“الانتقال الطاقي”.. بنعلي تثير سخط المهنيين و”المقاربة التشاركية” الحلقة الضائعة

اتهامات باعتماد “منطق الإملاءات” تجاه “المكتب الوطني” في تدخلها بمجلس المستشارين

 
أثارت تصريحات ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بمجلس المستشارين العديد من علامات الاستفهام بخصوص “الأهداف الحقيقية” التي أصبحت تقف وراء مشاريع “الانتقال الطاقي” كما تروج لها الوزارة ومن ورائها الحكومة، وما إن كانت الشعارات المسوقة “حقا يراد به باطل”.
خرجة بنعلي التي جرت عليها استياء أطر ومستخدمي المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بسبب ما اعتبروه انزياحا نحو منطق “الإملاءات” عوض “التداول والمشاركة”، وهو ما يتنافى حتى مع توصيات بعض المؤسسات التي تناولت موضوع “الانتقال الطاقي” بالدراسة والتمحيص، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي يرى أن من بين أهم الأسس التي ينبغي أن تدعم تنزيل استراتيجية متجددة في مجال الانتقال الطاقي، إضافة إلى إعادة تشكيل السياسات التي تتعلق بالطاقة، “التنسیق والتكامل في معالجة العدید من السیاسات ذات الصلة والتي يتم طرحها الیوم بشكل منفصل”، وهو ما يرى المراقبون أن تدخل الوزيرة في مجلس المستشارين يعاكسه تماما.. فبنعلي التي حددت تكلفة التباطؤ في الإصلاح على المستوى الطاقي في خمسة ملايير درهم خلال سنة 2022، لم تجد غضاضة في القول أن توقف أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي كان فرصة لاعتماد سياسة جديدة “أحب من أحب وكره من كره”، في تعبير اعتبره مراقبون “صداميا” وينم عن “منطق متعالي” في تدبير قطاع استرتيجي.
الانتقادات التي طالت بنعلي لم تتوقف عند “لغة الخطاب” بل تجاوزتها إلى طريقة التفكير والتدبير، حيث طرح إصرار الوزارة ومن ورائها الحكومة على التوجه إلى السوق الدولي لتعويض “الخصاص” في مادة الغاز أكثر من علامة استفهام، وقد جاء ذلك في معرض الرد على تصريحات الوزيرة من أن الولوج إلى سوق “الغاز الطبيعي الدولي إلى سيؤدي تسريع تطوير الطاقات المتجددة (المرونة في توليد الكهرباء)، لبدء الخروج التدريجي من الفحم، وإزالة الكربون عن الصناعة والخدمات اللوجستيكية؛ كما أن الوصول إلى سوق الغاز الطبيعي الدولي، سيعطي المغرب قفزة نوعية وسيؤدي الولوج إليه إلى تحديث القطاع وتقليص الفاتورة بـ5 ملايير درهم”، وأوضحت الوزيرة أن “الاستراتيجية الطاقية في صلتها بالغاز الطبيعي يجب أن تكون مستقلة عن نتائج عمليات البحث والتنقيب عن الهيدروكاربورات، خاصة وأن الاحتياطات المؤكدة لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب والتي يجب أن تغطي 30 سنة من الطلب”، وهو ما يوضح حسب المراقبين أنها فتحت “الباب مشرعا” أمام خيار السوق الدولية، دون أي خيار آخر.
ولتسليط الضوء أكثر على ما أثاره تدخل الوزيرة من استياء وما تركه من علامات استفهام، تواصلت “ميديا 90” مع محمد زروال، الكاتب العام للجامعة الوطنية لعمال الطاقة، الذي كان له التعقيب التالي: “استمعت بإمعان لجواب السيدة الوزيرة، والذي خلف استهجان واستياء كل الأطر والمستخدمين بالمكتب. ومع احترامي لها ولكفاءتها ولخبرتها أقول لها: أخطأت المطية والطريق والهدف.
أولا وقبل كل شيء، البرلمان مؤسسة تشريعية وليس منشأة إدارية تابعة لوزارة ما حتى تستغل لتمرير تعليمات أو توصيات إدارية. كما أنه ليس منصة لنشر غسيل قطاعات بعض الوزارات أو تصفية حسابات معينة.
ثانيا، التزام بلدنا بمخرجات قمم الأطراف المتعلقة بالإشكالية المناخية لا يمكن اختزاله في الخروج التدريجي من الفحم المستعمل في إنتاج الكهرباء، فنحن لسنا بلدا كالصين التي يشكل فيها الاعتماد على الفحم في إنتاج الطاقة الكهربائية 75,4% أو الهند ب 72,8 أو كجنوب إفريقيا ب 93,7%، علما أن الفحم المستعمل كله من مناجمها التي تسهم بدورها بشكل خطير في التلوث الييئي. كما أننا لسنا فرنسا التي رغم قوة قطاع الكهرباء فيها تدرس الآن رفع انتاجها من الكهرباء بالالتجاء إلى الفحم لسد الخصاص في الإنتاج العام.
وبمناسبة الحديث عن المسألة البيئية والتزامات بلدنا، هناك في الحقيقة مسألة عصية عن الفهم يجب الوقوف عندها، ألا وهي اختزال الإشكالية كلها في الفحم المستعمل لإنتاج الكهرباء وتحميل المسؤولية المباشرة للمكتب مع أنها أحد الخيارات التي اعتمدتها الدولة في إطار سياساتها العمومية. كما أن المحطات الحرارية المقصودة هي في واقع الحال مفوتة لشركات خاصة عبر عقود شراء الكهرباء طويلة الأمد تصل إلى ثلاثين سنة وبشروط مجحفة في حق “المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب” الذي عليه أن يتحمل كل مخاطر تقلب أسعار الفحم في السوق الدولية، والالتزام بشراء كل الطاقة المنتجة من تلك المحطات على حساب ما تبقى لديه من محطات حرارية وغيرها، وكذا الالتزام بالتسعيرة الاجتماعية المحددة من طرف الدولة. ثم لماذا كلما كان الحديث عن الإشكالية البيئية يتم التغاضي عن مؤسسات زميلة في نفس القطاع الوزاري، والتي يوميا تتسبب في أضرار بيئية خطيرة على الهواء والماء والبحر وعلى الأرض وساكنيها.
ثالثا، أعتقد أنه من الوهم التحدث اليوم عن طاقات متجددة ذات تنافسية ما دامت تقنيات تخزين الطاقة واسعة النطاق وذات جدوى اقتصادية غير متوفرة، هذا بالإضافة إلى أن الطاقات المتجددة لها طبيعة متقطعة بحيث لا يمكنها بأي حال من الأحوال تلبية طلب المستهلكين بشكل متواصل وبدون انقطاع”، يقول المتحدث ذاته.
وبخصوص حديث الوزيرة عن السوق الدولية عن خيار مفضل ووحيد لتغطية الحاجة من الغاز رد زروال قائلا: “الحديث عن الغاز كبديل وكطاقة نظيفة شيء لا يمكن الاختلاف حوله. لكن ما لم أفهمه هو كيف يصبح الغاز بسعره المرتفع في الأسواق الدولية ذو تنافسية، وكيف سيؤدي الولوج إلى الأسواق الدولية للغاز الطبيعي إلى نقص فاتورة عدم الإصلاح كما زعمت السيدة الوزيرة بما يناهز الثلث أي ثلث ال 5 مليارات درهم؟!!”.
ثم لماذا هذا الإلحاح على الغاز وبالتحديد من الأسواق الدولية وفي استقلال تام عن نتائج البحث والتنقيب عن الغاز والبترول بشكل عام.
حيث قالت وهي تتحدث عن خيار الاعتماد على الغاز كطاقة نظيفة: “أحب من أحب وكره من كره فالوصول إلى سوق الغاز الدولي سيعطينا قفزة نوعية أولا، وسيجعل من الممكن تحديث هذا القطاع قطاع الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة وسوف يخفض من تكاليف الطاقة من الناحية الهيكلية في البلاد” وأضافت: “تجدر الإشارة أن استراتيجية الانتقال الطاقي يجب أن تكون مستقلة تماما من نتائج البحث والتنقيب عن الكربوهيدرات بشكل عام”، يقول المتحدث ذاته.
وبخصوص العلاقة بين الوزيرة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وما تم اعتباره إملاءات و”منطقا استعلائيا” في تدخلها، الكاتب العام للجامعة الوطنية لعمال الطاقة: “لقد حقق المكتب إنجازا تاريخيا وهو تغطية 99,82 في إطار تنزيل برنامج الكهربة القروية الشامل بالطاقة في آخر شتنبر 2021، كما جاء على لسان الوزيرة، وهذا إنجاز على الأقل يجعلنا على رأس الدول الإفريقية في المجال، هذا إنجاز ونجاح يستوجب الشكر والثناء ويدل على المجهود الجبار الذي تم القيام به من طرف كل مكونات المكتب الوطني للكهرباء، إلا أن السيدة الوزيرة كان لها تقييم معاكس لواقع الأشياء. فعوض أن تحث المكتب على مواصلة الجهد لإتمام 0,18% من برنامج الكهربة القروية الشامل، جاءت للأسف بجملة خارج السياق وفي غير مكانها ومناسبتها، ومنافية تماما لأبجديات التدبير. حيث قالت: “لن نقدر على الوصول إلى 100% ما بين 2021 و2024 بهذه الطرق التقليدية”، علما أن الطرق التقليدية التي تم الحديث هي التي مكنت المكتب من تحقيق 99,82% منذ إطلاق برنامج الكهربة القروية الشامل، بنسبة تناهز 4% سنويا، في الوقت الذي تتحدث فيه الوزيرة عن تحقيق نسبة 0,18% المتبقية على مدى ثلاثة سنوات وبالطرق العصرية.
الطرق التقليدية التي تحدثت عنها هي التي مكنت المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب من ضمان تزويد بلادنا بالكهرباء منذ الاستقلال إلى الآن ومن مواكبة الاقتصاد الوطني والقفزة النوعية التي شهدها على مستوى البنيات التحتية.
الطرق التقليدية هي التي أعطت مناعة وحصانة للمنظومة الكهربائية الوطنية باختلاف وتنوع مصادرها، جعلت من مسألة وقف صبيب الغاز القادم من الجارة الشرقية مجرد حدث عابر، ومجرد قضية للاستهلاك الإعلامي ليس إلا.
يبدو جليا أن هناك تحاملا ممنهج على المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب خدمة لأجندة معلومة. مع العلم أننا نشهد اليوم في العالم كيف أن العديد من البلدان التي راهنت على القطاع الخاص وتخلت عن مؤسساتها العمومية كضابط للمنظومة الكهربائية وساهر على نجاعتها، نشهد كيف أنها اليوم، تعيش أزمة الإمداد بالطاقة الكهربائية رغم الإمكانات الكبيرة التي تتوفر عليها.
يجب التذكير أنه لولا المكتب الوطني للكهرباء برصيده المعرفي وتجربته وبخبراته وكفاءاته لما تحدثنا اليوم عن الطاقات المتجددة ولا عن الانتقال الطاقي، ولما تمكن المستثمرون في القطاع من المنتجين الخواص من إطلاق مشاريعهم التي تعتبر اليوم عصب الاقتصاد الوطني”، يقول المتحدث ذاته.
زروال ختم محذرا من معالجة الملف بنظرة أحادية أو تحت ضغط “أطماع اقتصادية، مضيفا: “أعتقد أن قطاع الكهرباء قطاع استراتيجي حيوي بالنسبة لبلادنا لا مجال فيه للمقامرة والمغامرة، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يكون هدفا لأطماع جشعة تحت مسميات وعناوين وشعارات خداعة وخطابات تقليدية غارقة في الشعبوية”، يختم الكاتب العام للجامعة الوطنية لعمال الطاقة.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي