حين يسأل رئيس الحكومة عن إلياس المالكي!

في مشهد لا يخلو من دلالة، خلال لقاء حزبي بمدينة الجديدة، فاجأ رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الحضور بسؤال بدا للوهلة الأولى عفويا: “فين هو إلياس المالكي”؟، في إشارة إلى أحد المؤثرين المعروفين بمحتوى تافه يطفو على سطح المشهد الرقمي المغربي.
السؤال، رغم بساطته، يكشف عن لعبة أكبر تدار في الخفاء، حيث لم يعد الفاعل السياسي يكتفي بمراقبة مد التفاهة، بل صار جزءا منه، يتماهى معه، بل ويستثمر فيه لصياغة مشهد جديد، يكون فيه العبث جزءا من مشروع الحكم.

لم يكن ذكر إلياس المالكي مجرد زلة لسان أو محاولة للتقرب من جمهور شبابي، بل هو تجسيد لحالة أعمق، حيث صار السياسي في المغرب، بدل أن يكون قائدا للنقاش العمومي حول القضايا الحقيقية، مجرد لاعب في ساحة التفاهة، يستعير أدواتها، ويعيد إنتاج خطابها.
حين يسأل رئيس الحكومة عن “إلياس المالكي”، فإنه لا يسأل عن مشروع اقتصادي، ولا عن وضعية التعليم، ولا عن الاحتقان الاجتماعي، بل عن شخصية افتراضية لا تقدم شيئا سوى محتوى سطحي يستنزف الوعي الجماعي.
وهنا، يتضح كيف تتحول التفاهة إلى استراتيجية، لا لصنع التسلية فقط، ولكن لإعادة توجيه الاهتمام بعيدا عن القضايا الجوهرية.
لطالما كانت السلطة بحاجة إلى أدوات لإدارة الجمهور.
في الماضي، كانت الأدوات التقليدية تقوم على ضبط الإعلام وتوجيه الخطاب الرسمي. لكن في العصر الرقمي، باتت المعركة أكثر تعقيدا، وصار التحكم في تدفق المعلومات شبه مستحيل.
الحل؟ إغراق المشهد بمحتوى رديء، يخلق ضجيجا يصعب معه تمييز الحقيقي من المزيف، والمهم من التافه.
بهذا المعنى، يصبح المشهد التافه ليس مجرد عرض جانبي، بل هو استراتيجية مدروسة، حيث يعاد تشكيل الانتباه العام ليصبح منخرطا في متابعة صراعات وهمية بين “التافهين”، أو في مناقشة تفاهات يومية لا تضيف شيئا للوعي العام.
أما القضايا الحقيقية كغلاء الأسعار، أزمة الصحة، تدهور التعليم، فتنحصر في دوائر ضيقة، لا تصل إلى الجمهور الواسع، الذي يتم تخديره يوميا بجرعات محسوبة من التفاهة المصطنعة.
ما يثير الانتباه أكثر هو أن الفاعل السياسي لم يعد يكتفي بالتواطؤ مع هذا الواقع، بل صار جزءا منه.
فمن رئيس حكومة يسأل عن مؤثر تافه، إلى وزراء يظهرون في محتوى سخيف لكسب التعاطف، إلى سياسيين يحاكون لغة التفاهة، نجد أنفسنا أمام تحول خطير: لم تعد السياسة تسعى إلى الارتقاء بالخطاب العام، بل صارت تهبط إليه، تعيد تدويره، وتعيد إنتاجه، حتى يصبح جزءا من بنية الحكم نفسها.
هذا الانزلاق ليس مجرد تكتيك انتخابي، بل هو خيار واع، حيث يتم تعويض الفراغ السياسي بمحتوى تافه، يجعل الجمهور منشغلا بأشياء لا معنى لها، فيما تستمر دوائر السلطة في اتخاذ قرارات مصيرية دون مساءلة حقيقية.
في مواجهة هذا الواقع، لا يكفي أن نندد بالتفاهة أو أن نعتبرها مجرد انحراف.
ما نواجهه اليوم هو مشروع متكامل، يستخدم أدوات الإعلام الجديد لإعادة تشكيل المجال العام، وتحويل السياسة إلى عرض ترفيهي، حيث يصبح السياسي مثل “المؤثر”، والجمهور مجرد مستهلك سلبي للمشهد.
إن سؤال أخنوش عن إلياس المالكي ليس مجرد زلة لسان، إنه جزء من مشهد أوسع، حيث تصبح التفاهة أداة لتوجيه الرأي العام، وفق منطق جديد يقوم على الإلهاء، والتطبيع مع الرداءة، وإضعاف الحس النقدي للمجتمع.

التفاهة ليست قدرا، لكنها إن تُركت دون مقاومة، ستتحول إلى قاعدة، وسيصبح الجدل حول قضايا الوطن مجرد “ترند” عابر، بعيدا عن وعي الجمهور الذي سيترك غارقا في بحر من التفاهة المصطنعة..

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي