محمد الغيث ماء العينين: الفرنسية أصبحت خارج دائرة المنافسة عالميا

هل تتفق مع الرأي السائد بين المغاربة، في أن اللغة الفرنسية هي سبب تردي الواقع التعليمي في المغرب؟
صحيح، الرأي السائد يعتبر بأن مشكل التعليم مرتبط بلغة التدريس، وأن استعمال اللغة العربية في تدريس المواد العلمية هو سبب الوضعية المتردية للتعليم في المغرب. لكن هذا الاستنتاج خاطئ، سواء أكان ناتجا عن دراسة وتحليل ناقصين، أو عن أهداف إيديولوجية ضد التعريب. ولعل الأمثلة التالية توضح ذلك: الدراسة في اليابان تتم باليابانية،  وفي الصين لغة التدريس هي الصينية مع أنها ليست هي اللغة الأم لجميع الصينين . وفي كوريا لغة التدريس هي الكورية، وفي إيران لغة التدريس هي الفارسية، مع أنها ليست هي اللغة الأم لجميع الإيرانيين. وفي تركيا، لغة التدريس هي التركية مع أنها ليست هي اللغة الأم لجميع الأتراك. وحتى بعض الدول التي لا يصل تعداد سكانها إلى عشرة ملايين نسمة، و لا يتحدث لغتها أحد، بعضها يدرس بلغته ويحقق نتائج باهرة في العلوم. ففي تشيكيا لغة التدريس هي التشيكية التي يتحدث بها أقل من 8 ملايين شخص. وفي سلوفينيا لغة التدريس هي السلوفينية التي يتحدث بها أقل من مليوني شخص. والتدريس في سلوفاكيا يتم باللغة السلوفاكية، التي يتحدث بها أقل من 6 ملايين شخص…
 
لكن الفرنسية ليست فحسب لغة تدريس وثقافة. بل هي أيضا لغة الإدارة ولغة هوية لجزء هام من النخبة المغربية النافذة.. فكم سيتطلب من الوقت والإمكانيات، الانتقال بنا من لغة “عالمية” إلى أخرى؟ (من الفرنسية إلى الإنجليزية، مثلا)؟
فيما يتعلق باللغة المستعملة، أو التي يجب استعمالها للتدريس، هناك مشكل حقيقي في المغرب، يكمن في أن الكثيرين من نخبنا المقررة ومن الجمهور، يحتاجون إلى نظارات كبيرة جدا لتصحيح المشكل العويص في النظر، الذي يعانون منه حتى يتمكنوا من رؤية ما يقع في العالم القريب والبعيد؛ خارج الدائرة الضيقة المعتادة والمتمحورة حول فرنسا. والحديث عن اللغات العالمية نفسه يحتاج إلى توضيح، لأننا في المغرب نكاد نحصر هذه اللغات في الفرنسية و الإنجليزية، وأحيانا نضيف لهما الإسبانية والألمانية. كأننا ننفي عن باقي لغات العالم –من ضمنها العربية– صفة العالمية. وهو خطأ فادح ينم إما عن جهل، أو عن سوء نية لدى من لديهم أهداف من وراء ذلك.
 
الملاحظ أن الفرنسية التي تتوفر على لوبي قوي بالمغرب، آخذة في التراجع عالميا.. فلماذا التمسك بها لغة للعلم والتعلم؟
الفرنسية –وفرنسا نفسها– أصبحت خارج دائرة المنافسة عالميا، اقتصاديا وعلميا وحضاريا، ونحن لا زلنا متعلقين بها لأسباب لا يمكن تبريرها ولا قبولها اليوم. ومن غير المعقول من حيث الكرامة والسيادة للمغرب والمغاربة، أن يستمر البعض في وضع الفرنسية في مكان من القدسية، كأننا لا زلنا دولة مستعمرة أو تابعة أو مستلبة من فرنسا. وإذا كنا فعلا نحتاج لغة ثانية لتقوية انفتاحنا على العالم، فإن الفرنسية ليست هي الأداة الصالحة لذلك.. بل استعمال الإنجليزية هو الذي يجب أن يُناقش. وكما يقال بالدارجة: “اللي بلاه الله بالسعاية يمشي للدار الكبيرة” [من ابتلاه الله بالتسول، فليقصد دارا كبيرة]. و الدار الكبيرة هنا، من بين لغات العالم، هي لغة شكسبير [الإنجليزية]. أما لغة موليير[الفرنسية] فقد تجاوزها القطار بمحطات عدة.
 
(باحث ومحلل سياسي مغربي)

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي