لعل من أبرز عناوين استقلال القرار المغربي، أن العلاقات الاستراتيجية الراسخة، التي تربط المغرب بالولايات المتحدة منذ عقود وبأوروبا، لم تمنع الرباط من عقد شراكات متعددة الأبعاد مع الخصمين اللدودين لواشنطن: روسيا والصين. ففي الخطاب الذي ألقاه أمام القمة المغربية الخليجية، في 20 أبريل 2016 بالعاصمة السعودية الرياض، عبر العاهل المغربي بوضوح على أن زمن اصطفاف المغرب اللامشروط وراء حلفائه التقليديين، قد ولى وانتهى إلى غير رجعة. كان الخطاب قويا ومحملا برسائل واضحة في اتجاهات شتى، خصوصا قوله إن «المغرب حر في قراراته واختياراته، وليس محمية تابعة لأي بلد». وإن «المغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجه نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي مع كل من روسيا والهند والصين».
وتبعا لذلك يلاحظ المراقب لسياسة المغرب الخارجية، أنها أُعيدت صياغتها بالكامل خلال العقدين الأخيرين، بحيث أصبحت أكثر وضوحا باعتمادها مبدأي البراغماتية والاستقلالية كقاعدة ثابتة. فالعالم يوجد منذ مطلع الألفية الثالثة في طور مخاض جديد، يعيد تشكيل العلاقات والتحالفات بحسب ما تقتضيه شبكة المصالح القومية المتجددة للدول. وقد فرض هذا الواقع الجديد بالضرورة على بلادنا، أن تعيد بدورها تقييم مجمل علاقاتها الخارجية، وتعيد بناء شبكة تحالفاتها على قاعدة المبدأين سالفي الذكر، وبما تفرضه عليها أولا وأخيرا تطلعاتها الاستراتيجية ومصالحها القومية.
فعسكريا، ورغم متانة العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، راهن المغرب على الصين للحصول على أسلحة نوعية بسعر مقبول، بينها طائرات بدون طيار وراجمات بعيدة المدى ومنظومات دفاع أرض-جو. أما اقتصاديا، فبعد انخراط بكين في مشاريع متعددة ببلادنا، توجه اهتمامها مؤخرا نحو الأقاليم الصحراوية، خصوصا الداخلة. كما أن الصين ملتزمة بالتعاون مع المغرب في مجال إنتاج اللقاحات. فقد وقعت الحكومة المغربية معها في يوليو2021، ثلاث اتفاقيات لإنتاج 5 ملايين جرعة من لقاح كورونا شهريا، باستثمارات حجمها 500 مليون دولار “لتعزيز السيادة الصحية للمملكة”.
أما على مستوى العلاقات مع روسيا، فقد كشف الممثل التجاري الروسي في المغرب، بأن الصادرات الروسية إلى المغرب ارتفعت خلال النصف الأول من عام 2021 بنسبة 20%، وهذا هو أفضل مؤشر حققته موسكو مع البلدان الإفريقية. وبحسب المصدر نفسه، يظل المغرب الشريك التجاري الثالث لروسيا في إفريقيا، على التوالي بعد مصر والجزائر. ووفقا لدائرة الجمارك الفيدرالية الروسية، فإنه بحسب نتائج العام الماضي، يعد المغرب من البلدان القليلة في العالم التي نمت إليها الصادرات الروسية ولم تنخفض.
روسيا والصين.. المغرب وسياسة تنويع الشركاء

تعليقات ( 0 )