حمل تقرير حديث اتهاما صريحا للمخطط الأخضر بالوقوف وراء موجة الغلاء التي يعاني المواطنون المغاربة منها منذ أزيد من سنة.
تقرير لحركة “معا” حول حقيقة التضخم قال أن الإحصائيات المقدمة من منظمة الأغذية العالمية ” الفاو ” تشير إلى نسبة 5.6 % من المغاربة ( 2.1 مليون شخص ) يعانون من سوء التغذية سنة 2021 ، غير أن هذا الرقم الكبير قد تفاقم خلال سنتي 2022 و 2023 .
وحسب التقرير فقد عجت وسائل التواصل الرقمي بفيديوهات تحمل المعاناة الكبرى التي طالت السلة الغذائية للمواطنين وضريت اللازمة الشعبوية ” لا أحد يموت جوعا في المغرب” .
وقالت الحركة أن موجة التضخم بدأت بشكل تدريجي مع عودة النشاط الاقتصادي بعد جائحة كورونا وارتفاع الطلب العالمي على المواد الأولية عامة والطاقية خاصة ، مما أنتج ارتفاعا في كلفة الإنتاج وارتفاعا في المستوى العام للأسعار . وقد تفاقمت الموجة التضخمية واتخذ بعدا أكبر بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية لارتباط أسواق النفط والغاز والغذاء العالمية بالمنتجين المتحاربين ، واضطراب سلاسل التسويق إثر فرض العقوبات الغربية على روسيا . ساهمت هذه المعطيات في تشكل الموجة التضخمية الأولى في المغرب والتي يمكن اعتبارها مستوردة .
صادفت هذه الظروف موسما فلاحيا جافا وتراجعا للقيمة المضافة لقطاع الفلاحة بما يناهز الثلثين مقارنة بسنة 2021. وأدى هذا التراجع إلى انخفاض العرض الغذائي ليتحول التضخم من ظاهرة مستوردة إلى ظاهرة محلية الصنع تتكاثف العديد من العوامل في تشكلها واستمرارها ، بل في تقويتها .
وبسطت الحركة عددا من المعيطات التي تفسر الوضع الحالي بالمغرب ومنها بنية تسويق المواد الغذائية التي تعاني من ممارسات احتكارية ومضاريات متتالية قدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنها مسؤولة عن رفع ثمن المنتوج بأكثر من أربعة اضعاف عن ثمن بيع الفلاح ( تقرير المجلس 2021 ) .
هذا إلى جانب تمثل بنية التخزين وأسواق الجملة إشكالية بنيوية في تسويق الخضر والفواكه ، بحيث أن 25 % بدون بنية ، و 60 % منها بنيتها ضعيفة ، مما يؤدي إلى فقدان 40 % من منتوج بعض المواد .
كما تخضع بنية التسعير عبر أسواق الجملة لإضافة ريعية تعادل 7 % من رقم المعاملات دونما مساهمة في الإنتاج أو التسويق ، بل يجسد الأمر تكملة للصورة القاتمة للبنية الريعية المتحكمة في مفاصل الاقتصاد الوطني .
وقالت الحركة أن المخطط الفلاحي ” المغرب الأخضر ” ركز على الزراعة التسويقية الموجهة نحو الأسواق الخارجية . فرغم الدعم الكبير الذي تم تخصيصه للبرنامج فإن نتائجه ظلت محدودة على الفلاحة المعيشية . في المقابل أدى الاستنزاف الحاد للمقدرات المائية إلى اللجوء إلى موارد أعلى تكلفة كتحلية مياه البحر ، مما سيؤدي إلى ارتفاع كلفة الإنتاج ( ارتفاع ثمن المتر المكعب من الماء من درهمين حاليا إلى 5 دراهم ) ، وبالتالي استمرار هذه الموجة التضخمية .
كما يعاني القطاع الفلاحي من ضعف الصناعة التحويلية المرتبطة به بحوالي 4 % من إنتاج الخضر والفواكه الموجه نحو الصناعة الغذائية ، مما يفقد السوق مقدرة كبيرة على استغلال هامش الضياع المقدر ب 40 % كما ورد سابقا .
وحسب الحركة أدت كل هذه العوامل إلى بروز التضخم في شكله المحلي ، مما ينبئ باستمرار تأثيره على المواطنين رغم الوعود الغير الواقعية للحكومة التي بنت توقعاتها لميزانية 2023 على نسبة تضخم لا تتعدى 2 % ، بينما يشير بنك المغرب والبنك الدولي إلى نسبة 5.5 % كمعدل متوقع برسم السنة . ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاستبشار بهذه النسبة التي يجب تفسيرها بشكل واضح للمواطنين ، والتي تعني أن المستوى العام للأسعار هذه السنة سيرتفع ب 5.5 % عن مستوى أسعار 2022 ، والتي ارتفعت بدورها ب 6.6 % عن مستوى أسعار 2021 .
وقالت الحركة “نقف مشدوهين أمام التضارب في الأرقام بين الحكومة والمندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب ، وهي مؤسسات عمومية يفترض فيها التكامل والثقة المتبادلة . وإذا كانت المندوبية السامية للتخطيط هي المؤسسة العمومية الموكول بها احتساب مؤشر أثمنة الاستهلاك معدلات التضخم عبر استبيانات شهرية ، فإن الترويج لأرقام مخالفة لأرقامها من طرف مؤسسات دستورية يؤكد التخبط الكبير الذي عشناه لسنوات طويلة مع الحكومات السابقة ، ويفقدنا الثقة المهتزة أصلا ، كمواطنين وفاعلين اقتصاديين في كل الأرقام والمعطيات الرسمية .
وخلصت الحركة لكون التضخم في المغرب صار هيكليا يعكس اختلالات الخيارات الاستراتيجية السابقة لضمان الأمن الغذائي للمواطنين المغاربة .
وقالت أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لا تتعدى طابع البهرجة ، ومحاولة للتخفيف من ظاهرة عميقة بدت غير قادرة على استيعاب عمقها .
كما شددت على أن إصلاح بنية التسويق أولوية في السياسة الغذائية ، ولن يستقيم الإصلاح إلا بتغيير النظام الحالي بتجاوز أسواق الجملة المتهالكة وخلق بني عصرية تتيح للمنتجين تسويق منتوجاتهم دونما خضوع للوساطات والمضاربات ، مما سيتيح وضوح في العرض والطلب ونظام التسعير .
وقالت أنه ورغم ارتفاع الدعم للأسعار الذي ناهز 2 % من الناتج الداخلي الخام ، فإن استمرار التشبث بالسياسات التنموية الخاضعة لمنطق التقلبات المناخية يهدر كل هذه الجهود ، ويفتح بابا جديدا للاستفادة الريعية للشركات المعنية وللفئات غير المسحقة للدعم .
وتابعت بأن اختيار سياسة حرية التسعير يحتاج مؤسسات موازية تعمل على كبح المضاريات والتوافقات واللولبيات .
كما حمل التقرير إدانة صريحة لمجلس المنافسة وقال “إذا كان مجلس المنافسة مؤسسة دستورية يفترض فيها القيام بهذا الدور ، فإن محدودية تأثير تقاريره تجعله مجرد ديكور يوحي ببنية اقتصادية حرة وتنافسية ، ولعل تقرير شركات المحروقات أكبر دليل على الخلاصة المتوصل إليها .
وقالت الحركة أن الخلاص من أزمة التضخم يحمل في طياته جرأة سياسية كبيرة من خلال زعزعة البنيات الريعية المستحكمة في الاقتصاد الوطني ، والتي تسترزق وتراكم الثروات من جيوب البسطاء ، وكل إجراءات خارج هذا التوجه تبقى مجرد محاولة تطهير خارجي لجرح عميق ومتعفن ، لتختم بسؤال “هل نملك الجرأة على خوض هذا”.
تعليقات ( 0 )