إذا كانت أصوات المغاربة قد حملت عزيز أخنوش إلى رئاسة الحكومة، فتمة مخاوف داخل الحزب من أن تقود هذه الأصوات أيضا الرجل وحزبه إلى القاع من جديد.. فالزعيم الذي رسم معالم فردوس مغربي افتقدناه في ظل حكومات سابقة لم تساهم إلى في ضرب القدرة الشرائية للمغاربة، يواجه اليوم امتحانا صعبا، ربما أسوأ من امتحان المقاطعة.
فحتى قبل أن يكمل سنته الأولى، بدأ رئيس الحكومة -صاحب نظرية “إعادة الترابي” للمغاربة- يواجه أسوأ شعار قد يرفع في وجهه: “أخنوش-إٍرحل”. فبعد شهور عديدة من التسيير، والوعود التي تم توزيعها بشكل تجاوز حدود المنطق الاقتصادي والمالي للدولة، ها هو عزيز أخنوش يواجه اليوم غضبا شعبيا كبيرا بسبب اشتعال أسعار مختلف المواد الغذائية والاستهلاكية.
أخنوش يواجه هذه الأيام امتحانا صعبا بالرغم من الجهود الكبيرة التي تخوضها “الكتائب الإلكترونية” من أجل تلميع صورة الرجل وحكومته، ولو بالحسابات الوهمية…وبالرغم من الغطاء السياسي الذي يوفره حزب التجمع الوطني للأحرار، حتى إن من يقرأ بلاغات المكتب السياسي سيستغرب من حجم الإشادات المبالغ فيها للعمل الحكومي بالرغم من حدة الانتقادات، بسبب تردي الأوضاع الاجتماعي.
وضع تقابله الآذان الصماء للحكومة، اللهم بعض التصريحات التي تتحول إلى “نيران صديقة” كما وقع ذات يوم عندما أدلى الوزير مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة بمعطيات حول دعم الحكم لاستقرار أسعار الخبز بحوالي 50 مليار شهريا، قبل أن يخرج المهنيون ليكذبوا ذلك بل ويعلنوا عزمهم تحرير الأسعار بشكل انفرادي..أو عندما صرح الوزير أيضا بأن أسعار الطماطم ستنخفض خلال 48 ساعة، فما كان إلا أن زادت في لهيبها.
كابوس المقاطعة
في كواليس ماكينة “التواصل السياسي” لحزب التجمع الوطني للأحرار، والتي تتداخل مع التواصل الحكومي على أكثر من صعيد، عاش مختلف خبراء التواصل والصورة والعلاقات العامة والتسويق قبل بضعة أسابيع على وقع استنفار كبير، مرده إلى عودة ظهور “وسم” المقاطعة في شبكات التواصل الاجتماعي، في خطوة تحمل أكثر من رسالة على أن هذا السلوك العقابي للمستهلك، والذي كبد شركات بعينها خسائر فادحة قبل حوالي 4 سنوات، لم يتم تحييد خطره إلى الأبد.
أكثر من ذلك، فإن وسم “أخنوش إرحل” سبق أن تصدر “التراند” في موقع تويتر على الصعيد الوطني، قبل أن تصل شظاياه إلى موقع “فايسبوك”، في سياق غضب شعبي كبير من ارتفاع الأسعار. والواضح أن عزيز أخنوش، وبالرغم من كل القرارات والإعلانات التي كشف عنها بخصوص انسحابه من التدبير المالي للهولدينغ العائلي، إلا أن صورته كرجل أعمال صاحب أكبر شركة للمحروقات في المملكة، تجعل يواجه خطر حرق أوراقه بسرعة كبيرة.
اشتعال أسعار المحروقات هذه اليوم، وبلوغها مستويات قياسية وغير مسبوقة في تاريخ المملكة بعدما وصل الغازوال إلى أزيد من 14 درهم للتر الواحد، دفع نحو إعادة تفعيل مجموعة من الوسوم التي التصقت بحملة مقاطعة شركة الملياردير المغربي سنة 2018، والتي كبدتها خسائر كبيرة بالرغم من أنها حققت أرباحا طائلة منذ قرارا تحرير المحروقات.
الوضع السياسي المهزوز لرئيس الحكومة، ونحن لم نتجاوز حتى السنة الأولى من تعيين الحكومة، يطرح أكثر من علامة استفهام حول “بروفايل” الرجل ومدى قدرته على اتخاذ قرارات سياسية من أجل ضبط الموازين الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، بذل “الاستقواء” بأغلبية قد لا تسعف الرجل والحزب في مواجهة غضب اجتماعي كبير بدأ يلوح في الأفق.
أين سند الأغلبية
عندما تفجرت دعوات “أخنوش إرحل” داخل الفضاءات الاجتماعية، وجد الرجل نفسه وحيدا بالرغم من وجوده داخل تحالف ثلاثي يضم إلى جانب حزبه، كلا من الأصالة والمعاصرة والاستقلال..لكن الواضح من خلال هذه التجربة هو أن التحالف الحكومي قد لا يصمد أمام المد الأزرق الذي قد يحول حتى هذه الأحزاب إلى موضوع للمطالبة برحيلها أيضا..وهي نتيجة طبيعية لسنوات من تراجع ثقة المواطنين في الفاعل الحزبي والسياسي.
حتى الاجتماعات التي تنظمها قيادات التحالف فغالبا ما تذهب نحو بعض “المجاملات” في البلاغات والندوات الصحفية، في وقت تؤكد كل المؤشرات بأن الأمور “ليست سمنا على عسل”، وبأن الخلافات موجودة داخل التحالف الحكومي، لاسيما في تدبير بعض الملفات الخلافية، وأيضا ما يتصل بتنازع الاختصاصات بين بعض الوزراء، الأمر الذي جعل رئيس الحكومة في أكثر مناسبة مدعوا لاتخاذ القرارات الحاسمة.
وما يدل أيضا على وجود خلافات داخل التحالف هو الاجتماع الذي انعقد مؤخرا بين قيادة “البام” وبرلمانيي الحزب، والذي شهد دعوات واضحة من أجل إعطاء الضوء الأخضر لفريقي الحزبين بمجلسي النواب والمستشارين من أجل مواجهة ما اعتبره البعض “هيمنة” للأحرار على الأغلبية، وهو الأمر الذي فسره أكثر من مصدر في وجود تنافس شرس بين الطرفين، لاسيما وأن “البام” يعتبر نفسه حزبا له من الوزن السياسي والانتخابي ما يفرض أن يكون طرفا حاسما في كثير من القرارات.
غير أن الذي وقع في هذا الاجتماع هو تسريب تدخل للوزيرة والقيادية فاطمة الزهراء المنصوري، يفيد بأن “البام” مستعد لمغادرة الحكومة، الأمر الذي جعل الأغلبية تعيش استنفارا كبيرا من أجل فهم حقيقة التصريحات، وما إذا كان أهل “التراكتور” غاضبون من تدبير شؤون الأغلبية. لكن خلال الاجتماع الذي انعقد برئاسة قيادات التحالف، سارعت المنصوري إلى التأكيد على أن التصريحات أخرجت عن سياقها، وبأن ما قالته كان دعوة لبرلمانيي الحزب بضرورة الاستمرار في مساندة الحكومة، أما إذا كان للحزب موقف الآخر فعليه أن يغادر، معتبرة أن الأمر حمل دعوة صريحة لدعم الحكومة وليس النزول من قطار الأغلبية.
تعليقات ( 0 )