“السكتة القلبية” بالمغرب و “حكومة الإنقاذ”

 

قبل الانتخابات التي حملته لدفة الحكومة بوقت قصير نبه المجلس الوطني لحزب الاستقلال إلى خطورة تدهور الأوضاع العامة بالمغرب، وقال أنها تشبه فترة ما قبل سياسة التقويم الهيكلي، التي كانت تهدد المغرب بالسكتة القلبية في تسعينيات القرن الماضي.

ليس هذا فقط بل إن المجلس دعا  إلى التعجيل بإنقاذ البلاد من مختلف ” مظاهر الأزمة العميقة والمتعددة الأبعاد،،

وسجل بلغة صريحة تصاعد حدة الاحتقان الاجتماعي بفعل الاختيارات اللاشعبية، والعجزعن إحداث الانفراج السياسي والحقوقي الذي طالبت به القوى الحية ، وتوفير الشروط السياسية والحقوقية الداعمة للمسار التنموي والديمقراطي مشددا على الحاجة لحكومة إنقاد .

ولأن الحزب كان في المعارضة وليس لديه ما يخسره ، فقد حذر أيضا من “انسياق الحكومة في الخمس سنوات الماضية وراء توجهات ليبرالية مفترسة وغير متوازنة توغلت في مفاصل وبنيات الاقتصاد الوطني بما فيها قطاعات الاستثمار الاجتماعي والمجالات الاستراتيجية، على حساب الوطنية الاقتصادية، والاعتبارات الاجتماعية، والتوازن بين الرأسمال ومصلحة الوطن.

كما انتقد  استمرار انهاك الاقتصاد الوطني بمظاهر الريع والامتيازات والتواطؤات والاحتكارات، واستسلام الحكومة لضغوطات اللوبيات الاقتصادية بالإضافة إلى غياب المنافسة الشريفة، وآليات الضبط والتقنين والمراقبة، والحكامة الجيدة، في حين تركت الحكومة المواطن وحيدا في مواجهة الجشع والمضاربات وغلاء الأسعار”.

اليوم ذات الحزب بلع لسانه، ولم يعد يتحدث عن شبح تقويم هيكلي جديد في الوقت الذي تعصف فيه أزمة خانقة بالبلاد والعباد.

الحزب نسي السكتة القلبية التي حذر منها الجواهري وقتا قصيرا قبل ذلك، هذا قبل أن يغير لهجته بعدة تصريحات الباكور والزعتر.

حزب الاستقلال الذي يبدو تائها داخل  الأغلبية  الحكومية، بعد أن صار ومند مدة برأسين كثمن لصفقة الإطاحة بحميد شباط، نسي كل ما قاله عن الأزمة التي تهدد المغرب وهو يعاين كيف تحول مسؤولو البنك الدولي لضيوف دائمين، بل إن بعضم صاروا يقررون في أمرنا بدلا عن الحكومة، كما حدث بعد توصيات رفع أسعار الماء، وتسريع الغاء دعم قنينات الغاز، فيما  الحزب يتفرج بعد أن كان يعارض الأمر بشدة.

والواقع أن الحزب، ومعه باقي أغلبية هذه الحكومة الوقحة، يصرون على جرنا فعلا للسكتة القلبية من خلال المضي في تفكيك صندوق المقاصة دون أن تتضح الشياطين التي تختفي في التفاصيل.

الأغلبية الحكومة تخطط في الخفاء لذلك، متجاهلة  الدراسة التي خرج بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول الاستنزاف  المتواصل الذي تتعرض له “الطبقة المتوسطة”.

المجلس كشف أن انسحاب الدولة وتراجعها عن تحمل مسؤوليتها في توفير مستوى معقول من  الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والسكن هو ما أوصلنا لهذا الوضع المأزوم.

وضع كان في صالح أصحاب “الشكارة” واللوبيات التي تركت لها الدولة مجالا واسعا لحلب جيوب المغاربة تحت غطاء الاستثمار، وتجويد الخدمات، سواء تعلق الأمر بالمصحات الجشعة، أو بالمدارس الخاصة التي تبيع التعليم كسلعة، أو شركات العقار  والمحروقات التي وصلت بالأسعار إلى مستويات جنونية، وصولا إلى المؤسسات البنكية التي لا زلنا ننتظر نشر غسليها من طرف المهمة الاستطلاعية.

وضع مختل يؤكد بالمقابل أن الدولة أهدرت مئات الملايير من الدراهم في عدد من البرامج والمشاريع التي وضعت لتعزيز الحماية الاجتماعية، وتقليص نسب الفقر والهشاشة دون أن تحقق نتائج تتناسب مع قيمة المبالغ التي صرفت، لذا لا غرابة أن تجتهد الحكومة الحالية أكثر فأكثر في تغطية هذا العجز من خلال نحت تعاريف جديدة، وغريبة، للفقر وللطبقة المتوسطة التي قيل أنها مهمة للاستقرار السياسي .

لقد دفعت الطبقة المتوسطة أو ما تبقى منها، و إلى الآن ثمنا فادحا لعدد من الخطوات والقرارات التي اتخذتها الدولة منذ الشروع في سياسة التقويم الهيكلي مطلع الثمانينيات، وذلك في ضل التعريف المنحرف الذي تتبناه الحكومة للطبقة المتوسطة، والذي يجعل من يتقاضون4000 درهم شهريا مصنفين ضمن هذه الطبقة.

ولأن حزب الاستقلال داخل الحكومة صار بذاكرة مشوشة، لا بد من تذكيره بأن دراسة المجلس أكدت أن الخروج بالمغرب من وضعه الحالي لا يمكن أن يتم دون الاستثمار في البشر… أي عبر إصلاح التعليم….

هي مهمة كان البنك الدولي صادقا حين قال أنها تحتاج لمعجزة، هذا في ظل توجه صريح نحو إلغاء المجانية، عبر إدخال التعليم العمومي في متاهة تلو أخرى، والاستمرار في تهجير عشرات آلاف التلاميذ كل سنة، و بطرق ناعمة، نحو المدارس الخاصة، بعد بيع الأسر وهم التفوق والجودة.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي