الكراهية خطر على السلم والعيش المشترك

بمبادرة من نخبة من الخبراء والأساتذة المتخصصين في القانون الدولي حقوق الإنسان والإعلام في الجامعات ومراكز البحث والدراسات في المغرب، تم يوم الجمعة 10 مايو 2024 بمدينة الدار البيضاء تأسيس “المنتدى العربي- الأوروبي لمكافحة الكراهية” . وينص النظام الأساسي للمنتدى على أن هذا التنظيم المدني الجديد يهذف إلى نشر الوعي بخطورة الكراهية من خلال الرصد والبحث والتشخيص والتدريب والـتأهيل، والتعريف بالقوانين والمواثيق والإعلانات الدولية المتعلقة بحذر التحريض على الكراهية القومية والعنصرية والدينية، بالتنسيق مع الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ذات الاهتمام المشترك على الصعيدين العربي والأوروبي. وسيعمل المنتدى على تعزيز التربية على قيم التعايش والتسامح ونبذ الكراهية، وتفعيل دور التعليم في معالجة وبناء القدرة على مواجهة خطاب الكراهية، والمساهمة في تفعيل دور وسائل الإعلام في الحد من الكراهية والتوعية بمخاطرها، وتعزيز قدرات الصحفيين من أجل التعرف على خطاب الكراهية ومواجهته. وسيقوم المنتدى بإصدار تقارير سنوية حول الجهود المبذولة من أجل الحد من الكراهية، وسيعمل على ربط علاقات تعاون وشراكة مع المنظمات والجمعيات العربية والأوروبية النشيطة في مجال حقوق الإنسان . ونص النظام الأساسي للمنتدى على أنه مفتوح في وجه المهتمين بمناهضة الكراهية، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، من الخبراء والباحثين والإعلاميين.
لم يكن تأسيس هذا المنتدى ترفا فكريا أو مبادرة منعزلة عن السياقات الإقليمية والدولية الحالية . فمن خلال قراءة متأنية لبنود ومواد نظامه الأساسي، ومن تحليل عميق لأهدافه وآليات عمله، يتضح أن هناك عوامل متعددة ومتكاملة ساهمت بشكل قوي في بلورة فكرة إنشاء هذا المنتدى وسعي مؤسسيه إلى الانخراط في الجهود الإقليمية والدولية الهادفة إلى الحد من الكراهية ومكافحتها بأساليب علمية وحضارية . كما تم الاسترشاد بعدد من الوثائق المرجعية ذات الصلة من بين أهما :
• العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، وخاصة المادة 20 التي نصت صراحة على أنه ” تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف” .
• الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى التي حظرت في المادة 4 الدعوة إﻟﻰ اﻟﻜﺮاﻫﻴﺔ وشجبت ” أي محاولة تـبرير أو تعزيز أى شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصرى ”
• الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان التي نصت في المادة 13 على أن ” أية دعاية للحرب وأية دعوة إلى الكراهية القومية أو الدينية، واللذين يشكلان تحريضاً على العنف المخالف للقانون، أو أى عمل غير قانونى آخر ومشابهة ضد أى شخص أو مجموعة أشخاص مهما كان سببه بما فى ذلك سبب العرق أو اللون أو الدين أو اللغة أو الأصل القومى، تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون”
• الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان التي بالرغم أنها لم تجرم خطاب الكراهية لكنها سمحت فى الوقت نفسه باعتباره جريمة، إذ أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تنظر إلى قضايا التعبير وخطاب الكراهية والتحريض على نحو يتعامل مع كل قضية وفق ظروفها ومعطياتها بما يتوافق مع تلك المعاهدة .

• مدونة ﺳﻠﻮﻙ الاتحاد الأوربى لمكافحة خطابات ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ غير القانوني ﻋﻠﻰ الأنترنيت التي صدرت عن اجتماع لشركات تكنولوجيا المعلومات الكبرى عقدته مفوضية الاتحاد الأوروبى لشئون العدالة فى مايو 2016 بمدينة بروكسيل لمناقشة كيفية حماية الفضاء الرقمى من خطابات الكراهية والتحريض .
• الميثاق الأفريقى لحقوق الإنسان والشعوب الذي نص فى مادته 2 على أنه ” يتمتع كل شخص بالحقوق والحريات المعترف بها والمكفولة فى هذا الميثاق دون تمييز خاصة إذا كان قائما على العنصر أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأى السياسى أو أي رأى آخر، أو المنشأ الوطنى أو الاجتماعى أو الثروة أو المولد أو أى وضع آخر.”
• الميثاق العربى لحقوق الإنسان الذي أكد فى المادة 2 على ” أن أشكال العنصرية والصهيونية والاحتلال والسيطرة الأجنبية كافة هي تحد للكرامة الإنسانية وعائق أساسى يحول دون الحقوق الأساسية للشعوب ومن الواجب إدانة جميع ممارساتها والعمل على إزالتها”،
• إعلان حرية الإعلام فى العالم العربى الذي طلب من الدول أن ” تضع قوانين تحظر توزيع تصريحات تمثل دفاعاً عن الكراهية القومية، أو العرقية أو الدينية وتعتبر تحريضاً على التمييز أو العدوانية أو العنف” . وأكد الإعلان أن الإعلام “يتحمل مسؤولية مهنية، وأخلاقية، ومسؤولية تجاه المجتمع في محاربة الكراهية والتعصب والطائفية، وهذا يتضمن نشر تقارير صحافية دقيقة وموضوعية” .
• مبادرة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي أصدر مرسوم قانون عام 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.
• القرار رقم 65/224 بشأن مناهضة تشويه صورة الأديان الصادر عن الدورة الخامسة والستين للجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 11 أبريل 2011، وخاصة التوصية رقم 16 التي تحث جميع الدول على القيام، في إطار نظمها القانونية والدستورية، بتوفير الحماية الكافية من جميع أعمال الكراهية والتمييز والتخويف والإكراه الناجمة عن الحط من شأن الأديان وعن التحريض على الكراهية الدينية عموما .
• خطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية، والتي تجمع مجمل الاستنتاجات والتوصيات الصادرة من عدة ورش عمل للخبراء عقدَتْها المفوضية السامية لحقوق الإنسان عام 2011 ، وأكدت عدم وجود أى حظر قانونى للتحريض على الكراهية فى العديد من الأطر القانونية الوطنية عبر العالم، كما أن التشريعات التى تحظر التحريض تستخدم مصطلحات متفاوتة، وهي غالبًا غير منسجمة مع المادة 20 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية .
• وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها الدكتورأحمد الطيب، شيخ الأزهر وقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، فى فبراير 2019 بأبوظبى، حيث أكدت الوثيقة أن الأديان ” لم تكن أبدًا بريدًا للحروب أو باعثة لمشاعر الكراهية والعداء والتعصب، أو مثيرة للعنف وإراقة الدماء” وطالبت بوقف استخدام الأديان فى تأجيج الكراهية والعنف والتطرف والتعصب الأعمى .
• وثيقة مكة المكرمة 2019 التي اعتمدها 1200عالم ومفكر من مختلف المذاهب والطوائف، في ختام أعمال المؤتمر الإسلامي الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في نهاية شهر مايو من عام 2019 . ودعت الوثيقة في البند 9 إلى “سن التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية والمحرضين على العنف والإرهاب والصدام الحضاري “، كما أكدت في البند14 على أن ” الصراع والصدام يعمل على تجدير الكراهية واستنبات العداء بين الأمم والشعوب ” .

• قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 76/254 الصادر يوم 15 مارس 2022، والذي تم بموجبه الإعلان عن ( اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام)، والدعوة إلى تكثيف الجهود الدولية الرامية إلى تشجيع أقامة حوار عالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات، استنادا إلى احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات .
• إعلان القيم الإنسانية المشتركة الصادر عن” ملتقى القيم المشتركة بين أتباع الأديان “الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي في مدينة الرياض خلال شهر مايو 2022 . وقد دعا الإعلان جميع المؤسسات الدينية حول العالم إلى المساهمة في تشجيع الخطاب المعتدل الذي يبرز السماحة والتسامح الديني ونبذ الخطاب المتطرف الذي يثير الكراهية ويوظف الدين في افتعال الأزمات وتأجيج الصراعات .
• ميثاق جدة للمسؤولية الإعلامية الصادرعن المنتدى الدولي الذي نظمته الأمانة المساعدة للاتصال المؤسسي برابطة العالم الإسلامي واتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي تحت عنوان “الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف: مخاطر التضليل والتحيُّز” في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية خلال شهر نونبر 2023 . ودعا هذا الميثاق إلى مكافحة دعوات العنف والكراهية والتمييز العنصري، وممارسة العمل الإعلامي بحرية واستقلالية ذاتية، والالتزام بالمسؤولية الشخصية.
من جهة ثانية، يعد تأسيس “المنتدى العربي- الأوروبي لمكافحة الكراهية” مبادرة مدنية وحضارية تنطلق من مبادئ وقناعات فكرية منسجمة مع التوجهات العربية والأوروبية والدولية الداعمة لحوار الثقافات وتحالف الحضارات والتعايش بين أتباع الأديان واحترام حقوق الأقليات الدينية والمهاجرين واللاجئين . ومن هذه القناعات والمبادئ :
1- بالرغم من الجهود المتوالية التي تبذلها منظمات دولية، والتي تجد سندها في اجتهادات القضاء الدولي، وفي الاجتهاد الفقهي الدولي الرصين، فإن الإساءة إلى الأديان والمهاجرين واللاجئين بواسطة وسائل الإعلام، وخاصة الغربية، في تصاعد مستمر، كما أن التعصب الديني، والتنميط السلبي، وتحقير الأشخاص على أساس دينهم أو معتقداتهم أصبح آفة عالمية تفاقمت في السنوات الأخيرة، مما يستلزم التفكير في إيجاد حلول لوضع حد لهذه الظاهرة التي تزداد حدة وقوة من حين لآخر.
2- التأكيد على أهمية التربية على الحوار في مكافحة الكراهية ،وضرورة توعية الأطفال والشباب في مختلف مراحل التعليم بأن الآخر ليس عدوا، وليس خصما، ولكنه شريك في الإيمان بالله وبالقيم الإنسانية. إن التربية الدينية الحاضنة للتعددية وقبول الآخر أصبحت من الشروط الأساسية في التصدي لخطاب الكراهية عبر البرامج الإعلامية والسياسية.
3- إن محاربة الكراهية والتطرف والإرهاب إعلامياً وفكرياً، لا تقل أهمية عن محاربته أمنياً وعسكرياً، بل قد تكون أكثر أهمية، لما للإعلام من تأثير مباشر في نشر قيم التسامح والتعايش المشترك، وقبول الآخر، وترسيخ الإيجابية في المجتمعات.
4- إن حرية الرأي والتعبير، رغم كونها شبه مطلقة، فهي مقيدة بعدم المساس بالدين، وإثارة التمييز الديني والكراهية الدينية استنادا إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية حقوق جميع العمال المهاجرين وذويهم، واتفاقية الشعوب الأصلية، واتفاقية منع التميز ضد المرأة.
5- الحاجة إلى إصدار قوانين تقيد الخطابات المحرضة للأديان ولأتباعها، وتحرم الدعوة إلى العنصرية والكراهية الدينية انسجاما مع ما التزمت به من قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان. وليس القصد الحد من حرية التعبير، وإنما الغاية منه محاربة التحريض على الكراهية وتعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات لتحسين التفاهم وتقدير أوجه الشبه والاختلال، وتعزيز الاحترام والتسامح تجاه آراء معتقدات الآخر مع المحافظة على تعزيز واحترام التنوع الثقافي والديني التي تتفق مع قواعد ومعايير حقوق الإنسان.
لهذه الاعتبارات جميعها، فإن تأسيس “المنتدى العربي- الأوروبي لمكافحة الكراهية” من طرف نخبة من الأساتذة الجامعيين والخبراء في الحقوق والقانون والإعلام في المغرب إلى جانب مستشارين متعاونين من دول عربية وأوربية، سيسهم من دون شك في إثراء البحوث والدراسات حول أسباب الكراهية وايجاد الوسائل الناجعة لمكافحتها والحد من خطر انتشارها، من خلال تعزيز الشراكة بين مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ومراكز البحث المعنية في الدول العربية والأوروبية . كما سيمكن من خلق فضاء تواصلي قائم على الاحترام المتبادل والفهم والتفاهم والتعاون الأكاديمي والعلمي بين المشتغلين في مجال القانون وحقوق الإنسان والعلاقات الدولية والعلوم السياسية والاجتماعية والنفسية والتربوية والإعلام والاتصال والأديان المقارنة والتنوع الثقافي واللغوي وحوار الحضارات والديبلوماسية الحضارية .
إن الأمل معقود على أن يحظى هذا المنتدى في انطلاقته بدعم المؤسسات المعنية في المغرب والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية بقضايا الحوار والسلم والتسامح والعيش المشترك ومحاربة التطرف والإرهاب والكراهية والتمييز العنصري. فالمنتدى يسعى بالدرجة الأولى إلى المساهمة في دعم الجهود الدولية الرامية إلى مواجهة خطاب الكراهية وآثاره السلبية على المجتمع والإنسانية، والحد من الإساءة إلى الأديان، والتصدي لظاهرة كراهية المسلمين والمهاجرين واللاجئين ،وتوعية الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي بمخاطر أفكار التطرف والإرهاب، وتحصين المجتمعات من الانسياق وراء دعاة الحروب والفتن والطائفية والكراهية.

د. المحجوب بنسعيد
باحث في الاتصال والحوار الحضاري

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي