لها، خاصة أن بعضهم تثار حولهم أسئلة حارقة، خصوصا المتعلقة بصفقات كبرى، في قطاع التعمير، ونسخ رخص الاستثناء، بقرارات جديدة، وآخرين في وضع صحي صعب يجعل قرار التمديد لهم على كف عفريت.
’’شيوخ‘‘ الداخلية..أعمار متقدمة وأمراض مزمنة
يُنتظر أن تقدم وزارة الداخلية على إعفاء بعض رجال الإدارة الترابية الذين بلغوا مرحلة التقاعد وصاروا غير قادرين على مواصلة العمل بالدينامية نفسها التي كانوا عليها، كما أن مردودية بعضهم تأثرت بأوضاعهم الصحية، حيث يعاني بعضهم أمراضا مزمنة، في حين آخرون عاجزين وغير قادرين على العطاء، وأغلبهم يلازم مكتبه، كما هو الشأن في حالة عامل إقليم خنيفرة، محمد فطاح، الذي يعاني من مرض لم تفصح الجهات المقربة منه عن ماهيته، لكنه أرقد المسؤول الأول عن الأطلس المتوسط في المستشفى عدة مرات، بل ووصل تدهور حالته الصحية في السنتين الأخيرتين إلى درجة أنه حل ضيفا على المركز الاستشفائي الإقليمي بخنيفرة في مناسبتين متفرقتين، خلال أسبوع واحد، علاوة على عامل في جهة الرباط سلا القنيطرة، التي تقول مصادر مقربة إنه يعاني من مرض ’’السياتيك‘‘، وأضحى لا يتحرك إلا بصعوبة بالغة، ما اضطره إلى تكليف الكاتب العام من أجل القيام بمهامه.
ولئن كان موضوع الوضعية الصحية لكبار المسؤولين بالمصالح غير المركزية لوزارة الداخلية غير مرتبط بالضرورة بمعدلات أعمار الولاة والعمال المعينين على امتداد ربوع المملكة، فإن أزمة فيروس كورونا المستجد أثبتت أيضا أن أغلب المسؤولين في الأقاليم والجهات والعمالات الذين تأثروا بالجائحة كانوا من كبار السن، إذ أن بعض رجال السلطة لازموا مكاتبهم خوفا على أنفسهم ونأوا عن التواجد الفعلي من أجل الإشراف على تطبيق قرارات السلطات الحكومية خلال فترة الحجر الصحي أو بعدها، كما حدث مع عامل خنيفرة الذي تبنى ذات المنهجية خوفا على صحته من تداعيات الفيروس، حيث قام بإلغاء كل مواعيده واجتماعاته، وظل معتكفا بمكتبه يتواصل مع مرؤوسيه ’’عن بعد‘‘.
وقضى عامل إقليم طانطان، الحسن عبد الخالقي، نحبه متأثرا بتداعيات إصابته بفيروس كورونا، حياته عن عمر يناهز 72 سنة في أواخر دجنبر 2020 .
الخلف..أزمة ’’بروفايل‘‘ أم ترجيح لخبرة السنين
يطرح تواجد ولاة وعمال تجاوزوا سن التقاعد بمجموعة من الجهات والأقاليم في المملكة سؤال إعداد الخلف على الوزارة الوصية. فبملاحظة سريعة على تشكيلة المسؤولين الإداريين بعدد من الجهات والمناطق تظهر معدلات الأعمار مرتفعة، فبعض رجال السلطة تجاوزوا الستين بسنوات، ومنهم من استفاد من تمديد لمرتين، والأغرب أن منهم من أنهى ’’عهدته‘‘ الثانية من التجديد، وفي ظل تعليق الحركة الانتقالية في صفوف رجال السلطة لسنتين متتاليتين ظل مستمرا في منصبه.
ومن أمثلة بعض الولاة والعمال الذين بلغوا من الكِبَر عتيا، نجد عامل إقليم سيدي سليمان، عبد المجيد الكياك، الذي يبلغ من العمر 64 سنة، ويمضي في ذات الإقليم سنته السادسة على التوالي بعد تعيينه في بداية 2016 . نفس الأمر بالنسبة لعامل إقليم خنيفرة، محمد فطاح، الذي تم تعيينه في نفس السنة، علما أنه تجاوز هو الآخر سن الإحالة على التقاعد.
عامل إقليم أزيلال، محمد عطفاوي، ليس أفضل حالا، فالأخير يعتبر أحد أكبر المعمرين على رأس المصالح غير المركزية بالداخلية، حيث يقضي ثامن سنة له بنفس الإقليم الذي تم تعيينه فيه سنة 2014، ولا يفوق زميله بإقليم الخميسات، منصور قرطاح، في عدد السنوات التي قضاها إلا بسنة واحدة، حيث تم تعيين الأخير في 2015 ، كما أن مبروك ثابت، عامل إقليم جرادة، أكمل قبل أيام ثماني سنوات منذ تسلمه ظهير التعيين، ورغم أن ثابت مرّ من امتحان حقيقي يتمثل في الحركة الاحتجاجية الشعبية والاجتماعية التي اجتاحت مدينة جرادة على خلفية وفاة ثلاثة شبان بمناجم الفحم بالمنطقة في 2018، إلا أنه استطاع اجتيازه محافظا على منصبه كمسؤول أول بالمنطقة التي عرفت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين ورجال القوات العمومية.
بعض الولاة أيضا نالوا حظهم من الاستقرار المهني، فسعيد زنيبر، والي جهة فاس مكناس، احتفظ بكرسيه الوتير سبع سنوات، بعد تعيينه في أكتوبر 2015 كأول وال بجهة فاس مكناس في التقسيم الإداري الجديد. ويواجه زنيبر اتهامات مستمرة بكونه مسنود بـ’’ضلعة صحيحة‘‘، فقبل ثلاث سنوات شاع خبر إنهاء مهامه بولاية مكناس في أكثر من مناسبة، لكن الثابت أن الرجل استمر في منصبه رغم موجة التعليقات.
عامل إقليم إفران، عبد الحميد المزيد، بدوره استمر في منصبه سبع سنوات، إلى جانب الحسين شاينان، عامل إقليم آسفي، الذي يوقع على سادس سنواته بحاضرة المحيط.
إشكالية الاستعانة بمسؤولين ’’كهول‘‘ في المصالح غير المركزية بالداخلية لا تقف فقط عند حدود ربطها بالأداء والمردودية، فبعض الأصوات التي تُشهِر ’’الفيتو‘‘ ضد وجوه سلطة بعينها، ممن يوصفون بـ’’الحرس القديم‘‘ وتنادي بعدم تجديد الثقة فيهم، منطقها في ذلك أن بعض رجال السلطة الذين يشارفون على الإحالة على التقاعد أو تم التمديد لهم في الإحالة على التقاعد، لا ’’يتورعون‘‘ في أن يربطوا شبكة علاقات مع منتخبين وأعيان، بشكل يمنعهم من القيام بواجبهم على أكمل وجه، بل إن بعضهم يستفيد من وضعه الاعتباري والمهني للتأثير وتسهيل أنشطة غير قانونية، ففي كل الحالات تضيف الأصوات التي تنتقد ’’إعادة تدوير‘‘ بعض الوجوه بالداخلية، أن هؤلاء لا يجدون مشكلا فأقصى ما يمكن أن يتخذ ضدهم العزل أو الإحالة على التقاعد الذي يشارفون عليه.
وسبق لوزارة الداخلية على عهد الوزير، عبد الوافي لفتيت، أن فتحت أبواب التعيينات من خارج صفوف خريجي المعهد الملكي للإدارة الترابية، ولعل أبرز مثال على ذلك عبد الحميد الشنوري الذي عينه الملك في 2018 عاملا على إقليم خريبكة، وهو من الأطر خريجي المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، وكان يشغل منصب والي أمن سابق بتطوان ومدير الاستعلامات العامة، إلى جانب بوعاصم العالمين، عامل إقليم العرائش، الذي لا يجمعه بالإدارة الترابية إلا ’’الخير والإحسان‘‘، وهو مهندس دولة خريج المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية بالرباط، شانه في ذلك شأن زميله مصطفى النوحي، عامل إقليم ميدلت، خريج المدرسة المحمدية للمهندسين، حيث اشتغل مهندسا بالمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، فمديرا إقليميا وجهويا بنفس الإدارة.
’’الموفمون‘‘..تدبير كورونا والانتخابات والنموذج التنموي أكبر الامتحانات
بصرف النظر عن تاريخ الإفراج على لوائح تعيينات مسؤولي المصالح غير المركزية بالداخلية، فإن مجموعة من الولاة والعمال سيتم تنقيلهم، بحسب تسريبات تناسلت في الأشهر الماضية، التي تؤكد نية وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، في إلحاق بعض من فشلوا في تدبير جائحة كورونا والانتخابات إلى ’’كراج‘‘ وزارة الداخلية، كما تنكب لجان الوزارة على التدقيق في’’بروفيلات‘‘ المقترحة لتعويض المعفيين والحرص على مدى قدرتها على تنزيل الأوراش الجديدة؛ وعلى رأسها أجرأة النموذج التنموي الجديد، وكذا المخططات الحكومية الرامية إلى النهوض بأوضاع المواطنين في إطار مخطط الدولة لتعزيز بناء الدولة الاجتماعية، حيث يُنتَظر أن يتم الاستعانة بعدد من الأطر العليا بالإدارة في مناصب عمال العمالات والأقاليم لإلمامهم بعمل الإدارة الترابية وتوجهاتها، رغم المرسوم الذي أصدره لفتيت السنة الماضية والقاضي يوقف الاعتماد على أطر الدولة في مناصب عمال العمالات والأقاليم بالمغرب.
كما سيضع عبد الوافي لفتيت عمل الإدارات الترابية تحت المجهر خلال إعداد تقارير التقييم بالمسؤولين، خاصة خلال فترة جائحة كورونا، حيث سيتم استبعاد بعض الأسماء التي فشلت في تدبير جائحة كورونا، ولم تواكب قرارات وتوصيات اللجان العليا للحد من تفشي فيروس كورونا، في وقت سيستفيد آخرون من امتيازات بعدما سطع نجمهم في فترة الحجر الصحي، وحين اختارت السلطات المركزية التوجه نحو اعتماد القرار الجهوي في تدبير الجائحة، حيث أثبت بعض رجال السلطة نجاحهم في التنزيل الحرفي للتعليمات الصادرة عن الوزارة.
معطى آخر تؤكد الدوائر المقربة من مراكز القرار أنه سيكون حاسما في حركة التعيينات والإعفاءات بـ’’أم الوزارات‘‘ ويتعلق بتعامل السلطات الترابية مع الاستحقاقات الانتخابية لـ8 شتنبر، إذ ستحسم التقارير التي تنكب على إعدادها لجان المديرية العامة للشؤون الداخلية في مصير عدد من الولاة والعمال، في تقييمها وفق سلم تنقيط واضح المعالم لتقييم أداءات المسؤولين بالجهات والأقاليم والعمالات.
وفي هذا الصدد، سجلت مجموعة من المدن المغربية، مشاكل تنظيمية خلال الانتخابات الجماعية والتشريعية لـ8 شتنبر 2021، على غرار ما حدث في مدينة كلميم، بعد اتهامات ثقيلة لعضو حزب الاستقلال، عبد الرحيم بوعيدة، ضد والي جهة كلميم واد نون بسرقة مقعده البرلماني و’’التلاعب‘‘ بالنتائج الحقيقية للانتخابات الأولية التي منحته التفوق الكاسح على باقي منافسيه، حيث شهدت المدينة الجنوبية احتجاجات قوية من أنصار بوعيدة وأحداث عنف متفرقة، كما اتهم مجموعة من السياسيين خصومهم باستعمال ورقة السلطة في مناطق متفرقة من أجل التأثير على سير العملية الانتخابية واستمالة أصوات الناخبين.
تعليقات ( 0 )