شن حزب العدالة والتنمية، في تقريره السياسي المعروض خلال مؤتمره الوطني التاسع، هجوما لاذعا على الحكومة، متهما إياها بالتورط في تضارب المصالح، واستغلال النفوذ، وتطبيع الريع، وتعطيل مؤسسات الحكامة ومكافحة الفساد.
التقرير اعتبر أن المغرب يشهد تراجعا خطيرا في مؤشرات النزاهة والشفافية، محذرا من تهديدات تمس الاستقرار الاجتماعي ومستقبل التنمية الاقتصادية.
تضارب المصالح واستغلال النفوذ
اتهم الحزب الحكومة بالتورط فيما وصفه بـ”تجسيد فج لتضارب المصالح”، مستندًا إلى فوز شركات مرتبطة بمسؤولين سياسيين بصفقات كبرى، على رأسها مشروع تحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء-سطات، باستثمار يناهز 6,5 مليار درهم.
كما أشار إلى صفقة أخرى بقيمة 2,44 مليار درهم لتوريد الفيول الممتاز والعادي، مسجلًا أن هذه الوقائع تمثل، بحسب التقرير، نموذجا صارخا لزواج المال بالسلطة واستغلال النفوذ السياسي لخدمة مصالح اقتصادية خاصة.
وحذر الحزب من خطورة تركيز الامتيازات الاقتصادية بيد فئات محدودة على حساب مبدأ المنافسة الشريفة، مؤكدا أن المغرب يتوفر على مقاولات وطنية مؤهلة تستحق فرصا متكافئة بعيدا عن المزاحمة غير النزيهة.
الريع وتفشي الفساد في التدبير العمومي
سجل التقرير السياسي تفاقم مظاهر الريع، خصوصا في قطاعات حيوية مثل المحروقات واستيراد المواشي، معتبرا أن الحكومة أرخت الحبل للوبيات المصالح، وتركت المواطنين فريسة لجشع المضاربين.
وانتقد الحزب رفض الأغلبية الحكومية تشكيل لجان تقصي الحقائق حول شبهات استيراد النفط الروسي ودعم استيراد الأبقار والأغنام، مشيرا إلى أن السياسات الحكومية أدت إلى تدمير الإنتاج الوطني وتعويضه بالاستيراد، مع استفادة شركات محددة من الدعم العمومي بشكل غير مبرر.
كما أبرز التقرير فضيحة الغرامات الهزيلة التي فرضها مجلس المنافسة على شركات المحروقات، والتي اعتبرها الحزب غير متناسبة مع حجم الأرباح الفاحشة التي جنتها هذه الشركات عبر تفاهمات غير قانونية.
تحلية مياه البحر: مشروع استراتيجي أم صفقة مشبوهة؟
خصص التقرير السياسي حيزا خاصًا لصفقة تحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء-سطات، معتبرا أن الطريقة التي أبرمت بها تمثل نموذجًا آخر لاستغلال النفوذ، حيث تم تعديل قانوني ضريبي خصيصًا لخدمة المشروع، مع عرض الصفقة على اللجنة الوطنية للاستثمارات للاستفادة من دعم مالي عمومي رغم أنها صفقة مضمونة.
وحذر الحزب من تداعيات هذا التأخر في إنجاز مشاريع تحلية المياه، معتبرًا أن الأمن المائي الوطني بات مهددًا، خاصة مع توالي سنوات الجفاف ونقص الموارد الطبيعية.
تراجع النزاهة واستهداف مؤسسات الحكامة
رصد التقرير السياسي ما اعتبره تراجعًا مقلقا في مؤشرات النزاهة بالمغرب، حيث خسر 13 مركزًا في مؤشر إدراك الفساد العالمي، متراجعًا من الرتبة 86 سنة 2020 إلى الرتبة 99 سنة 2024.
ونبّه الحزب إلى استهداف مؤسسات محورية مثل الهيئة الوطنية للنزاهة ومجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بالإضافة إلى التسيب في التعيينات بالمناصب العليا، وسط غياب الشفافية والكفاءة المطلوبة.
وانتقد الحزب تعطيل اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، وسحب مشاريع قوانين مهمة تتعلق بمحاربة الإثراء غير المشروع، وحماية المبلغين، والتصريح بالممتلكات، معتبرا أن هذه الإجراءات تعكس غياب إرادة حقيقية للإصلاح.
في ختام تقريره، حذر حزب العدالة والتنمية من أن استمرار الجمع بين المال والنفوذ السياسي، وتطبيع مظاهر الريع والفساد، يهدد استقرار المغرب ومستقبل اقتصاده، داعيًا إلى ضرورة استرجاع هيبة المؤسسات، وتعزيز النزاهة، وضمان الشفافية والمنافسة الشريفة في تدبير الشأن العام.
تعليقات ( 0 )