تسقيف أرباح الشركات.. كواليس قرار أسقطه مجلس المنافسة

عندما كان لحسن الداودي وزيرا منتدبا مكلفا بالشؤون العامة والحكامة، تحول قرار تسقيف أرباح شركات المحروقات إلى شعار ترفعه الحكومة كلما اشتدت عليها الانتقادات بسبب عجزها أمام لوبي المحروقات.. وبينما ظل الأخير صامدا محافظا على أرباحها وتغوله، غادر لحسن الداودي الحكومة دون أن يحقق للمغاربة الوعد المعلوم.
في تفاصيل هذا المشروع، الذي وضعه على مكتب رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، هناك الكثير من التفاصيل.. لقد كان الهدف هو ألا تتجاوز أرباح الشركات حدا معينا، لاسيما بعدما كشف تقرير اللجنة البرلمانية الاستطلاعية كيف راكمت الشركات حوالي 1700 مليار منذ دخول التحرير حيز التطبيق.
ولأن الحكومة لم تتحل بالجرأة لتطبيق القرار، فقد حاولت أن تقحم مجلس المنافسة في العملية من خلال مراسلته من أجل إبداء الرأي، فما كان من رئيسه ادريس الكراوي الذي تم إعفاؤه فيما بعد غير الرد بمذكرة مفصل أعلن فيها بشكل واضح عن اعتراضه للتسقيف، مقدما مختلف العوائق والإشكاليات التي ستجعل منه قرارا بدون جدوى، بل ولا يحترم قواعد المنافسة.
تلاعبات.. بعد التحرير
في تفاصيل مذكرة رفعتها وزارة الشؤون العامة والحكامة إلى مجلس المنافسة، يمكن الوقوف عند مجموعة من التلاعبات الخطيرة التي تمس بالمنافسة خلال السنوات الأول للتحرير. من هذه الممارسات أن بعض الشركات تقوم بتزويد بعض النقالة الدخيلين على قطاع المحروقات بأثمنة منخفض مقارنة بالأثمنة التي يتم فوترتها لمحطات الوقود.
ويعمل هؤلاء النشطاء الغير الشرعيين على تزويد مجموعة من مهنيي النقل والمصنعين، وحتى بعض محطات الوقود مما أخل بقواعد المنافسة. كما أن هذه الممارسات تهدد سلامة المواطنين باعتبار أن هذه العربات الغير مرخصة تقوم بنقل كميات كبيرة من المحروقات يجهل وجهتها ومصدر وأماكن تخزينها.
من خلال البحث، أكد بعض المهنيين على الرفع من هوامش ربحهم وخاصة خلال السنتين الأوليتين بعد التحرير. وقد تراوحت هذه الهوامش بين 1.20 درهم و1.45 درهم للتر موزعة بين شركات التوزيع وأرباب المحطات. وإذا قارنا هذه الهوامش مع تلك المطبقة قبل التحرير، فنستنج أن نسب الارتفاعات تفوق 80% وقد تصل إلى 140%.
ورغم عدم ثبوت وجود تواطء صريح حول الأسعار المطبقة في محطات الوقود، إلا أن الملاحظ أن الأسعار المطبقة في هذه المحطات تظل نسبيا مماثلة وليس هناك فوارق مهمة محفزة للمستهلك لاقتناء مادتي الوقود من محطة دون أخرى، وقد يرجع بالأسعار إلى أسباب أولها إقدام شركات التوزيع على تحديد الأُمنة التي توصي بها مسيري المحطات التابعة لها أخذا بعين الاعتبار تطور الأسعار الدولية واستنادا إلى الأثمنة المطبقة من طرف الشركات المنافسة.
كما أن أغلب الشركات خاصة الصغيرة والمتوسطة تعتمد في تحديد أسعار على محاذاة أسعار الشركات الكبرى. وحسب تصريحات شركات التوزيع، يرجع في غالب الأحيان تحديد السعر النهائي المطبق على المستهلك إلى أرباب محطات الوقود الذين لهم الصلاحيات بقبول السعر الموصى به أو طلب تعديله.
ويحد السعر النهائي من طرف محطات الوقود استنادا إلى ثلاث أسس: السعر الموصى به من طرف الشركة صاحبة العلامة؛ المخزون المتوفر عليه من طرف المحطة وقت تغيير الأسعار خاصة في حالة الانخفاض؛ الأخذ بعين الاعتبار الأسعار المطبقة من طرف المحطات المنافسة المتواجدة في محطيه المجال.
إجراء ترقيعي
لقد كان مجلس المنافسة حاسما في الوقوف ضد مشروع تسقيف أرباح شركات المحروقات. فقد اعتبر أن القرار، وبالإضافة إلى كونه استجابة جزئية وغير هيكلية لمشكلة عميقة وأكثر تعقيدا، فإن إدراج هذا التدبير في إطار المادة 4، التي تسمح للحكومة باتخاذ فقط تدابير مؤقتة، تجعل من التسقيف حلا ترقيعا دون تأثير على المدى المتوسط والبعيد. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن أن تتجاوز المدة الفعلية المحددة قانونا بالنسبة للتدابير المتوخاة سنة واحدة في المجمل.
من جانب آخر، فإن هذا التدبير يبقى غير فعال من زاوية حماية المستهلك وللحفاظ على قدرته الشرائية. ذلك أن بلادنا ترتبط بنسبة 93% من حاجياتها من المواد النفطية بالاستيراد، وتخضع السوق الوطنية للمحروقات السائلة بالتالي وبحدة إلى تقلبات الأسواق الدولية، خاصة بعد إغلاق شركة التحرير. ونظرا لهذه الخصوصية البنيوية، فإن تكلفة شراء المواد المكررة، تبعا لبنية أسعار البيع من 16 إلى 31 نونبر 2015، تمثل الجزء الأكبر من سعر الاسترداد (91.5%)، وذلك علما بأن تكلفة الاسترداد تمثل ما يفوق 50 في المائة من سعر البيع للعموم. كما أن الجبايات المستوفاة من لدن الدولة بموجب الرسم الداخلي على الاستهلاك والضريبة على القيمة المضافة تمثل حوالي 40 في المائة من سعر البيع.
من جانب آخر تم تحذير الحكومة من أن مستوى الهامش المعتمد سيكون بالضرورة تميزيا بالنسبة للفاعلين الصغار والمتوسطين، الذين لا يتوفرون على نفس المؤهلات الاقتصادية على مستوى التزويد (التفاوض حول هامش ربح المزودين مثلا). وهكذا، إذا كانت مستويات الهوامش المحددة مقيمة بشكل مفرط، فإن ذلك سيشكل ريعا غير مستحق بالنسبة للبنيات الكبرى. أما إذا كانت هذه الهوامش مقيمة بشكل منخفض، فإن هذا لن يكون في مصلحة المتدخلين الصغار والمتوسطين الذين تعتبر لديهم تكاليف التزويد والتخزين والتوزيع أكثر أهمية من تكاليف المتدخلين الكبار.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي