بينما تتواصل المعارك في مناطق متعددة من أوكرانيا، بعد الأوامر التي أعطاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبدء عملية عسكرية شاملة ضد كييف منذ فجر اليوم الخميس، وبينما تنشغل الدول الغربية أو جيران الدولتين بالآثار المباشرة للحرب، تنشغل دول أخرى بعيدة جغرافية بالآثار الاقتصادية لهذه الحرب، التي بدأت بوادر تأثيراتها تلوح في الأفق مع ارتفاع أسعار برميل النفط والقمح، في انتظار التداعيات الأخرى لمعركة بدأت اليوم ولا يعرف أحد متى تنتهي، ولا كيف تتطور في ظل تهديدات الغرب، وخصوصا الناتو، بالتدخل.. وبالتالي، فإن كثيرا من غيوم الشك والقلق تغطي سماء العالم بانتظار ما سيأتي. والمغرب ليس استثناء طبعا، حيث تهدد الحرب البعيدة عنا بالمزيد من المتاعب المختلفة لبلادنا، في سنة صعبة جدا بالكاد بدأت…
وإذا كان الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بيتاس، قد أكد اليوم، الخميس بالرباط، أنه لن يكون للأزمة الروسية – الأوكرانية أي تأثير على تموين السوق المغربية. وقال مصطفى بايتاس في لقاء صحفي عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة، مشيرا في هذا السياق إلى أن الحكومة بادرت خلال شهري يناير وفبراير إلى استيراد كميات مهمة من القمح، فإن تداعيات هذه الحرب على المدى المتوسط قد تكون أكثر وخامة على اقتصاديات العديد من الدول، خصوصا فيما يتعلق بالجاليات المقيمة في أوكرانيا وأزمة التموين/المواد الغذائية ثم المحروقات.
وقد استطاع المغرب تدبير الشق الأول بنجاح، رغم ما قد يكون على ذلك من ملاحظات، إذ تمكن آلاف الطلبة المغاربة من مغادرة أوكرانيا قبل بدء العملية العسكرية التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأكدت مصادر “ميديا 90” أن الجسر الجوي الذي تم إطلاقه بين أوكرانيا والمغرب، من خلال الطائرات التابعة للخطوط الجوية الملكية أو العربية للطيران، نجح في إجلاء الآلاف من الطلبة.
فيما لا تتوفر معلومات دقيقة حول ما إذا كان هناك طلبة مغاربة لازالوا عالقين في أوكرانيا، في وقت كانت سفارة المملكة قد وفرت مجموعة من الأرقام الهاتفية من أجل التواصل مع خلية الأزمة التي تم تشكيلها.
لتبقى أزمتا الواردات الغذائية والمحروقات من أهم الأزمات التي تواجه المغرب في حال طالت الحرب، وتجاوز أمد تداعياتها استعدادات الدول واحتياطاتها على الأقل في الشهور القليلة القادمة.
أزمة الواردات الغذائية
عُرفت أوكرانيا كسلة خبز أوروبا لعدة قرون.. لكن صادراتها الزراعية كالقمح والشعير والذرة والزيوت النباتية وغيرها، تعتبر اليوم ضرورية لإطعام العديد من الدول في إفريقيا وآسيا. ويتركز جزء كبير من الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجية في أوكرانيا بمناطقها الشرقية، وهي بالضبط الأجزاء الأكثر عرضة للهجوم الروسي المحتمل.
علاقة بذلك، وبحسب وزارة الزراعة الأمريكية، فإن واردات المغرب من الحبوب بلغت العام الماضي 6,2 مليون طن متري، بزيارة ناهزت 35 بالمئة عن العام الذي سبقه. وتذهب توقعات أخرى إلى أن هذه الواردات سوف تكون برسم العام الجاري في حدود 4,5 ملايين طن، ومصادرها الأساس هي فرنسا وأوكرانيا وروسيا؛ حيث تصدر أوكرانيا –التي تعتبر خامس مُصدر عالمي للحبوب– للمغرب بالأساس القمح والشعير والذرة. وبعد تعثر الواردات الكندية، بسبب تراجع المحاصيل في هذا البلد بالنصف العام الماضي، أصبحت خيارات المغرب محدودة في تغطية حاجياته من الحبوب. فالمعروف أن بلادنا لا يمكن لها أن تعتمد في تغطية حاجياتها من الحبوب على السوق الأمريكية الكبيرة–مثلا– بسبب غلاء أسعارها.
والمعروف أيضا أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت عالميا العام الماضي 2021، بنحو 30% عن العام الذي سبقه. ونتيجة لذلك، شهدت أسعار بعض المواد الغذائية بالمغرب زيادات وصفها تجار ومهنيون بـ “الصاروخية”، خصوصا بعض أنواع الحبوب
ويقول المهنيون المغاربة إن أسعار القمح وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في السوق العالمية، إذ ارتفعت أسعار القمح اللين من 240 دولارا أمريكيا للطن في يناير 2020 إلى 270 دولارا للطن في يناير 2021، ثم إلى 350 دولارا في يناير 2022، أي بزيادة تراكمية قدرها 46 بالمئة، على الرغم من مستويات الإنتاج العالمي المسجلة خلال الموسمين الأخيرين.
وسُجل الارتفاع الأكبر في أسعار القمح الصلب، حيث تضاعف في غضون ستة أشهر، من 300 دولار للطن في يونيو 2021 إلى أكثر من 720 دولارا للطن حاليا. وانعكس ذلك بارتفاع في أسعار المعجنات (التي عرفت زيادات تراوحت بين 2,50 دراهم و3 في الكيلوغرام بأسواق الجملة)، والسميد، والمعكرونة، والكسكس.
ونحن نتحدث هنا عن زيادات “صاروخية”، فرضتها عوامل أخرى ليست لها علاقة (بعد) بالأزمة الأوكرانية. إذ بينما صدَّرت أوكرانيا معظم محاصيلها من الحبوب في الصيف الماضي، فإن الغزو الروسي المحتمل قد يوقف بذر الحبوب نفسه في الربيع القادم. والمشكلة الأخرى تكمن في أن حربا في منطقة البحر الأسود لن تؤثر على الإنتاج الزراعي لأوكرانيا فحسب، وبل أيضا على قدرتها على نقل القمح والمنتجات الأخرى إلى الخارج. وبعبارة أخرى، فإن الاحتلال العسكري لموانئ البحر الأسود قد يؤدي إلى حجب كميات كبيرة من المواد الغذائية عن الأسواق الدولية، الأمر الذي سيؤثر بلا شك على بلدان بينها المغرب الذي يعد من أهم مشتري القمح الأوكراني.
أزمة المحروقات وتوابعها
تعتبر أسواق المحروقات المؤثرة في العالم حساسة جدا، لكل ما يجري في بورصات السياسة وساحات الحروب سلاسل نقل النفط والغاز. فيكفي أبسط حدث أو خبر أو تقدي موقف يمس مجالا من المحالات المرتبطة بالمحروقات، للتأثير في أسعارها عالميا إما بالارتفاع أو الانخفاض. ولذلك كان من الطبيعي جدا أن ترفع حدة التكهنات، بقرب تنفيذ الجيش الروسي ضربات عسكرية لأوكرانيا، في وقت هددت فيه الولايات المتحدة بتنفيذ رد مباشر أمام أية خطوات روسية تجاه كييف، أسعار النفط في العالم لتصل لأعلى مستوى منذ 7 سنوات ونصف. والأمر لا يزال بعد في مراحل التهديد بالحرب فحسب..
فمع استمرار التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، تتخوف الأسواق العالمية من حدوث ارتباك في سلاسل إمدادات السلع والطاقة، مع أي تصعيد عسكري محتمل خلال الأيام المقبلة. ويُتوقع أن يدفع الأوروبيون الثمن الأكبر في الصراع الأوكراني الروسي، ذلك لأن أوروبا تعتمد على روسيا بشكل أساسي في إمدادات الغاز الطبيعي. فروسيا تعتبر ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة، بمتوسط إنتاج يومي يناهز 10,2 مليون برميل يوميا.
لكن التأثير لن يقف عند حدود أوروبا، فالنفط الخام هو سلعة يتم تداولها عالميا بحيث تستند الأسعار عند المضخات في محطات الوقود إلى أسعار النفط العالمية. وبالتالي فإن صدمة النفط في أي مكان سيتردد صداها في كل مكان من العالم. ليس ذلك فحسب، بل إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في الخارج سيكون له آثار مضاعفة كبيرة. وذلك لأن أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة للغاية، ستجبر محطات الطاقة والمصانع في أوروبا وآسيا، على التحول من الغاز إلى النفط. بعبارة أخرى، سيرتفع الطلب على النفط وتتفاقم الأزمة أكثر.
وفي ضوء ذلك، تذهب التوقعات إلى أن أسعار النفط سوف تبلغ 100 دولار للبرميل هذا العام، إذ من المنتظر أن يتجاوز الطلب العرض. ففي استمرار حالة الشك المحيطة بالأزمة، تهديد لجزء كبير من تدفقات النفط الروسي في حالة انهيار المحادثات الدبلوماسية، وبدء الغرب فرض عقوبات على صادرات الطاقة الروسية. ولذلك يعتقد بعض المحللين بأن أية عقوبات ستفرضها الولايات المتحدة وأوروبا على روسيا، ستسعى إلى تجنب التأثير في إمدادات الطاقة الروسية. لكنها مهمة ليست سهلة.
وبالمنطق، انتقلت أزمة المحروقات إلى المغرب، بالنظر إلى اعتماده الكلي على السوق الخارجية لتلبية حاجياته. وهو ما نتج عنه ارتفاع قيمة الفاتورة الطاقية خلال الأسابيع الأخيرة، حيث وصل سعر “الغازوال” إلى سقف غير مسبوق بلغ 11 درهما للتر. ولم تقتصر الزيادات على المحروقات فقط، بل امتدت إلى جميع المواد الاستهلاكية بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج والنقل. ونتج عن هذه السلسلة من التداعيات ارتفاع في معدل التضخم بالمغرب، حيث تذهب توقعات الخبراء إلى أنه سيتجاوز 2 في المائة خلال العام الجاري، بعد ما كان في حدود 1,4 في المائة العام الماضي. وطبعا سيؤثر ذلك على تكلفة المعيشة عند المغاربة.
باختصار، فإن فاتورة حاجيات بلادنا الطاقية التي بلغت 57 مليار درهم خلال 2020، هي أصلا باهظة جدا. وأي اختلالات أخرى قد تطرأ على سوق المحروقات العالمية، سوف تكون لها تداعيات كارثية على اقتصاد المغرب.
الحرب الروسية على أوكرانيا.. الآثار المحتملة على المغرب

تعليقات ( 0 )