أميركا تراهن على الهند لمواجهة نفوذ الصين

ربما كان هدف الرئيس الصيني شي جين بينغ بعدم حضور قمة “مجموعة العشرين” في نيودلهي، تفويت الفرصة على الهند للشعور بالزهو، لكن يبدو أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي والولايات المتحدة وأوروبا، توصلوا إلى سبل لمواجهة الصين بشكل أكثر فعالية على الصعيد العالمي.

أشادت دول “مجموعة العشرين” بنجاح الهند في التوصل إلى اتفاق بشأن بيان مشترك ظل موضع شك قبل أيام فقط من اجتماع قادة العالم في أحد أهم الأحداث الدبلوماسية السنوية. وبصرف النظر عن التوصل إلى توافق بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا، وهي القضية الأكثر تعقيداً، فقد قبلوا أيضاً بالعضوية الكاملة للاتحاد الأفريقي في المجموعة، واتخذوا إجراءات بشأن قضايا مثل تغير المناخ واستدامة الديون، وهما من أبرز الأولويات التي تشغل الأسواق الناشئة.

أثارت النتائج النهائية غضب أوكرانيا، التي اعتبرت الاتفاق بشأن لغة الحرب أضعف مما توصل إليه القادة قبل 10 أشهر فقط في مدينة بالي الإندونيسية. لكن بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، فإن انتقاد بيان كان مشابهاً لبيان بالي ولا تأثير له يُذكر على أرض الواقع هو ثمن ضئيل يجب دفعه مقابل منح مودي نصراً يعزز مكانة الهند كقوة صاعدة قادرة على كبح نفوذ الصين عالمياً.

قاد الرئيس جو بايدن هذه المهمة، حيث اعتبر الهند أفضل أمل لإدارته لعزل الصين وروسيا، وتوفير دفعة قوية للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. وأظهرت النتيجة أن واشنطن تتعلم أخيراً لغة ما يُسمى بالجنوب العالمي، في ظل بروز الهند كقوة استرشادية أساسية لهذا المفهوم.

يشير ميلان فايشناف، مدير برنامج جنوب آسيا في مؤسسة “كارنيغي للسلام العالمي”، إلى أن “بعض المعلّقين يعتبرون اللهجة الضعيفة بشأن وصف الأزمة الروسية الأوكرانية دليلاً على “تراجع” الدور الغربي. لكن هناك طريقة أخرى لتصوره الأمر، وهي أن: الغرب بالتأكيد يستثمر أيضاً في تعزيز انتصار الهند. كان يمكن أن يكون عدم وجود توافق في الآراء بمثابة خيبة أمل كبيرة بالنسبة إلى نيودلهي”.

إذا كانت هناك لحظة تبرز ديناميكيات القمة، فقد تمثلت في عرض بايدن للجهود التي يقودها البيت الأبيض لتقديم المزيد من التمويل للدول النامية.

ظهر في الصور أجاي بانغا، وهو أول أميركي هندي يتولى منصب رئيس البنك الدولي، جنباً إلى جنب مع بايدن ومودي والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا، وهم الأعضاء الرئيسيون في مجموعة “بريكس”، إلى جانب الصين وروسيا. وتوسعت “بريكس” في وقتٍ سابق من هذا الشهر، ما يشكل تحدياً لمجموعة الاقتصادات المتقدمة السبعة.

في وقتٍ سابق من اليوم نفسه، انتقد نائب مستشار الأمن القومي الأميركي جون فينير الصين من خلال وصفه هذه الدول بـ”الأعضاء الديمقراطيين الثلاثة في مجموعة بريكس”، قائلاً إنها والولايات المتحدة ملتزمون جميعاً بنجاح قمة مجموعة العشرين. وتابع فاينر: “إذا لم تكن الصين كذلك، فهذا أمر مؤسف للجميع. لكن الأمر الأكبر من ذلك بكثير، برأينا، أنه أمر مؤسف بالنسبة إلى الصين تحديداً”.

الولايات المتحدة لم تكتفِ بهذا الحد.. فقد أعلنت بشكل أحادي عن اتفاق مع الهند والسعودية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل ودول أخرى في الشرق الأوسط لتطوير شبكة سكك حديدية وبحرية طموحة. وأشاد بايدن بهذه المبادرة واصفاً إياها بأنها “استثمار إقليمي يغيّر قواعد اللعبة”. وفي إشارة تعزز الاتفاق، تصافح الزعماء الثلاثة، الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الهندي، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي كان بايدن قال قبل الانتخابات الأخيرة بأنه غير مرغوب به.

من شبه المؤكد أن الإعلان عن مشروع سكة الحديد يراعي مصالح الشرق الأوسط أكثر من التشويش على موضوع حقوق الإنسان، حتى لو ظل الجدول الزمني للمشروع وتمويله غامضين. وبينما نفت الولايات المتحدة أن الهدف من المبادرة هو مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في الخليج، أقرّ مسؤول فرنسي بأنها تهدف إلى خلق منافسة لمبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2016، قائلاً إن ذلك ليس بالأمر السيئ.

هذا التجاهل من جانب رئيس الصين لقمة مجموعة العشرين للمرة الأولى منذ تولّيه مهام الرئاسة في 2013 شكّل تحوّلاً في التوجهات عن نوفمبر الماضي، عندما وصف نفسه بأنه رجل دولة يتحمل مسؤولية “التوافق مع الدول الأخرى”. كما خاطر المفاوضون الصينيون بالظهور بموقف ضعيف بينما كانوا ينظرون إحباط تقدم الهند، وذلك عبر اتخاذها مواقف بشأن قضايا ثانوية مثل استخدام مودي لعبارة سنسكريتية، ومحاولة واشنطن لاستضافة اجتماع مجموعة العشرين في عام 2026. ووصفت صحيفة “غلوبال تايمز”، التابعة للحزب الشيوعي، مبادرة الولايات المتحدة بشأن سكة الحديد بأنها “مجرد محاكاة” لخطة بكين للبنية التحتية في الشرق الأوسط.

تلطيف لغة الحرب
خلال القمة، انتقد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الصين لعرقلتها التوصل إلى بيان مشترك. وخلال المداولات خلف الأبواب المغلقة، أثارت بكين مسألة الوصول إلى أشباه الموصلات عند مناقشة الجهود المناخية، حسبما أفاد أشخاص مطلعون على المحادثات، ما دفع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان -وهو من أبرز المدافعين عن قيود التصدير الأميركية على الرقائق وتقنياتها إلى الصين- لانتقاد “فكرة جعل المناخ رهينة” قضايا غير ذات صلة.

بينما قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، الذي يمثل بلاده في القمة، في ظل غياب الرئيس شي، للقادة إن مجموعة العشرين “تحتاج إلى التوحّد بدلاً من الانقسام، والتعاون بدلاً من المواجهة”، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية “شينخوا”. وجاء كلامه عقب تعليق نشرته قبل ساعات مؤسسة أبحاث صينية تابعة لأكبر وكالة تجسس في البلاد، والتي انتقدت فيه الهند لأنها “أفسدت أجواء التعاون” في مجموعة العشرين، من خلال دفع أجندتها الخاصة إلى المناقشات.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي