فقراء مصر ضحية سياسات التعويم والاستدانة…

وقّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس الجمعة، قانونا بفتح اعتماد إضافي في الموازنة للسنة المالية الحالية التي ستنتهي في يونيو بقيمة 165 مليار جنيه (5.4 مليار دولار) فيما كشفت دراسة عن مدى تضرر الفقراء من الأزمة الحالية.
وذكرت صحيفة «الأهرام» المملوكة للدولة، أن الاعتماد موزع على بنود الأجور وتعويضات العاملين والفوائد والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية.
وتواجه مصر تبعات اقتصادية للحرب في أوكرانيا. ووافق البرلمان هذا الشهر على مشروع قانون لفتح الاعتماد الإضافي بالموازنة.
وقال في بيان «التحديات التي تواجهها البلاد نتيجة الأزمات العالمية، ومنها الحرب الروسية الأوكرانية تسببت في تداعيات وآثار اقتصادية تقوم الدولة بالتعامل معها بتوفير حزم رعاية اجتماعية، الأمر الذى جعل هناك التزاما على الدولة بلغت قيمته بنحو 165 مليار جنيه».
وتعاني البلاد من ارتفاع تكاليف واردات الحبوب والوقود على وجه الخصوص. وانخفض سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري بمقدار النصف تقريبا إلى حوالى 30.87 جنيه للدولار منذ مارس بعد أن كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن نقاط ضعف في المالية العامة للبلاد.
مع تواصل الأزمة، تتزايد المخاطر على قدرة على توفير احتياجاتهم الأساسية خصوصا مع توقعات بتعرض الجنيه المصري لفقد المزيد من قيمته خلال الأسابيع المقبلة.
وقررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري في اجتماعها أمس الأول الخميس رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 18.25 ٪،19.25 ٪ و18.75 ٪ على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 18.75٪.
وقالت في بيان: «على الصعيد العالمي، انخفضت حدة توقعات أسعار السلع العالمية مقارنة بالتوقعات التي تم عرضها على لجنة السياسة النقدية في اجتماعها السابق. واستمرت حالة عدم اليقين المرتبطة بتوقعات تلك الأسعار، ويتمثل أهمها في آفاق اختلالات سلاسل التوريد العالمية وتوقعات النشاط الاقتصادي العالمي في ضوء سياسة الإغلاق المصاحبة لجائحة كورونا في الصين، بالإضافة إلى التطورات الأخيرة في القطاع المالي في الاقتصادات المتقدمة».
وقد انعكست تلك التطورات «في تقلبات كبيرة في الأوضاع المالية للاقتصاد الأمريكي والاتحاد الأوروبي، مما يؤكد ارتفاع مستويات عدم اليقين المتعلقة في الاقتصاد العالمي».

تباطؤ النشاط الاقتصادي

وعلى الصعيد المحلي «تباطأ معدل نمو النشاط الاقتصادي الحقيقي بشكل طفيف ليسجل 3.9٪ خلال الربع الرابع من عام 2022 مقارنة بمعدل نمو بلغ 4.4 ٪خلال الربع الثالث من عام 2022. وبالتالي، سجل النصف الأول من العام المالي 2022/2023 معدل نمو بلغ 4.2٪».

تراجع استهلاك 85٪ من الأسر للحوم… و73٪ قللت من الدواجن

وفيما يتعلق بسوق العمل، لفت بيان البنك المركزي المصري، إلى أن معدل البطالة سجل 7.2٪ خلال الربع الرابع من عام 2022، مقارنة بمعدل بلغ 7.4٪ خلال الربع الثالث من عام 2022.
إلى ذلك، كشفت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في دراسة اقتصادية، عن آثار السياسة النقدية التي تتبعها الحكومة منذ عام 2016، وتأثير موجات الغلاء على معيشة المصريين، في تزايد الفقر والفقر المدقع، مع تراجع القيمة الحقيقية للدخل، وتعدد الموجات الأخيرة من ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض الجنيه، بما يحرمهم من تأمين احتياجاتهم الأساسية.
واستعرضت الدراسة التي حملت عنوان: «كيف يعيش الفقراء في ظل الغلاء: أثر ارتفاع الأسعار وتخفيض الجنيه على حقوق المصريين» موجات التضخم التي توالت تباعاً منذ عام 2016، مع تطبيق أول برنامج لصندوق النقد مع الحكومة وتواصلت مع أزمتي كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، وعودة الصندوق باتفاق قرض جديد وبرنامج جديد نهاية عام 2022.
وأوضحت أن موجات الغلاء الأخيرة جاءت بعد صدمات متتالية، تلت قرار تخفيض العملة عام 2016، ورفع أسعار الوقود أكثر من مرة، أعقبه توقف العديد من الأنشطة مع انتشار وباء كورونا، في وقت كان 31 مليون شخص يعانون من الوقوع تحت خط الفقر القومي، رصدهم جهاز التعبئة العامة والإحصاء في تقريره عن الدخل والإنفاق في مصر لعام 2019-2020، بزيادة تبلغ نحو 5٪، عن المعدلات السائدة عام 2010-2011، وبلغ معدل الفقر 29.7٪ عام 2020، ويواجه 4.5٪ من السكان فقرا شديدا لا يمكنهم من تدبير حاجاتهم الأساسية يوميا.

عوامل الهشاشة الاقتصادية

وفندت الدراسة الخطاب الحكومي الذي يلقي باللوم فقط على التطورات العالمية، مستعرضةً عوامل الهشاشة الاقتصادية ونتائج السياسة الاقتصادية، التي تم اتباعها بالاتفاق والتنسيق مع صندوق النقد الدولي. هذه السياسة زادت من أعباء وحجم الدين العام، ومزجت بين التقشف وتخفيض الإنفاق العام ورفع أسعار الخدمات العامة، وبين تخفيض سعر العملة، مما كان له آثار تضخمية بالغة، كشفت نفسها في صدمات عميقة في الأسعار، قفزت بمعدل التضخم لأسعار المستهلكين لأعلى مستوياته في خمس سنوات في فبراير الماضي، ورفعت معدل التضخم الأساسي لمستوى 40٪، وهو الأعلى في تاريخه.
وترصد الورقة أيضاً النتائج المباشرة لهذه الأوضاع على حياة المصريين، وبالذات الشرائح الأفقر منهم، ممن ينفقون ما يقرب من نصف دخلهم على الغذاء، وهو البند الذي قاد الارتفاعات السعرية، وذلك بالمقارنة بمستويات معيشتهم قبل بداية الموجة الأخيرة من الغلاء، بدءاً من عام 2022. إذ أن المجموعات الفقيرة تتأثر بتضخم أسعار الغذاء بشكل أكبر من غيرها، ﻷنها تخصص جزءًا أكبر من دخلها المحدود لاستهلاكه.

زيادة معدلات الفقر

تشير الدراسة إلى زيادة معدلات الفقر وقلة الغذاء، مدفوعة بانخفاض العملة وزيادة معدلات الأسعار وتكلفة المعيشة، بما يمس حقوقهم الاجتماعية والسياسية وفرص حصولهم على الغذاء الكافي الذي يستهلك نحو 50٪ من الدخل لدى الطبقات الفقيرة، ويحرمهم من الخدمات الأساسية، ويعمق اللامساواة.
وتظهر تراجعا في استهلاك 85٪ من الأسر من تناول اللحوم، كما خفضت 75٪ من استهلاكها للبيض، و73٪ قللت من استهلاك الدواجن، و61٪ خفضت من تناول الأسماك و60٪ قلصت نفقاتها على شراء الألبان، بسبب ارتفاع الأسعار، وفقا لمسح ميداني أجراه المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في مناطق مختلفة في المحافظات، خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

استبدال اللحوم

يشير التقرير إلى استبدال الأسر الفقيرة اللحوم والحبوب والخبز، التي وصلت نسبة الزيادة في أسعارها إلى 61.5٪ في فبراير الماضي، بالبطاطس والمعكرونة، للحصول على عناصر غذائية بأقل تكلفة.
وبينت أن ذوي الشرائح الدنيا الذين يعيشون في فقر مدقع عام 2019، بدخل يقل عن 550 جنيهاً، صارت أوضاعهم شديدة القسوة، مع ارتفاع معدلات زيادة أسعار الطعام والشراب والمسكن والملبس وخدمات التعليم والصحة والمواصلات والرعاية الصحية، مع تركز الفقر في المناطق الريفية، وخاصة الوجه القبلي الذي يعيش فيه 43٪ من الفقراء على مستوى الجمهورية.
وأشارت إلى أن تراجع قيمة الجنيه سيؤدي إلى مزيد من التدهور في قيمة الحد الأدنى للأجور بالجنيه مقابل الدولار، مبينا أنه على الرغم من زيادة الحد الأدنى للأجر بين عامي 2011 و2022 بأكثر من 300٪، لكن قيمتها مقومة بالدولار لم ترتفع بأكثر من 5٪، وبعد التراجع الكبير في قيمة العملة خلال الأشهر الأخيرة، فهي مرشحة للتآكل.
وتناولت دارسة المبادرة توجه الحكومة إلى رفع الدعم النقدي للطبقات المعدمة عبر برامج تكافل وكرامة اعتبارا من أول إبريل 2023، وفقا لاتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي، من 350 إلى 500 جنيه شهريا، ليصل الدعم بعد الزيادة إلى ما بين 438 و625 جنيها، بما يعادل 14.6 إلى 20.8 دولار للأسرة شهريا، رغم أن البرنامج لا يشمل تحت مظلته ما يقرب من نصف الفقراء.
وأوصت بضرورة اتخاذ الدولة قرارات حاسمة لإخراج الاقتصاد من مأزق الديون، وتعديل المسار بالتوجه نحو إنتاج سلع وخدمات حقيقية، للخروج من أزمة التضخم وتخفيض العملة، وتحسين الأجور ووقف التدهور العنيف في مستويات المعيشة، وتخفيض الضرائب المرتبطة مباشرة بالاستهلاك مثل ضريبة القيمة المضافة.
وكان الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء السكان ـ مؤسسة حكومية – قسم المواطنين إلى عشر شرائح حسب إنفاقهم، لتسهيل المقارنة بين مستوياتهم المعيشية. ويُظهر بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك في آخر نسخه قبل ثلاث سنوات أن الشرائح الأكثر فقرًا تنفق نسبة أكبر من الدخل على بنود الطعام والشراب مقارنةً بالفئات الأعلى، حيث توجه الشريحة الأقل دخلاحوالى 47٪ من إنفاقها لهذا البند. وتقل النسبة قليلافي الشريحتين الثانية والثالثة الواقعتين تحت خط الفقر، ولكنها تبقى قريبة من نصف النفقات.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي