قبل أكثر من نصف قرن، قال الملك الراحل محمد الخامس بعد فاجعة أكادير: “لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير فإن بناءها موكول لإرادتنا وإيماننا”. خرجت هذه المدينة من تحت الانقاض لتصبح كبيرة وجميلة بكل المقاييس وهي المدينة التي لا زالت تعرف البناء بقوة الإرادة والبناء. ولا أشك قيد انملة أن نفس معاني خطاب محرر المغرب هي التي تسكن حفيده الملك محمد السادس. بيان الديوان الملكي ليوم السبت وضع منهجا للتعاطي مع محنة المناطق التي تضررت من جراء زلزال يوم الجمعة. الأولوية القصوى أعطيت للإنقاذ وتوفير الوسائل المادية والبشرية وبعدها تم التركيز على المستقبل لإعادة البناء ولنقل إعادة الأمل.
في يومنا هذا والآلام تؤرق كل مغربي داخل كل شبر من وطننا من طنجة إلى لكويرة وذلك الذي يعيش خارجه ويحمله في قلبه إلى الأبد، يتحرك العالم لمؤازرة المغرب والتعبير عن تضامنه الحقيقي والجميل مع بلادنا.
المغرب بلد لا يمكن أن يكون سوى تلك الأرض المسكونة بقيم التساكن والتعايش واحترام الآخر والدود عن روابط التاريخ التي تجمع ثقافات متعددة ومتوافقة إلى الأبد من الصحراء إلى الجبال والهضاب مرورا بالقصبات والأنهار والتلال والشواطئ. هذا هو المغرب، تلك الشجرة التي يسري في جذورها وفروعها دم الوحدة والتعدد. قال الأطباء أن الحاجة ماسة إلى الدم فكانت الاستجابة سريعة وعاطفية وكبيرة. صفوف على مئات الأمتار تحمل في عروقها قيم التضحية والوفاء لصلات تتعدى صلة الدم لكنها مستعدة لملء مئات الآلاف من أكياس الدم الطاهر الذي سيسري في أجسام من تسبب الزلزال في حاجتهم إلى الدم.
نعم إرادتنا كبيرة وجماعية ومتضامنة لإعادة بناء ما خلفه الزلزال من آثار على الإنسان المغربي. إرادتنا كفيلة بإعادة النظر في التعامل مع المعمار المغربي بكثير من الحرفية والمسؤولية. أسوار مراكش تأثرت بفعل الزلزال وتبين أن ما خضعت له من أشغال كلفت كثيرا لم ينفعها أمام الهزة الأرضية. الكارثة التي نعيشها تحتم إعادة النظر في خارطة البناء في مناطقنا الجبلية. كل الخرائط المتاحة والتي تظهر تشتت المساكن والدواوير في أماكن صعبة ومكلفة جدا لربطها بشبكات الطرق والمياه والكهرباء والاتصالات وتحتم علينا إعادة النظر في مضمون وأشكال البناء في جبالنا وفي تلالنا وفي طريقة تدبير المشاكل التي تعيق تجميع مكونات السكن المتشتت مع ما يشكله من صعوبات لإيصال الخدمة العمومية إلى كل المواطنين.
كم هو جميل أن يجتاز وطنك أزمة وهو محفوف بعناية دولية تعترف بعراقته وبمواقفه الوسطية ورأسماله اللامادي. وأكبر دعم لكي تضمد الجراح هو مستوي نضج الوعي بالانتماء وترجمته إلى فعل تضامني عميق. حتى من يتحاربون بينهم سارعوا إلى التضامن مع المغرب والمثال يأتينا من روسيا وأوكرانيا ومن إيران كافة الدول الأوروبية والإمارات وقطر والسعودية ومصر وفلسطين والكثير من دول العالم. نعم نرضى بالقدر خيره وشره ولكننا يجب أن نعتبر هذا الامتحان فرصة لتعزيز التزامنا بقضايا الوطن. أبناء هذا الوطن من جيش ومحاربي النيران وشرطة وقوات مساعدة ومتطوعين يبينون أن التضحية بالغالي والنفيس سلوكا وليس مجرد شعار. ونحن نعيد بناء ما خربه زلزال، يجب علينا أن نعيد بناء ما خربه الإنسان. الكل يحب هذا الوطن ولذلك يجب أن نحاسب أنفسنا ونعيد بناء الثقة في مستقبل مؤسساتنا. من مراقب البناء إلى مراقب الانتخابات تتمدد سلسلة إعادة البناء المؤسسي.
هذا الوطن الذي يقاوم جراحه يحتاج إلى الصراحة “والمعقول ” والجدية والمحاسبة. لا يمكن أن نشكك في روابط مواطنة أي أحد، ولكننا مضطرين لكي نجعل من هذه اللحظة التاريخية والاليمة نقطة تفعيل دستور مملكتنا. نقول بكل صراحة ومسؤولية أن روح الانتماء للوطن ليست قسما ولا نشيدا ولكن التزاما بالقانون وسعيا لعدم معاداة مصالح الفقراء وذوي الدخل المحدود وذوي الأفكار الحرة وذوي الآراء التي تنتقد كل ممارسة ولو كانت خارجة من صندوق الانتخابات بأغلبية كبيرة. الوطن بيت كبير يأوي الجميع ولا يعادي من لا يمتلك أدوات السيطرة على القرار. سنعيد بناء المناطق التي تضررت من جراء الزلزال بالنية والفعل والإرادة. والله المستعان.
تعليقات ( 0 )