وسط صمت رسمي مطبق لازالت عدد من العائلات تنتظر أن يلفظ البحر جثث أبنائها بعد أن تسببت حمى “الحريك” التي عادت بقوة، في فاجعة جديدة.
قبل هؤلاء مات مئات آخرون على امتداد سواحلنا التي تحولت إلى مقبرة مفتوحة، وجائعة، ومستعدة لبلع آلاف الشبان ممن ضاقت بهم السبل، ليقرروا الانطلاق في مغامرة حصدت أرواح المئات من أبناء هذا الوطن.
بعضهم للأسف لم يعثر على جثثه إلى الآن، أو دفن في قبر مجهول ومنسي.
عودة قوارب الموت للعمل وبنشاط في هذا الظرف بالذات، ليس عبثيا، فلجوء هذا العدد المتنامي من المغاربة للمقامرة بأرواحهم له تفسير واحد.
هو ذات التفسير الذي ينطبق على آلاف آخرين ممن وجدوا بابا آمنا وقانونيا للرحيل والهجرة ،ما دمنا أمام بلد لا يؤمن بالتغيير الذي ينطلق من الاستثمار في الإنسان، حتى نضمن له الحد من الأدنى من الكرامة وسبل العيش، وهما الشعاران اللذين يتسلح بهما كل من يركب البحر في رحلة قد تنتهي به طعاما للسمك، أو جثة عالقة في شباك الصيادين.
العودة القوية لقوارب الموت هي إعلان صريح على أن الوضع الاجتماعي بالمغرب وصل من جديد لمستوى احمر فاقع، وسط مؤشرات وسياق جد مقلقين، ما دمنا أمام حكومات ونخب سياسية لا تملك قرارها.
نخب انتهازية و غير قادرة على طرح عرض جديد، ومقنع، من شأنه تنفيس الغليان، وإعادة ترتيب المشهد بعيدا عن النمطية و حالة الصمت اللتين استهلكتا عقودا من الزمن في تكريس الإخفاق والفشل.
واقع جعلنا نهدر الكثير من الفرص، ونحصل في النهاية على بلد بدون صحة ولا تعليم أو شغل وسكن لائقين.
بلد يغلي بالغلاء والمظالم و الفوارق، و يتزاحم فيه الريع والاحتكار والفساد، وتختنق هوامش مدنه بالفقر والإقصاء والبطالة.
بلد يهرب شبابه منه و تتفكك أهم دعاماته المجتمعية بشكل فظيع، بعد تسجيل أزيد من 100 ألف حالة طلاق في السنة، دون أن يكون ذلك كافيا لإيقاظ من يهمهم الامر من سباتهم.
تعليقات ( 0 )