تمة قناعة في المغرب بأن الفساد بات جزء من الحياة العامة، بالرغم من كل المجهودات المبذولة. فلم يكن تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها إلا ناقوس خطر، تزكيه مختلف التقارير الدولية وعلى رأسها تلك الصادرة عن “ترانسبارنسي”. فخلال سنة واحدة تقهقر المغرب إلى الرتبة 94 متراجعا بسبع مراتب مقارنة بسنة 2021.
ليس الفساد مرتبط فقط بالرشوة أو الارتشاء، بل هو مفهوم شامل للإثراء غير المشروع والاختلاس والوساطة وتضارب المصالح والغدر والابتزاز والتلاعب في المباريات وخياكة الصفقات على المقاس وغيرها..لذلك فإن التكلفة ثقيلة جدا، وتتراوح في بلادنا بين 5 و7 في المائة، أي ما يزيد عن 50 مليار درهم، أي ما يكفي لبناء عشرات المستشفيات الجامعية والمؤسسات التعليمية الراقية والطرق السيارة..وغيرها من المشاريع العملاقة.
كل هذا يقع بينما لا تتوقف عدد من المؤسسات في إصدار الإنذارات، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات الذي يبذل قضاته مجهودات كبيرة في المراقبة وفحص إنفاق المال العام وتقييم عدد من السياسات العمومية والبرامج التي تكلف ميزانية الدولة اعتمادات كبيرة، دون أن تكون لملاحظاته وتوصياته آثار حقيقية على أرض الواقع.
منذ سنة 1960، حين تم إحداث اللجنة الوطنية للحسابات، مرورا بسنة 1979 تاريخ إحداث المجلس الأعلى للحسابات، ثم 1996 حين تم الارتقاء به إلى مصاف المؤسسات الدستورية، وما تلى ذلك من تطورات إلى غاية دستور 2011..بين كل هذه المراحل، جرت مياه كثيرة تحت الجسر..ونهبت أموال كثيرة فشلت كل الحكومات المتعاقبة في استرجاعها، ويتأسس بذلك مفهوم الإفلات من العقاب.
اليوم، ينشر المجلس الأعلى للحسابات تقريرا جديدا يفضح فيه واقعا لا يرتفع، يجعلنا نتساءل عن جدوى إنفاق ميزانيات ضخمة على عدد من المشاريع التي لا نجد أثرها على أرض الواقع، وخير مثال على ذلك هو صفقات اقتناء “الرادارات”..فخلال 4 سنوات، لم يجر تشغيل إلى بضعة عشرات من أصل أزيد من 500 كلفت أزيد من 27 مليار سنتيم.
نفس الأمر يمكن إسقاطه على قرار تخفيض أسعار الأدوية..فمن يطالع تقرير المجلس الأعلى للحسابات سيكتشف أن الأمر يتعلق ب”وهم كبير” يدور حول فلك بضعة دراهم أو سنتيمات، بينما يواصل لوبي المختبرات فرض الاحتكار على مئات الأدوية الأساسية…وهذا هو الفساد الحقيقي الذي يفترض أن تشتغل عليه إلى الحكومة إلى مختلف الملفات العالقة.
تعليقات ( 0 )