لهيب الأسعار يؤجج الغضب ضد حكومة أخنوش.. ورفض لفزاعة “السياق الدولي”

تواصل أسعار عدد من المواد الاستهلاكية بالمغرب ارتفاعها الملحوظ منذ عدة أسابيع، ما ينعكس على جيوب المواطنين، خاصة الفئات الهشة منهم التي تضررت من تداعيات جائحة كورونا.

هكذا فقد شهدت أسعار الحليب زيادات جديدة، خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تقرر الرفع من أسعار الحليب المعقم بمختلف أنواعه.

وبحسب الإشعار الصادر عن المديرية التجارية لتعاونية “كوباك”، فقد تقرر الرفع من أسعار الحليب المعقم بنسب تراوحت بين درهم واحد و10 دراهم حسب نوع العلبة ونوع الحليب المعقم.

ويعرف سعر اللتر الواحد من الحليب المعقم كامل الدسم زيادة بنحو درهم واحد، حيث انتقل من 8.40 درهم إلى 9.30 درهم.

فيما انتقل سعر باقة الحليب المعقم بدون دسم من 53 درهم إلى 63 درهم بفارق زيادة قدرها 10 دراهم.

وفي وقت سابق شهدت أسعار “زيت المائدة” ارتفاعا بـ 23 درهما بالنسبة للقارورة من فئة 5 لترات، كما ارتفع سعر قارورة 5 لترات من “الزيوت النباتية” بـ 27 درهما والذي شمل جميع العلامات التجارية.

أيضا عرف سعر السميد من فئة 25 كيلوغراما ارتفاعا بـ 50 درهما.

كما من المقرر أن لا تسلم الكتب المدرسية من الزيادة في الأسعار، حيث ينتظر أن تعرف ارتفاعا يقدر بـ25 في المائة خلال الموسم الدراسي المقبل، وهو الأمر الذي لم يتم الحسم فيه حسب الناطق الرسمي للحكومة، مصطفى بايتاس.

وقال بايتاس، في معرض جوابه على أسئلة الصحفيين، خلال ندوة صحافية عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة، المنعقد برئاسة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، إن هذا الطلب الذي يعزى إلى اعتبارات تهم كلفة إضافية، خاصة فيما يتعلق بزيادة سعر الورق وكلفة الطباعة، ” يهم فقط الكتب المدرسية للمستويين الابتدائي والإعدادي، ولا يهم المستوى الثانوي “.
وأضاف الوزير أن مراجعة أسعار الكتاب المدرسي يهم 186 كتابا مدرسيا، غالبيتها يتم تحمل تكاليفها في إطار المبادرة الملكية “مليون محفظة”.
وأشار إلى أن الحكومة تلقت طلبا من الناشرين يتعلق بمراجعة أسعار الكتاب المدرسي وأخذت به علما، لكنها لم تتخذ بعد أي قرار بشأن هذا الموضوع.

ولم تشمل الزيادات في الأسعار المواد الغذائية فقط، فحتى أسعار المحروقات عرفت ارتفاعا لامس 15.43 درهما لليتر من البنزين، بالتزامن مع قفزات أسعار النفط عالميا.

وقال فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، إنه لولا تدخل الحكومة، لكان سعر البوطا اليوم من فئة 12 كيلوغراما، هو 140 درهما، مؤكدا أن الحكومة تدعم كل قنينة بنحو 100 درهم، (في المتوسط خلال 5 أشهر من 2022)، بدل توقع 50 درهما في قانون المالية لهذا العام.

وشدد لقجع في الندوة الصحافية للناطق الرسمي باسم الحكومة، عقب اجتماع المجلس الحكومي الأسبوعي، على أنه في كل قنطار من القمح المستورد، تؤدي الدولة دعما بنحو 258 درهما، بينما كانت عملية استيراد القمح تمنح للدولة موارد جمركية تقدر بـ800 مليون درهم.

ويرى الوزير المنتدب أن هناك فارق كبير بين ظروف كانت فيها موارد للدولة تقدر بنحو 800 مليون درهم، وواقع تؤدي فيه الدولة دعما عن كل قنطار مستورد، مشيرا إلى أنه بالنسبة للسكر، ستخصص الدولة أكثر من مليار و200 مليون درهم هذه السنة، للحفاظ على استقرار سعر هذه المادة الحيوية.

وأوضح لقجع، أن الاعتمادات التي فتحت في قانون المالية والتي بلغت 16 مليار درهم، تم صرف 9.7 مليار درهم لدعم البوطا حتى متم ماي، و3.3 مليار درهم لدعم القمح المستورد، ثم 400 مليون درهم لدعم السكر المستورد، مؤكدا أن الاعتمادات التي فتحت في قانون المالية تم صرفها بكاملها.

وأفاد المتحدث، أنه باستمرار تدخل الدولة في هذا المواد الأساسية، “هناك حاجة لاعتمادات إضافية لتنتقل الاعتمادات المخصصة للميزانية من 16 مليار درهم إلى أكثر من 36 مليار درهم”.

وتداول مجلس الحكومة وصادق أول أمس الخميس، على مشروع مرسوم بفتح اعتمادات إضافية لفائدة ميزانية التسيير- التكاليف المشتركة، لمواكبة دينامية السوق الدولية للمنتجات المدعمة خلال الخمس الأشهر الأولى من السنة الجارية، التي عرفت، يؤكد بلاغ للناطق الرسمي باسم الحكومة، “ضغوطات وتحولات هامة مدفوعة بالرغبة في الانتعاش الاقتصادي بعد جائحة كوفيد-19 وتداعيات الاضطرابات الجيوستراتيجية في بعض مناطق العالم”.

ويهدف المشروع إلى “مواصلة سياسة الحكومة الهادفة إلى حماية القدرة الشرائية للمواطنين عن طريق الحفاظ على ثمن البيع الداخلي لغاز البوتان، وكذا ضمان استقرار أسعار السكر، وما ترتب عن ذلك من ارتفاع نفقات المقاصة مقارنة مع الاعتمادات المفتوحة برسم قانون المالية لسنة 2022”.

غير أن الحكومة تعلن أن الأسعار طرأ عليها ارتفاع في مختلف دول العالم، وليس في المغرب وحده. فيما تشهد بعض المواد الغذائية المستوردة أو المعتمدة في إنتاجها على مواد أولية مستوردة تقلبات في الأسعار.

هيئات حزبية ومدنية تندّد

دخلت عدة أحزاب، خاصة في المعارضة، من أجل مطالبة الحكومة بـ”اتخاذ التدابير الضرورية لحماية المواطنين من ارتفاع الأسعار”، على غرار التقدم والاشتراكية.

وقال الحزب في بيان، إن هناك “مؤشرات سلبية على المستوى الاجتماعي ناجمة عن استمرار صعوبات مواجهة تداعيات جائحة كورونا على الحياة اليومية للمواطنين على كافة المستويات”.

وأضاف أن “هذه الصعوبات يزيد من حدتها الغلاء المسجل في أسعار عدد من المواد الاستهلاكية الأساسية”.

وشدد على “ضرورة اتخاذ الحكومة ما يلزم من إجراءات لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة من خلال ضبط ومراجعة أسعار المواد الغذائية والمحروقات التي عرفت ارتفاعا كبيرا في الفترة الأخيرة”.

من جانبها ندّدت فيدرالية اليسار، في بيان، بما وصفته “الزيادة الفاحشة في أسعار المواد الأساسية”.

وطالبت الفيدرالية، الحكومة “بتفعيل آليات المراقبة والعودة إلى تحديد الأسعار بالنسبة للمواد الأساسية وعلى رأسها المحروقات، خصوصا أمام استمرار التداعيات الاجتماعية للأزمة الصحية، وهو ما يقتضي دعم القدرة الشرائية للمواطنين”.

استهجنت الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول “سامير” الخرجة الأخيرة لوزيرة الاقتصاد والمالية في جوابها على الأسئلة المطروحة عليها خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، حيث قالت إن الحكومة “لن تدعم المحروقات وسامير لن تحل مشكل ارتفاع الأسعار”، معتبرة هذا التصريح إعلانا للحكومة عن رفع الراية البيضاء أمام غلاء أسعار المحروقات والاستمرار في التشويش وتقويض المساعي الرامية لعودة شركة “سامير” لمنظومة الطاقة الوطنية والانتصار لخيار التفاهم والتحكم في السوق المغربية للمحروقات.

وفي هذا الصدد، عبرت الجبهة الوطنية لإنقاذ “سامير”، في توضيح للرأي العام، عن تنديدها لمثل هذه التصريحات المضللة والمستفزة للحكومة ووزرائها والمحكومة بخلفية التعارض مع المصالح العليا للمغرب والمتماهية مع انتظارات اللوبيات المتحكمة في المال والسياسة، داعية الحكومة لمناظرة مباشرة أمام المغاربة عبر وسائل الإعلام السمعية والبصرية من أجل تنوير الرأي العام حول المسؤولية الثابتة للمسؤولين الحكوميين في البحث عن الحلول الممكنة لمعالجة أسعار المحروقات واستئناف الإنتاج بشركة سامير سابق.

جمود الحكومة أمام هذه الزيادات المتواصلة التي تهدد القدرة الشرائية للمواطنين، دفعت الجبهة الاجتماعية المغربية إلى إطلاق دعوات للاحتجاج مؤخرا، قبل أن يتم منعها من طرف السلطات المحلية في الدار البيضاء .

وكانت مجموعة من الهيئات والجمعيات الحقوقية قد شرعت في الحشد للمسيرة الوطنية للتنديد بغلاء الأسعار، حيث أعلنت قرار مشاركتها في المسيرة التي دعت إليها الجبهة الاجتماعية المغربية يوم 29 ماي الجاري، تحت شعار “مناهضة الغلاء والقمع والتطبيع”.

عجز حكومي واختباء وراء السياق الدولي

وبينما اشتكت أحزاب من ارتفاع الأسعار، أعلن محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أن “تمويل الأسواق بالمنتوجات الفلاحية يتم بشكل جيد”.

وتوقع أن تشهد أسعار بعض المواد الفلاحية تقلبات تتمثل بارتفاعات عادية في هذه الفترة من السنة، ناتجة عن الانتقال من الزراعات الصيفية نحو الزراعات الشتوية.

ولجأت وزارة الصديقي غير ما مرة إلى نشر بيانات للتأكيد على أن “وضعية تموين السوق الوطنية وأسعار المواد الغذائية، شهدت وفرة كافية في المواد الغذائية واستقرارا وانخفاضا في أثمنة الخضر والفواكه والحبوب واللحوم الحمراء”.

وأضافت أنها “تعمل في إطار تتبع حالة التموين والأسعار في السوق الوطنية، عبر مصالحها في قطاع الفلاحة على رصد تموين الأسواق ووضعية أسعار المواد الفلاحية والغذائية”.

من جانبه، دافع رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في آخر حضور له أمام مجلس المستشارين، عن حصيلة حكومته في تحريك عجلة الاقتصاد في ظل مناخ دولي متقلب مطبوع بارتفاع سعر المواد الأولية، وقال: “سنخرج من الأزمة واقفين”.

وصرح رئيس الحكومة في ردّه على تساؤلات المستشارين أن ارتفاع أسعار المواد الأساسية لا علاقة له بالحكومة الحالية؛ إذ تم تسجيل هذا الارتفاع خلال شهر أبريل الذي سبق الانتخابات حيث كان الوضع الاقتصادي صعبا للغاية.

واعتبر أخنوش أن “الأزمة الأوروبية زادت من تعقيد الوضع الاقتصادي، خاصة في ما يتعلق بالطاقة والحبوب والغاز، لكننا واجهنا بشجاعة هذه التحديات ولم نقم بتعديل قانون المالية ولم نضع حدا للمشاريع الكبرى، بل قمنا بدعمها”.

وصرح بأن الحكومة أعطت دفعة جديدة للاستثمار في هذا البرنامج من خلال عقد خمسة اجتماعات للجنة الوطنية للاستثمار، والموافقة على أكثر من 46 مشروع اتفاقية وملحق، بما مجموعه 33.3 مليار درهم، فضلا عن خلق أكثر من 14 ألفا و200 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

مندوبية الحليمي ترسم صورة سوداء

تأكد بالملموس أن مسلسل غلاء أسعار المواد الأساسية سيستمر وبشكل غير مسبوق منذ سنوات في المغرب، فقد كشف التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط، أن التضخم في المغرب بلغ أعلى مستوى له منذ سنة 2008. غير أن التقرير لم يشر إلى أن ما سيجعل 2022 سنة غلاء بامتياز هو المضاربات أولا وليست الحرب ولا تأخر التساقطات.

وتوقع موجز الظرفيـة الاقتصادية خلال الفصل الأول، وتوقعات الفصل الثاني من سنة 2022، أن يتسارع المنحى التصاعدي في أسعار الاستهلاك خلال الفصل الأول من سنة 2022، ومن المنتظر أن ترتفع بـ 3,6 في المائة، حسب التغير السنوي، عوض 0,1 في المائة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية. ويعزى هذا التسارع بشكل أساسي إلى الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية بنسبة 5,3 في المائة. حيث ستعرف أسعار المواد الغذائية غير الطازجة ارتفاعا بـ 6,4 في المائة، نتيجة تزايد أسعار منتوجات الحبوب والزيوت النباتية الناجم عن ارتفاع أسعار الاستيراد.

كما رجح التقرير ذاته، أن تشهد أسعار المنتوجات الطازجة تزايدا مطردا، خاصة المتعلقة بلحوم الدواجن، إذ ستساهم بـ 1,9+ نقطة مئوية في ارتفاع الأسعار. أما بالنسبة للمواد غير الغذائية، فستعرف أسعارها ارتفاعا ب 2,5 في المائة، تحت تأثير الزيادات في أسعار المواد الطاقية والنقل وتسارع أسعار المواد المصنعة، في ظل زخم التوترات المرتبطة بصعوبات التوريد وارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي