ضريبة الثروة ..”العصيدة” التي رفضت الحكومات مد اليد إليها

قبل 10 سنوات طرح مقترح لإحداث “ضريبة على الثروة”، وهو المقترح الذي أثار حينها الكثير من الجدل.

المشروع تم وضعه كغيره من المقترحات الجادة في ثلاجة البرلمان، مادامت جل الحكومات ترفض الاقتراب من المصالح الكبيرة ومن أصحاب الوزن الثقيل.

اليوم عاد الحديث عن ضريبة الثروة للواجهة في ضل فاجعة زلزال الحوز ، والعجز الفادح الذي تعاني منه ميزانية البلاد. لكنه حديث محتشم للغاية يوازيه  ارتهان الحكومة إلى الحلول التقليدية.

حلول سهلة قد تسعف على سد بعض الثقوب، لكن كلفتها على المدى القصير والمتوسط ستكون جد مكلفة على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي.

مشروع الضريبة على الثروة الذي تهربت منه الحكومة الحالية والسابقة، كان يهم  الثروة الشخصية،  التي تشمل السلع ذات القيمة العالية، أو العقارات، أو المعادن والمجوهرات النفيسة أو الأسهم والسندات والودائع المصرفية و بوليصات التأمين أو العربات والمركبات ذات القيمة العالية والمراكب البحرية والسفن ومجموع الحاصلات والأرباح والدخول وكل ما يمكن أن يشكل قيمة مالية تصل أو تفوق عشرة ملايين درهم صافية.

سعر الضريبة حدد وفق المقترح في 1 في المائة من ثروة ما بين عشرة ملايين درهم إلى أقل من ثلاثين مليون درهم، و1.5 في المائة من ثروة ما بين ثلاثين مليون درهم إلى أقل من خمسين مليون درهم و2.5 في المائة من خمسين مليونا فما فوق.

اللافت أن وزير المالية السابق بنشعبون الذي دافع عن ضريبة التضامن الاجتماعي، هو ذاته الذي أشهر “الفيتو” في وجه  المساعي الهادفة لإحياء “ضريبة الثروة” حين قال “ماشي وقتها دابا”.

بنشعبون الذي يدبر حاليا حقيبة استثمارية ضخمة تجاهل حينها وفي عز أزمة كورونا التقارير التي أعدتها هيئات وطنية ومنظمات دولية حول أهمية خلق ضرب على الثروة في بلد يزداد فيه الفقراء فقرا فيما تتعاظم ثروات أغنيائه، و بررعدم  إحداث مثل هذه الضريبة بالخوف من عدم إقبال المستثمرين على الاستثمار في المغرب، ونقْل استثماراتهم إلى دول أخرى.

كما قال بنشعبون إن كثيرا من التجارب العالمية تخلت عن الضريبة على الثروة، “لأن فرض الضريبة على من يملك المال يمكن أن يدفعه إلى الذهاب إلى مكان آخر، فالعالم أصبح مثل قرية صغيرة”.

مثل هذه التبريرات الرخوة تتجاهل حقيقة أن الحكومات عاجزة فعلا عن خلق موارد جديدة لإنعاش الخزينة بعيدا عن الحلول النمطية التي دعت المندوبية السامية لتجنبها بعد أن حذرت من تفاقم المؤشرات الحمراء.

كما أن الحكومة الحالية عاجزة أيضا عن تدارك ما نبه إليه للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حين تدارسه للسياسات الجديدة للضرائب التي يمكن أن تساهم في زيادة الإيرادات العامة للبلاد،  مع تخفيف الأعباء، وذلك بعد أن كشفت المناظرة الوطنية للجبايات أن الضغط الجبائي في المغرب مرتفع، وموزع بشكل غير عادل وغير متوازن بين مختلف شرائح مؤدي الضرائب.

كما بينت الأرقام التي قدمت خلال المناظرة بإن 6.12 في المائة فقط من الشركات تساهم بنسبة 95 في المائة من إجمالي مداخيل الضريبة على أرباح الشركات.

الغريب ان التبريرات الرسمية الرافضة للضريبة على الثروة  تتناقض تماما مع  ما ورد في تقرير منظمة أوكسفام التي أكدت أن فرض ضريبة ب 2 في المائة على صافي الثروة، كان سينعش الخزينة بحوالي 6.17 مليار دولار بين عامي 2010 و 2019، وهو ما سيمدد التغطية الصحية لتشمل أكثر من 7 مليون مغربي.

كما اعتبرت المنظمة أن جائحة كورونا “فرصة لا ينبغي تفويتها لسن إصلاحات مالية  مع تسخير الثروة الزائدة التي تم إنشاؤها بواسطة أغنى سكان المنطقة خلال الأزمة”.

و أورد التقرير انه في حال اعتماد ضريبة الثروة الصافية التضامنية بنسبة 5٪ ، فإن الإيرادات ووفقا  لبيانات 2019، قد تكون كافية لمضاعفة  انفاق البلاد لتجاوز أزمة فيروس كورونا.

وقال التقرير إن الناتج المحلي الإجمالي في المغرب من المتوقع أن يتراجع بـ7.1٪ مقارنة بالسنة الماضية، وأن هذا الانخفاض في الإيرادات يجب أن ينظر إليه على أنه فرصة لسن الكثير من الإصلاحات المالية على المدى المتوسط والطويل.

وأكدت أنه “لا ينبغي تفويت هذه الفرصة مرة أخرى”…  لكن  الحكومة  كان لها رأي آخر بعد أن فضلت عدم إزعاج الأغنياء، ومدت يدها من جديد لجيوب المغاربة.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي