سالم عبد الفتاح: المغرب يبني التحالفات الاستراتيجية والجزائر تشتري المواقف

1- دشنت الجزائر قبل أسابيع قليلة حملة ديبلوماسية “هجومية”، يرى خبراء أنها لتسويق مقاربة الجزائر للأزمة الليبية ولملف الصحراء. دعني في البداية أسألك: من حيث التوقيت، كيف تقرأ كمراقب هذه التحركات الجزائرية في المنطقة المغاربية؟
فلا يخفى عليكم أن السياسة الخارجية للدول ما هي في حقيقة الأمر سوى مرآة عاكسة لجبهتها الداخلية. ووضع النظام الجزائري الداخلي لم يكن في أحسن أحواله منذ مرض رئيسه الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وخاصة منذ اندلاع الحراك الشعبي. وبالتالي فمن الطبيعي أن يتراجع أداء الدبلوماسية الجزائرية، التي تتحرك في سياق جيوسياسي جد مضطرب. وهذا التراجع سيصب في صالح الدبلوماسية المغربية طبعا.
فعلى مستوى قضية الصحراء التي تعتبر مجال الصراع الأهم ما بين الجزائر وجارتها المغرب، فقد تكبدت الجزائر خسائر مهولة في الفترة الأخيرة. كان أهمها خسارة البوليساريو المدعومة من طرفها لمجموعة من المواقع الاستراتيجية، أبرزها معبر الكركرات ومنطقة التويزكي الحدودية، على إثر عمليات تمديد الجدارات الدفاعية التي أقدم عليها الجيش المغربي.
فضلا عن فشل مقاربة النظام الجزائري التصعيدية، سواء تلك التي اعتمد فيها على البوليساريو لحلحلة الوضع على الأرض، حيث انتهت بسيطرة جوية عسكرية مغربية على كامل تراب الإقليم، بما في ذلك الشريط العازل شرق الجدار، بفضل العمليات النوعية التي يشنها الطيران العسكرية المغربي. أو حتى تلك الخطوات التي باشرتها الرئاسة الجزائرية عن طريق مجموعة من البيانات والمواقف، كإعلانها عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وغلق المجال الجوي الجزائري في وجه الطيران المغربي، وعدم تجديد اتفاقية تصدير الغاز إلى إسبانيا والبرتغال عن طريق المغرب.
 
2 على ذكر العلاقات الجزائرية المغربية، كيف تقيم سياسة البلدين الخارجية؟
يبدو التغلغل المغربي الاقتصادي في غرب ووسط القارة الإفريقية في ازدياد ملحوظ، من خلال منتجاته الفلاحية التي تحظى بمستوى جيد من التنافسية، وعبر العديد من أذرعه الاستثمارية. وهو ما حذا بخصومه إلى محاولة عرقلة تواجده في دولة مالي، التي تعتبر بمثابة حديقة الجزائر الخلفية، عن طريق استهداف رعاياه بعملية ارهابية راح ضحيتها سائقو شاحنات نقل البضائع المغربية.
وفي حين يحصد المغرب نتائج استقراره وسياسته الخارجية المتزنة التي تجاوزت محيطه المباشر، من خلال أدوار الوساطة والمساعي السلمية التي يخوضها في الأزمة الليبية مثلا، تجد الجزائر صعوبة كبيرة في تجاوز الإشكالات والمخاطر الأمنية التي يزخر بها جوارها الإقليمي، والذي يشهد عديد الأزمات العسكرية والسياسية المستعرة سواء في مالي، أو ليبيا، أو تشاد، وحتى في تونس مؤخرا.
وبالتالي ففي ظل غياب خطط استراتيجية، لدى النظام الجزائري لأجل تحصين موقعه في المنطقة، وبلورة سياسات خارجية في جواره الإقليمي، بسبب انكفائه على نفسه طوال عقود من الزمن، ونتيجة خصوصيته السياسية وطبيعة اقتصاده المقتصر بدرجة كبيرة على صادرات النفط والغاز، فمن الطبيعي أن يجد نفسه في وضع متراجع قياسا لجاره المغرب، الذي بدأ يرجح كفة الصراع الإقليمي لصالحه، ويفرض نفسه كرقم صعب في منطقة شمال وغرب إفريقيا، بفضل وضعه المستقر ومقدراته الاقتصادية الهامة، وموقعه الاستراتيجي المتميز، في ظل مناخ دولي يشهد عودة الاستقطاب لمجموعة من القوى في المنطقة، وتفجر عديد الأزمات بالمنطقة.
 
3ما هو الغرض من هذه الحملة الديبلوماسية الجديدة؟ هل تسعى الجزائر من ورائها إلى إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة؟ أم أنها تبحث فقط عن تموقع سياسي جديد، في ضوء التغيرات الجيواستراتيجية الجديدة؟
بالتأكيد، فالمنطقة تشهد تطورات دراماتيكية متسارعة، أفضت إلى سقوط أنظمة وتغيير أخرى. كما شهدت اندلاع حروب وتمردات، بما في ذلك في جوار الجزائر الشرقي والجنوبي. لكن الجزائر عجزت عن مواكبة تلك التطورات وبقيت في موقع المتفرج، بعد أن احترقت ورقة الجماعات الإسلامية في دول الجوار التي لطالما وظفتها الجزائر، في ظل الحرب المعلنة على الإرهاب التي تخوضها عديد القوى الدولية في المنطقة. بعد أن كانت الجزائر حاضنة لتلك الجماعات ومهدا لها، خاصة إبان الحرب الأهلية التي شهدتها سنوات تسعينيات القرن الماضي.
لكن النظام الجزائري يعكف حاليا على محاولات، لاسترداد أنفاسه والعودة للتنافس على النفوذ في المنطقة، معتمدا بالأساس على ورقة الحليف الروسي الذي يحاول التغلغل عبر ذراعه الأمني الخاص “فاغنر”، باعتبار الجزائر إحدى أكبر زبناء التسليح الروسي. إلى جانب توظيف البترودولار في ظل ضعف تنافسية المنتجات الجزائرية بسبب طبيعة اقتصادها الريعي. فضلا عن استحضار ورقة العدو الخارجي، التي يحاول من خلالها النظام الجزائري تعليق فشل سياساته وتصدير أزماته، وبالتالي ضبط جبهته الداخلية. وهو ما يفسر لهجة العداء والتصعيد التي انتهجها لمواجهة المغرب مؤخرا.
 
4  في هذا السياق، حصل كل من الرئيس الفلسطيني على 100 مليون دولار، والتونسي على 300 مليون والموريتاني على 200 مليون. ما الذي يفسر هذا “السخاء” الرسمي، إذا ما استحضرنا بأنه يتم في وقت تعيش الجزائر بنفسها، أزمة مالية واجتماعية غير مسبوقة؟ هل هي رشاوي لشراء مواقف سياسية مثلا؟
في ظل غياب سياسات حقيقية للتأثير في جوارها لتحقيق أي اختراق للتغلغل المغربي في المنطقة، فمن الطبيعي أن يلجأ النظام الجزائري لسياسة شراء المواقف، لمواجهة سياسة بناء التحالفات والشراكات الاستراتيجية التي دأب عليها المغرب. ففي حين كشفت أزمة الكركرات الأخيرة عن ارتباط الأمن الغذائي لبلدان مجاورة [موريتانيا مثلا] بتوفر أسواقها على المنتجات المغربية، لا تزال الجزائر عاجزة عن تنشيط معبرها البري المدشن مؤخرا مع موريتانيا.
وأما بالنسبة لليبيا فقد خسرت الجزائر مواقف الأطراف جميعا، حيث يقدم الجناح المحسوب على الجنرال حفتر على غلق الحدود البرية مع الجزائر، وتبادر وزيرة خارجية حكومة طرابلس المعترف بها دوليا بالتنازل عن ترشيحها لنيل عضوية مجلس السلم والأمن الإفريقي لصالح المغرب، في خطوة ستعزز تموقع هذا الأخير في انتظار تسلم حليفته السنغال لرئاسة الاتحاد الإفريقي. كما يلعب المغرب دورا رئيسا في المساعي والوساطات التي تهم الأزمة الليبية.
ورغم نجاح سياسة شراء المواقف التي عكفت عليها الجزائر في التأثير على تونس، التي اختارت الامتناع عن التصويت بمعية روسيا في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة حول الصحراء أواخر أكتوبر الماضي، والتي انتهت بالتصويت على قرار يصب في صالح المغرب. إلا أن هذا الأخير استطاع اختراق العديد من “القلاع” الإفريقية الوازنة، التي كانت معروفة بقربها وتأييدها سابقا للجزائر والبوليساريو، كنيجيريا، وإثيوبيا وعديد الدول الأخرى الناطقة بالإنجليزية، خاصة جنوب وشرق القارة الإفريقية. وذلك بفضل عقد المغرب شراكات اقتصادية معها، همت استثمارات في مجالات صناعة الأسمدة، والبنوك، والاتصالات، والتأمينات… في حين تظل الجزائر مقتصرة على توظيف البيترودولار [سياسة دفتر الشيكات]، الذي يرتبط بأسواق النفط المضطربة وبمدى توفرها على السيولة. وهي مقاربة باتت متجاوزة بالنسبة لدوائر صنع القرار في بلدان القارة الإفريقية، التي باتت تشهد معدلات نمو مرتفعة وتحولات في طبيعة الأنظمة السياسية، وبالتالي تغيرا أيضا في مقاربتها السياسية الخارجية.
 
5 في مقابل ذلك يُلاحظ أن القيادة الجزائرية، خفضت من نبرة تهديداتها بشن حرب على المغرب. بتقديرك إلى ماذا يعود ذلك؟
ينبغي العودة لأسباب التصعيد الجزائري التي أشرت إليها آنفا، وتحديدا الوضع الداخلي المتأزم بالجزائر من جهة، والتطورات الميدانية والسياقات الدولية التي شهدها ملف الصحراء في فترات سابقة من جهة أخرى. وهي تطورات أفضت إلى ما يمكن وصفه بتغير ملحوظ على مستوى موازين القوى، بالنسبة للأطراف المتصارعة حول الصحراء. كما أثرت على المقاربة الأممية المتجسدة في توصيات الأمين العام الأممي المضمنة في تقاريره، وقرارات مجلس الأمن التي تؤكد على طبيعة الحل السياسية المتوافق عليه.
كما استطاع النظام الجزائري أن يؤجل المطالب الشعبية التي رفعها الحراك الشعبي، مستغلا تداعيات جائحة كورونا وشماعة “العدو الخارجي” المتمثل بالنسبة له في المغرب. بحيث سيطبع إن عاجلا أم عاجلا مع الوضع القائم بالصحراء، والذي يشهد حالة حسم ميداني كامل لصالح المغرب، وسيطرة تامة على كافة المواقع والمقدرات الاستراتيجية بالإقليم. خاصة بعد فشل سياسة التصعيد الجزائري في كبح جماح الدور المغربي في المنطقة، وانتفاء حاجة النظام الجزائري الملحة لورقة العدو الخارجي.
وهذه التطورات ستفضي بأطراف النزاع إلى الجلوس على طاولة الحوار، بحثا عن تفاهمات وتوافقات جديدة، لن تخرج عن سياق المقاربة الأممية المتسمة بالواقعية والعقلانية. والتي ستكرس السيادة المغربية على الإقليم مع ضمان الحد الأدنى من المصالح الجزائرية، إلى جانب مصالح بقية الأطراف المتدخلة في النزاع حول الصحراء.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي