الحكومة تضخ سنويا 2 مليار سنتيم في خزينة المركزيات النقابية

المال والتفرغ للقيادات.. دعم للنقابات أم آلية لشراء صمتها؟

دون حتى أن تقترحه النقابات، عرضت الحكومة على الفرقاء الاجتماعيين في سياق المفاوضات حول اتفاق فاتح ماي، رفع الدعم السنوي المخصص لها بحوالي 30 في المائة، ما أثار جدلا كبيرا واتهامات للجهاز التنفيذي بمحاولة “إرشاء النقابات”.

وبغض النظر عن خلفية الدفع بهذه النقطة، بشكل إرادي من طرف الحكومة، فتمة اتفاق على أن طرحها في سياق تفاوضي حول الاتفاق الاجتماعي قد جعل الحكومة تضع يدها في عش الدبابير، وتثير بالتالي توجسات حول الغرض من رفع الدعم.

نقابة الاتحاد المغربي للشغل انتبهت، منذ الوهلة الأولى، إلى الفخ الذي يمكن أن يضعها فيه هذا القرار، فسارعت إلى التنديد والمطالبة بسحب هذه النقطة التي لم تقترحها في إطار مذكرتها المطلبية. وسجلت الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي “باستغراب واندهاش كبيرين تضمن مشروع الاتفاق مع الحكومة إلى مقتضى وصفته الأمانة الوطنية بالغريب ولم يسبق للاتحاد المغربي للشغل أن طالب أو تقدم به والمتعلق برفع مبلغ الدعم المخصص للمركزيات النقابية بنسبة 30 في المائة، وكذا مراجعة الدعم في جانب التكوين النقابي”. كما عبرت الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل عن رفضها القاطع لهذا المقترح.

أما الحكومة فسارعت إلى نفي محاولة إرشاء الفاعل النقابي، حيث أكد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، أن الزيادة في الدعم الموجه إلى النقابات ليس جزء من الاتفاق الاجتماعي الذي تم التوقيع عليه بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب.

دعم..بأي كلفة؟

طرح الحكومة لنقطة رفع اعم المخصص للنقابات بحوالي 30 في المائة، أعاد السؤال حول طبيعة وقيمة الدعم الذي تخصصه الحكومة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر للنقابات من أجل أن تقوم بمهامها، خارج إطار الدعم الذي يخصص لها في المحطات الانتخابية.

في المغرب، توجد اليوم أربع مركزيات النقابية وهي الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل. وتخول وضعية النقابة الأكثر التمثيلية، وفقا لنتائج الانتخابات المهنية، مجموعة من الامتيازات للنقابات.

على المستوى المادي، يتم سنويا تخصيص دعم مالي بقيمة 20 مليون درهم (2 مليار سنتيم)، يتم توزيعه على هذه النقابات حسب تمثيليتها. هذا المبلغ يتم تحديده في الميزانية التي إرفاقها بمشروع قانون المالية.  هذا يعني أن الحكومة تعتزم تحصيص مبلغ إضافي يصل إلى 6 ملايين درهم (600 مليون سنتيم) وهو مبلغ مرتفع مقارنة مع عدد والنقابات والمهام التي تقوم بها على أرض الواقع، لاسيما في ظل انحسار تأثيرها ومهامها مع داخلين جدد باتوا ليس فقط يزاحمون النقابات، بل يفرضون أجنداتهم على طاولة التفاوض مع الفاعل العمومي.

اليوم تواجه الحكومة إشكالية حقيقية. فمن جهة، تجالس النقابات من أجل الوصول إلى اتفاقات تضمن السلم الاجتماعي، وهذا عين الصواب ولا يمكن إلا أن يكون متناغما مع جوهر الفعل النقابي المؤسساتي..لكنها في نفس الآن، تواجه ضعف شعبية هذه الهيئات لدى الموظفين والأجراء، ما ينعكس بشكل مباشر على قدرتها على تأطيرهم.

وضع يدفع نحو تقوية فاعلين جدد على شكل تنسيقيات، بمطالب وسقف غير محدودين، وبمكانيزمات غير مؤسساتية في التفاوض وتحقيق الملفات المطلبية..ولنا في تنسيقية الأساتذة المتعاقدين خير مثال على هذا الوضع غير الصحي.

التفرغ..عش الدبابير

المنح المالية المباشرة للنقابات ليست الآلية الوحيدة التي تدعم من خلالها الحكومة الفاعلين الاجتماعيين، لاسيما المركزيات النقابية.. فآلية التفرغ النقابي تعتبر من أهم الآليات، حتى وإن كان تدبيرها تشوبه اختلالات وهواجس مرتبط بتحويله إلى “ريع.

طبعا نتحدث هنا عن التفرغ النقابي الذي يستفيد منها المئات من موظفي الدولة، من قيادات نقابية. وبموجب هذه الوضعية، يكون الموظف مستفيدا من التفرغ النقابي عندما يبقى تابعا لإطاره بإدارته الأصلية وشاغلا لمنصبه المالي بها ويزاول مهامه بإحدى النقابات الأكثر تمثيلا. يظل الموظف المتفرغ لدى إحدى النقابات الأكثر تمثيلا متمتعا، في إدارته الأصلية، بجميع حقوقه في الأجرة والترقية والتقاعد.

هذه المقتضيات ينص عليها الفصل 46 المكرر ثلاث مرات من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية. وبموجب هذه المقتضيات، يتم منح النقابات أو بعض المحظوظين في صفوفها حق التفرغ من أجل العمل داخل النقابة. وبالرغم من أن التفرغ معمول به في عدد من الدول، بل وتنص عليه مواثيق دولية حول العمل النقابية، إلا أنه يطرح عددا من الإشكالات والاختلالات التي تجعله أقرب إلى الريع، لاسيما أن تدبير العملية يتم على الصعيد المركزي ودون إشراك فعلي للمسؤول المباشر للموظف، وهنا الحديث مثلا عن قطاع التربية الوطنية.

في هذا القطاع الاجتماعي، والمرتبط بمصير التلاميذ المغاربة، تطرح بقوة مسألة التفرغ النقابي. ذلك أن مصالح الوزارة تقول بداية كل شهر شتنبر من السنة بتلقي لوائح بأسماء الموظفين الذين تقترح نقاباتهم تفرغهم، وهي عملية تهم مختلف الموظفين بدرجاتهم ورتبهم ومهامهم المختلفة.

وبعد دراسة الملفات، والتي تثير في بعض الأحيان جدلا كبيرا لاسيما من حيث الكوطا المخصصة لكل نقابة، تعمل مديرية الموارد البشرية على إعداد عملية الالتحاق من خلال إصدار مقررات بإلحاق الموظفين “المنعم عليهم” بالتفرغ، بهيئاتهم النقابية.

وضمن آخر القرارات التي يمكن الإشارة إليها، هو تأشير شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، على مقترحات النقابات التعليمية الخاصة بالتفرغ برسم الموسم الدراسي 2021-2022. وقد استفاد من هذه العملية 249 موظفا من مختلف الرتب.

وتتم عملية احتساب الكوطا المخصصة لكل نقابة في قطاع التعليم مثلا، من خلال المصادقة على تفرغ عدد يساوي عدد مثلي النقابة في اللجان الإدارية متساوية الأعضاء، علما أن الأمر يهم فقط النقابات التي تتوفر على تمثيلية نقابية في القطاع، وفقا لنتائج انتخابات ممثلي الموظفين.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي