"واش هادي بلاد السيبة".. عندما انتفض زهير الشرفي في وجه المصحات

لوبي المصحات والمختبرات.. غابة تخفي شجرة المتاجرة بصحة المغاربة

 

الحرب التي خاضتها عدد من الأطراف في قطاع الصحة لعرقلة عمل الأطباء الأجانب في المغرب، تؤكد أن هذا القطاع لازال يخضع لمنطق الهيمنة، من طرف لوبيات تسعى إلى أن تصبح الندرة عنوانا للصحة بالمغرب. ففي الوقت الذي تخوض الدولة جهودا كبيرة من أجل فتح الباب أمام الأطباء الأجانب ومغاربة العالم والرفع من عدد خريجي الكليات، لا تنظر عدد من الأطراف المتحكمة في القطاع بعين الرضى إلى هذا التوجه الذي سيجعله أمام واقع منافسة جديدة.

يدخل المغرب مرحلة جديدة في تدبير الورش الصحي، تستلزم توفره على موارد بشرية كافية من أجل مواجهة الخصاص والاستجابة للطلب الذي سيترفع بشكل كبير، ليس فقط في القطاع العام لكن أيضا في القطاع الخاص..فتحويل المستفيدين من نظام “راميد” إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يعني الاستفادة من جميع الامتيازات التي يوفرها هذا الصندوق، حتى وإن كانت لا ترقى للتطلعات، لكن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع كبير في إقبال المرضى على المستشفيات والمصحات والعيادات الخاصة.

وفي المقابل، لازال القطاع يعيش على وقع ممارسات ترفع بشكل مباشر من نفقات الأسر..فلا يعقل أن يتوجه المريض إلى مصحة خاصة، حاملا وثائق التحمل من طرف مؤسسة التأمين، بينما تطالبه إدارة المصحة بشيك ضمان أو دفع 10 آلاف درهم قبل الاستفادة من أي خدمة..أما ممارسات بعض الأطباء، حتى داخل قاعات الجراحة وما بعدها، يندى لها الجبين وتطرح أكثر من علامة استفهام حول الضمير المهنة قبل حديث عن المهنة في حد ذاتها.

لا يمكن اليوم أن تنفق الدولة ميزانية ضخمة، بتوجيهات ملكية سامية، على قطاع الصحة دون أن تضع حد لهذه الممارسات التي تسيء إلى القطاع، بل وتخلف مآسي اجتماعية لعدد من الأسر..فعندما يتوجه شخص يتقاضى 3000 درهم لإجراء عملية جراحية يتم تحملها من طرف مؤسسة التأمين، ثم يطالبه الطبيب بـ”النوار”، فهذا ظلم اجتماعي كبير وجريمة بشعة ينبغي التصدي لها بكل حزم قبل انطلاقة هذا الورش الضخم الذي تعول عليه الدولة لتحقيق ثورة اجتماعية خلال السنوات المقبلة.

“دولة” المصحات

في المناظرة الوطنية حول الجبايات، انتفض زهير الشرفي، الذي كان يشغل آنذاك منصب الكاتب العام لوزارة المالية، بقوة ضد المصحات الخاصة، رافعا شعار “باراكا” في وجه الممارسات غير القانونية التي تقوم به، سواء تعلق الأمر بالتهرب الضريبي أو علاقتها بالمرضى من قبيل فرض “النوار” ورفض التعامل بالشيكات، حيث علاقة على ذلك بأعلى صوته: “واش هادي بلاد السيبة”.

لم يكن هذا المسؤول المالي الكبير، الذي سبق له أن شغل منصب مدير الجمارك والضرائب غير المباشرة، يتوقع الاصطدام الكبير الذي ستتسبب فيه تصريحات رغم واقعيتها. فقد خرج لوبي الأطباء ليواجه الرجل بقوة بشأن تصريحاته. وهكذا، قررت الجمعية المغربية للمصحات الخاصة التوجه إلى القضاء لوضع شكاية ضد المسؤول الإداري الأول في وزارة الاقتصاد والمالية، من أجل إخراس كل صوت يرفع شعار “باراكا” في وجه ممارسات أضحت معروفة للجميع، واكتوى بنارها الكثير.

أما نقابة أطباء القطاع الحر فقد اعتبرت النقابة نفسها اتهامها بتلقي الرشاوي والتلاعب بالفواتير، تنكر شنيع للخدمات الاجتماعية والاقتصادية والطبية التي يقدمها الجسم الطبي الخاص بالمغرب، مشددة على أن ذلك “يندرج في سياق مدروس يهدف إلى تشويه سمعة ممارسي مهنة الطب بالقطاع الحر”. كما أشارت نقابة أطباء القطاع الحر، إلى أن تصريحات الشورفي ما هي إلا “إلهاء للرأي العام الوطني عن ما تعرفه الساحة الطبية العمومية من فشل ذريع في التسيير. وأكدت التمثيلية ستقف ضد كل من سولت له نفسه تبخيس الأعمال الجبارة التي يقوم بها كل يوم أطباء القطاع الحر بجميع مناطق المغرب”.

لقد كانت هذه المواقف متوقعة، باعتبار أن مسؤولا كبيرا في وزارة المالية، يعرف خبايا الضرائب والمتهربين من أدائها، خرج لفضح عورة قطاع يبيض للمستثمرين فيه الذهب، على حساب معاناة عدد كبير من المرضى الذين استنزفت جيوبهم لأداء مصاريف متضخمة، وفي أحيان أخرى غير قانونية ولها عقوبات في القانون الجنائي، وتضع من يمارسها في خانة المجرم.

“كوفيد” وافتعال الندرة

دون العودة مجددا للحديث عن لوبي الأدوية الذي يحقق هوامش ربح جد مهمة، ليس فقط في بيع الأدوية بل أيضا ما يتصل بالمستلزمات الطبية والمستحضرات التجميلية التي تباع في الصيدليات، سنسلط الضوء هذه المرة على الفضائح التي كشف عنها مجلس المنافسة عندما اختارت مختبرات التحاليل البيولوجية أن تحقق أرباحا طائلة على حساب المغارب الراغبين في إجراء اختبارات “كوفيد”.

لقد كشف التحقيق الذي قام به مجلس المنافسة أن تنامي الطلب على الفحوصات بالنظر للارتفاع المتواصل لحالات الإصابة بالفيروس، لم يواكبه توسيع كاف ومستمر لبنية العرض في السوق بسبب القيود التنظيمية الصارمة المفروضة للولوج إلى شبكة المختبرات المرخص لها إجراء الفحوصات. وشكلت هذه القيود عائقا حال دون تعبئة كافة الإمكانيات والقدرات المتاحة لدى المختبرات الخاصة للتحاليل البيولوجية الطبية قصد توسيع رقعة الكشف عن الحالات المصابة بالفيروس وتشخيصها بصفة احترازية، والحد من تفشي العدوى واستفحال علاجها.

ويوضح التحقيق أن في مرحلة أولى جرى الترخيص لعدد محدود فقط من المخبرات، لم يتعدى 10 مختبرات، لإجراء الفحوصات (يونيو 2020)، بنسبة بلغت 1.6 في المائة من العدد الإجمالي للمختبرات الخاصة للتحاليل البيولوجية الطبية. وانتقل هذا العدد، فيما بعد، إلى 17 مختبرا مرخصا له في غشت 2020، ثم إلى 53 في شتنبر 2020 و90 في يناير 2021 و100 في أبريل 2021 (بنسبة 16 في المائة).

وتسببت هذه الوضعية، يضيف المجلس، في افتعال ندرة على مستوى العرض، بينما استمر الطلب في الارتفاع بالنظر إلى تزايد حالات الإصابة بالفيروس، ما أسفر عن اختلالات شهدتها سوق فحوصات “كوفيد-19” على عدد مستويات، منها عرض وجودة الخدمات المقدمة، لاسيما الازدحام الكثيف الذي شهدته وتشهده المختبرات الخاصة المرخص لها بسبب تنامي إقبال المواطنين على الفحوصات.

كما تم تسجيل استمرار ارتفاع الأسعار المطبقة من طرف المختبرات، بالرغم من تهاوي أسعار المواد الأولوية المرتبطة بها، لاسيما الكواشف والمواد الاستهلاكية الطبية، فضلا عن انخفاض التكلفة الناتجة عن استهلاك قيمة المعدات، والتي لم تعمل بها المختبرات وفقا لتصريحات الأطراف المستمع إليها.

 

 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي