قبل أربع سنوات، بعث ادريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات آنذاك برسائل صريحة برأت المجلس من مسؤولية الثلاجة التي تودع فيها تقاريره السنوية.
كما تضمنت الرسائل ردا على التجاهل الحكومي لتوصياته، و الانتقادات غير المسبوقة التي طالته من طرف بعض الوزراء والمسؤولين بعد نشر غسيل القطاعات التي يشرفون عليها وفي مقدمتهم السي عزيز اخنوش صاحب المخطط الأخضر.
جطو جرب وفي أكثر من مناسبة التشكي من أن المؤسسة التشريعية و الحكومة تتعاملان ب”عين ميكة” مع تقاريره التي تستنزف جهد عشرات القضاة.
تقارير تكلف المغاربة عشرات الملايير سنويا لتركن في الأرشيف، رغم أنها تضع الأصبع على جزء مهم من الثقوب التي تجعلنا نحتل مراتب مخجلة في مؤشرات التنمية، ورتبا متقدمة في الفساد.
جطو قال أن الجميع لا يتعاملون بجدية مع توصياته وتقاريره، وهو وضع لا يبدو مستغربا في بلد تجتهد نخبه السياسية لمنع تجريم الاثراء غير المشروع لكي يتمتع لصوص المال العام بما سرقوه دون محاسبة.
اليوم ومع إصدار زينب العدوي لتقرير ثقيل يتبين أن دار لقمان لازالت حالها وأن المملكة غارقة في الاختلالات التدبيرية وأن الفساد استبد بالبلاد وأرهق العباد.
الخطير في ذلك هو استمرار نفس التجاهل وكأن المسؤولين عن كل الفضائح التي وردت في التقرير هم من الكائنات الفضائية.
كما أن الأخطر هو الاستمرار في حصر دور المجلس في تبديد الورق والمداد دون محاسبة.
أمر يفسر لنا كيف تحولت تقارير أعلى هيئة رقابية مالية في البلاد لمجرد “فزاعة بالية” لا تخيف.
يحدث هذا ولو صدرت مئات التقارير والتوصيات التي تكشف حجم النزيف الذي تتعرض له ميزانية البلاد. سواء تعلق الأمر بالمجالس المنتخبة أو الوزارات أو المؤسسات العمومية أو بعض المشاريع والمخططات التي ركبت على الإصلاح وانتهت بفساد خطير كلفنا مئات المليارات من الدراهم.
وضع يؤكد ما سبق ونبهت إليه فعاليات حقوقية حين أكدت أن الهيئات الرقابية بالمغرب مازلت تحتاج إلى اإصلاح قانوني عميق، وإرادة وشجاعة لتتمكن من أداء أدوارها.
الحديث هنا موجه بالأساس لتجربة المجلس الأعلى للحسابات بصفته مؤسسة شبه قضائية، والذي تتحول تقاريره السوداء في ظل عدم تحريك المتابعات ذات الطابع الجنائي إلى مجرد تقارير للاستئناس والاستهلاك الإعلامي.
والواقع أن تقارير المجلس في ضل هذا الوضع تصبح مجرد تقييم عابر للسياسات العمومية، عوض تحقيق مفعولها الرقابي، الأمر الذي يفسر لنا استمرار نفس الخروقات والتجاوزات إن لم نقل التمادي فيها بمنطق” سير كمل مافيها والو”…
تعليقات ( 0 )