في ملف مازال يثير الكثير من ردود الفعل أقر وزير العدل عبد اللطيف وهبي بواقعة الفيلا معترفا بالكثير مما جاء في تسريبات “جبروت”..
وعلى الرغم من الجدل الذي أثاره هذا الإقرار بشأن شبهة التهرب الضريبي، فإن السؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يطرحه الرأي العام ليس فقط حول مبلغ الضريبة، بل حول مصدر القدرة المالية الاستثنائية التي مكنت وزيرا في الحكومة من تسديد قرض عقاري قيمته مليار و100 مليون سنتيم، خلال ظرف لا يتعدى أربع سنوات، مع ما يرافقه من فوائد بنكية ثقيلة.
السؤال الجوهري هنا ليس فنيا، بل سياسيا وأخلاقيا بالدرجة الأولى، إذ كيف لوزير في قطاع حساس كوزارة العدل، يُفترض أن يكون حارسا للشفافية والنزاهة، أن يتهرّب من التصريح الدقيق، ثم يقدم للرأي العام حكاية مالية معقّدة؟
ولأن الكلمة مسؤولية، فإن اللافت في خرجات الوزير هو أنه أكثر من الحديث عن كونه “مستهدفا”، ناهيك عن وقوعه في تناقضات ، فمرة يتحدث عن أن زوجته قامت ببيع ما ورثته لتساعده في دفع أقساط الفيلا، وفي مرة ثانية يتحدث عن أنه وهب الفيلا لزوجته في إطار “الكد والسعادة”، وأن ذلك مكافأة لها لثلاثين سنة من الزواج..
كما استرسل في خطاب المظلومية، دون أن يقدّم مبررات مالية أو قانونية معقولة تُفسّر ما وقع.
وهو ما يُحوّل النقاش من مستوى الوقائع إلى محاولة الهروب من المحاسبة.
لسنا أمام مخالفة إدارية عادية، بل أمام مساس خطير بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
فحين يتعلق الأمر برجل دولة، في موقع يُمكّنه من التأثير على منظومة العدالة برمّتها، فإن كل معاملة وكل درهم يُصبح شأنًا عاما.
إن تمويل قرض عقاري بهذا الحجم، وفي فترة قصيرة، لا يمكن أن يمر مرور الكرام في دولة تدّعي محاربة الفساد، وتدعو إلى تخليق الحياة العامة.
الأمر لا يتعلق فقط بمدى احترام وهبي للقانون الجبائي، بل بمدى انسجام سلوكه المالي مع منطق الدولة وثقة المواطنين.
وإذا كان المواطن البسيط يُحاسب على كل وثيقة وكل توقيع، فهل يُعقل أن يظل وزير العدل محصنا من أسئلة مشروعة حول ذمته المالية ومصادر دخله؟ وهل من المنطقي أن تلتزم الإدارة الضريبية الصمت؟ وأن تبقى الحكومة برمتها في موقع المتفرج؟
ما حدث، وما أُعلن عنه، يضرب في العمق صورة الثقة، ويمسّ بأحد أعمدة الدولة الحديثة وهو استقلال القضاء ونزاهة من يشرف عليه. ولهذا، فإن المسؤولية لم تعد تقنية أو إعلامية، بل أخلاقية ومؤسساتية.
ولذلك فالمتتبع لا يطلب أكثر من جواب بسيط..من أين لوزير العدل هذا؟
تعليقات ( 0 )